«تشير المصادر التاريخية إلى أن "الرقة" كانت مصيفاً للخليفة "هارون الرشيد"، واتخذها عاصمة للخلافة العباسية مدة ثلاثة عشر عاماً حسب نفس المصادر، وجاء اختيار الخليفة "الرشيد" لـ"لرقة" مصيفاً وعاصمةً للدولة، لرقة نسائمها، واعتدال مناخها، وكثرة مياهها، واتساع ربوعها وسهولها الخضراء، وتذكر المصادر أن موكب الخليفة العباسي كان يسير من "الرقة" إلى "بغداد"، تظلله أشجار "النخيل"، وقد عُثر على جذوع لأشجار "نخيل" ضخمة في مناطق متفرقة من "الرقة"، وهي دلائل تؤكد أن المنطقة كانت عامرة بزراعة أشجار "النخيل"، وغيرها من أصناف الأشجار المثمرة».

ذكر ذلك الباحث "حمصي فرحان الحمادة"، وهو يتحدث لموقع eRaqqa بتاريخ (14/9/2010)، عن زراعة "النخيل" في "الرقة" عبر التاريخ، وتجارب توطينها في الوقت الراهن.

أثبتت بعض الدراسات التي أجراها مختصون نجاح تجربة زراعة "النخيل" في محافظة "الرقة"، وحددت هذه الدراسات الأصناف الأكثر ملاءمة لمناخ وترب المنطقة، ويمكن الاستدلال على نجاح زراعة "النخيل" من تجارب مماثلة في وطننا العربي، وخاصة في دول الخليج العربي وليبيا والجزائر، والتي تمتاز بمناخات جافة ومعدلات أمطار متدنية، تقل عن الهطولات التي تشهدها بادية المحافظة

ويضيف "الحمادة"، قائلاً: «أثبتت بعض الدراسات التي أجراها مختصون نجاح تجربة زراعة "النخيل" في محافظة "الرقة"، وحددت هذه الدراسات الأصناف الأكثر ملاءمة لمناخ وترب المنطقة، ويمكن الاستدلال على نجاح زراعة "النخيل" من تجارب مماثلة في وطننا العربي، وخاصة في دول الخليج العربي وليبيا والجزائر، والتي تمتاز بمناخات جافة ومعدلات أمطار متدنية، تقل عن الهطولات التي تشهدها بادية المحافظة».

حمصي فرحان الحمادة

وتحدث المهندس الزراعي "علي الفياض"، رئيس قسم الثروة النباتية، في مديرية زراعة "الرقة"، عن الحزام البيئي الذي حددته الوزارة لزراعة "النخيل" في المحافظة، قائلاً: «رسمت وزارة الزراعة الخارطة الزراعية السورية وفق ملاءمة النبات لمناخ وترب كل منطقة، وجاءت بذلك متطابقة مع الزراعات السائدة في كل بيئة مناخية، وجاء تصنيف المنطقة الشرقية لزراعة المحاصيل الإستراتيجية، وسمحت الوزارة بزراعة الأشجار المثمرة في المناطق المحجّرة من المحافظة، والتي تزيد فيها معدلات الهطول المطري على /250/مم، وصنّفت الوزارة محافظة "الرقة" ضمن الأفضليتين الثانية والخامسة بالنسبة للمناطق الأكثر ملاءمة لزراعة "النخيل"، وحددت الوزارة المناطق المسموح بزراعتها لشجرة "النخيل" على ضفتي نهر "الفرات"، وعلى مسافة /4/ ـ /8/ كم جنوب النهر، ولتتسع هذه المسافة إلى /60/ كم شمال النهر».

وعن تجارب توطين زراعة "النخيل" في محافظة "الرقة"، تحدث لموقعنا المهندس "عبيد الحسن"، رئيس مجلس المدينة، قائلاً: «بدأت محافظة "الرقة" باتخاذ خطوات عملية في مجال توطين زراعة "النخيل" المثمر في المدينة، وجلبت نحو عشرة آلاف شجرة لزراعتها في المنصفات الطرقية لشوارع المدينة الرئيسية، والوحدات الإدارية التابعة لها، والراغبين من المواطنين، وجُلبت الغراس من حقول الأمهات في "دير الزور" و"تدمر"، وتم التعميم على كافة الجهات العامة ومجالس المدن والبلدان لاستجرار حاجتها من أشجار "النخيل" مجاناً، وقام المجلس بتوزيع الغراس على المواطنين الراغبين بعد تعهدهم بزراعتها والعناية بها.

رئيس مجلس مدينة الرقة

وكان مجلس المدينة قد استجر نحو ألف غرسة "نخيل"، بحجوم مختلفة، وأعمار تتراوح ما بين سنتين وحتى ست سنوات، وتمت زراعتها في منصفات شوارع المدينة عوضاً عن أشجار "الكينا"، التي كانت تؤثر بشكل مباشر على كفاءة شبكات الصرف الصحي، وتتسبب بتصدع الأبنية السكنية المجاورة، وتقضي خطة المجلس بزراعة أكثر من خمسة آلاف شجرة في مدينة "الرقة" وحدها، والغاية من هذه العملية توطين زراعة شجرة "النخيل" في المحافظة، وخاصة الأصناف التي تلائم مناخ وترب المنطقة، وقد استعان المجلس بخبراء مختصين في زراعة "النخيل"، وأكدوا نجاح التجربة في محافظة "الرقة"، وأن الفسائل المزروعة وصلت طور الإنبات الأولي».

وبغية تشجيع زراعة "النخيل" في محافظة "الرقة"، وتأمين الغراس الكافية لجميع الراغبين، أحدثت وزارة الزراعة مركزاً لإنتاج فسائل "النخيل" في مزرعة "القحطانية" في "الرقة"، وعن ذلك يتحدث المهندس "مصطفى الحمادي"، رئيس المركز، قائلاً: «إن الغاية من إحداث المركز، استجرار فسائل "نخيل" بأصناف مختلفة، مستوردة ومحلية، من مركز "البوكمال"، ليتم زراعتها في المركز، لتكون نواة لبساتين الأمهات، ويقوم العاملون في المركز بفصل الفسائل بعد ثلاث سنوات من زراعتها، وبيعها للمواطنين وفقاً لتعليمات وزارة الزراعة، ومع مراعاة الحزام البيئي المحدد لزراعة أشجار "النخيل"، واستجر المركز خلال العام الحالي /2010/ نحو /1000/ فسيلة من مركز "الجلاء" في "البوكمال".

المهندس مصطفى الحمادي

تنتج شجرة "النخيل" الأم /25/ فسيلة سنوياً، خلال العشرين سنة الأولى من عمرها، وشجرة "النخيل" هي الوحيدة التي يمكن الحكم على نجاح زراعتها من خلال احتساب الوحدات الحرارية في المنطقة، ويمكن أن تُزرع في مختلف أوقات السنة، باستثناء الأشهر الأشد حرارة والأشد برودة، كما أن احتياجات "النخيل" للوحدات الحرارية تختلف تبعاً لأصنافه، ويتأثر موعد نضج الثمار وفقاً للوحدات الحرارية ونوعية الثمار طرية أو جافة».

وعن فوائد شجرة "النخيل"، يقول "الحمادة": «فوائد شجرة "النخيل" كثيرة جداً ومتنوعة، حيث أن ثمرتها ذات قيمة غذائية كاملة، ويستفاد منها في صناعة الدبس وعصير التمر والسكر السائل وخميرة الخبز والعلف، ويمكن استخدام جذوعها كأعمدة لأسقف المنازل الطينية، كما يستعمل سعف "النخيل" في صناعات كثيرة كصناعة الأخشاب المضغوطة والورق، في حين يدخل ليف "النخيل" الأحمر قي تصنيع الحبال، ويمكن الاستفادة من نوى التمر كأعلاف للثروة الحيوانية بعد جرشها وخلطها بعلائق علفية أخرى، وتدخل النوى أيضاً في صناعة الزيت والصابون.

تعد الفسائل المأخوذة من الأشجار المؤنثة الأكثر نجاحاً، وهي المعروفة بإنتاجيتها العالية، ما يساعد مستقبلاً على استنباط أصناف ذات مردودية إنتاجية مرتفعة، على عكس الأصناف البذرية، الذي تعد زراعته بمثابة المغامرة، حيث إن نصف الغراس المزروعة يمكن أن تكون مذكرة، لا قيمة اقتصادية لها، وهو أمر لا يمكن معرفته إلا بعد خمس سنوات من الزراعة عند تشكل المخاريط المذكرة والمؤنثة، إضافة إلى أن ثمار "النخيل" البذري ذو نوعية رديئة، ويقل إنتاجها عن الأصناف المزروعة عن طريق الفسائل».

وعن أهم أصناف "النخيل" المجرّبة، التي تتلاءم مع بيئة المنطقة ومناخها الجاف، وطرائق زراعتها والانتفاع بها، يضيف "الحمادي"، قائلاً: «لدينا قائمة بأصناف "النخيل" المجرّبة، والمتلائمة مع الظروف المناخية السائدة، ويأتي على رأسها النخيل "الخستاوي" و"الحياني" و"الزاهدي" و"الديري" و"العامري" و"القنطار" و"الخضراوي" و"الحلاوي"، وهي مفضلة عن باقي الأصناف، ومتوافرة في منطقة "البوكمال"، ومشاتل الأمهات في "دير الزور"، ومنطقة "تدمر"، ومركز الغراس في "الرقة"، ومزرعة "يعرب" التابعة لحوض "الفرات".

أشجار "النخيل" ينبغي أن تُزرع على خطوط مستقيمة، مع ترك مسافة عشرة أمتار بين غرسة وأخرى، على أن يتم زراعة فسائل مذكرة بنسبة تتراوح بين /5/ ـ /10%/ من مجموع الغراس، للحصول على غبار الطلع اللازم لعمليات التلقيح، ويفضل أن تكون أبعاد الحفرة التي تزرع فيها الفسيلة /1,5/ × /1,5/م، وتطمر بخلطة ترابية معاملة بالسماد البلدي، كما تحتاج الفسائل المزروعة إلى ري مستمر مدة ستة أسابيع، حتى يتكون المجموع الجذري، ويكون ذلك بإشراف مباشر من مهندسين مختصين».