مفردةٌ محلية، تعني السهرات ومعظمها يكون في مناسبات الفرح، كالزواج، الخروج من مأزقٍ ما، شفاء مريض، ولادة طفل ذكر، أحياناً العودة من سفرٍ ما، وربما صلح عشائري، ويكون بطلها شخص واحد في أغلب الأحيان.

وتقوم "التعليلة" على عاتق شخص يجيد الغناء، ولا يشترط أن يكون مطرباً، أو شخصاً يتخذ من الغناء مصدرَ رزقٍ إلا ما ندر، وإن كان ذلك فإنّ المؤدي يذكر اسم أحد الوجهاء الموجودين ليقوم بمكافأته بمبلغ من المال يتناسب مع موقعه الاجتماعي، وهذه حالة نادرة تكاد لا تذكر، لأنّ أغلب المؤدين الرقاويين هواة وليسوا محترفين، مهما اكتسبوا من سمعة وشهرة.

أنت ال گلت لي كلامك وين وديته آنا البگيت أجنبي والغير بديته

يقول المؤدي "موسى العبد العزيز" لمدوّنةِ وطن "eSyria" بتاريخ 27 أيلول 2019: «كان لي بتلك التعاليل ذكريات جميلة جمعتني بمطربين شعبيين كبار كـ"حسين الحسن"، "محمد الحسن"، "محمود شحاذة"، ومن خلالها حفظت كل الأغاني التي غنيتها، والتقيت فيها كبار الشعراء كـ"زيد الهويدي"، "محمود الذخيرة"، ولها في قلبي ما لها من عبق الذكرى».

الأدوات الموسيقية المرافقة

وقال عنها الشاعر "محمد المجهد": «لا تقتصر أهمية التعاليل على الغناء فحسب، فلقد كان فيها هامش للشعر والقصائد، ولطالما تحدث الشعراء فيها عن مفردات شعرهم، وأياً كان محتواها فهي عذبة في نفس كل شخص في "الرقة"».

وقد عرفت "الرقة" من أولئك الذين أجادوا الغناء واشتهروا به دون تقاضي أجر، أو هدايا، وأحييوا "التعاليل" عن هواية للفن والغناء فقط، الفنان الراحل "حسين الحسن"، وأخوه الفنان الراحل "محمد الحسن"، والفنان "محمود الشحاذة" المؤدي البارع؛ وعازف الربابة المعروف، والراحل "حسان العقلة"، والمؤدي "موسى العبد العزيز"، الذين لم يحييوا هذه السهرات الفنية إلا لأصدقائهم، ومعارفهم ومحبيهم، ولم تقتصر التعاليل على أولئك فحسب، بل أجاد الكثيرون ذلك، ولم يسمحوا بتسجيلها أو تصويرها، وكان ذلك سبباً لفقداننا توثيقها، وحفظ كلماتها التي أخذت تفتقد يوماً تلو الآخر.

وللفتيات دورهن في الفرح

كما عرفت قرى غرب "الرقة" الفنان "إبراهيم الأخرس" الذي حظي بشهرة عربية وعالمية، لأدائه الأغاني الخاصة بفرقة "الرقة" للفنون الشعبية، التي نالت جوائز عربية وعالمية.

تبدأ "التعليلة" بتجريب آلة الربابة أو الدف بحركتي عزف للربابة، وبضع نقرات للدف، ويبدأ المؤدي بعزف لحن حزين، ثم ينتقي بيتاً من لون "العتابا"، ويحرص على أن يكون متقن النظم والوزن، وبمستوى راقٍ من الكلام العذب، قد يعاتب به الزمن أو الأيام بغدرها، أو يعاتب حبيباً فرّقته الأيام عنه، وهو يعرف أنه يسمعه دون أن يراه، أو يصف حاله كيف كان، وكيف أمسى:

«شثگل حمل الليالي بغير ندماي

غثيث البال يلچمني وندماي

أنا كل همي وحسراتي وندماي

على عمرٍ تخطاه… ..الشباب».

ثم يغير اللحن بحالة عشق شجية، ولحن يرحل خلف الأفق، ليؤدي بيتاً من لون "الناليل" الشجي:

«أنت ال گلت لي كلامك وين وديته

آنا البگيت أجنبي والغير بديته».

ويحرص أن يورد البيت كما هو، وكما يحفظه الحضور بدقة، ثم ينتقل للون الأشجى لحناُ وأداء وكلمة وهو لون "اليايوم":

«عذبك درب أهلنا يا وليد وش مجيبك

آني والله عليهم اللي گطعم نصيبك».

أما عازف الدف فيبدأ ببيت من "الموليّا":

«الحيل مني نحل بگيت أني بس عود

ع الزين مالي نجد من لامتي بسعود

جهال ياهل الهوى اللي حظى بسعود

ينهب جديد العمر تراه عاريه».

ويفضل المؤدون أداء ما نظمه الراحل "محمد الذخيرة"، والشاعر الراحل "محمود الذخيرة"، ثم يتمم مقطوعته الموسيقية بعدة أبيات من هذا اللون، وإن كانوا اثنين فأنهما يتحاوران، ويحرصان على أن تكون الأبيات المغناة من ذات المطلع، أو متقاربة بالمعنى، ثم ينتقلان إلى لون "اليايوم" السابق الذكر، حتى يهدأ الجمهور ويكون أكثر استماعاً، لينتقل المؤدي بعدها لأداء أحد ألوان "التشاطيف"، ويؤدونها معاً وليس على شكل حوار، ومن هذه النماذج:

«أبو الخديد الوردتين الياعم

ففرح گليبي يوم صاحت ياعم

لا تجعد الغرنوج نايم ياعم

من شمس بارح راس خده محمر».

وبين هذه وتلك تمتزج روح النشوة، والشعر، والموسيقا الهادئة، مع الأمل والحنين والأمنيات.