تعد الطبيعة القاسية وجفاف البادية في محافظة الرقة من العوامل المؤثرة على طبيعة الحياة هناك، ما انعكس على كلمات أغاني الشعراء التي ترجمت مشاعر الناس وأخلاقهم، فنقلت حزنهم، وقسوة طباعهم.

مدونة وطن eSyria أجرت بتاريخ 27 آذار 2014 اتصالا هاتفيا مع الشاعر الفراتي "مزاحم الكبع" فتحدث عن سمات الشعر في وادي الفرات فقال:«ارتبط الشعر الفراتي بحياة الناس وصعوبة المعيشة وقساوة المناخ، وبالظلم الذي لحق بهم على مر العصور جراء الاحتلال العثماني والفرنسي، وفي سنوات القحط أيضا، ما ترك في نفس الشعراء أثرا حزينا في نتاجاتهم الشعرية، إضافة إلى ما فرضته العادات الاجتماعية التي كانت مسيطرة ، بحيث يحتاج الشاعر الفراتي العاشق مثلا إلى أشهر أو أعوام كي يرى حبيبته لمرة ثانية . ومما قيل في هذا:

أما السمة الثانية من سمات الشعر الرقي فهو الحرمان؛ الذي يتصف بسمة من سمات العزل العذري، حيث يشاطر الشاعر الفراتي الغزل العذري هذه السمة وربما تسمو على غيرها من سماته الأخرى كالحبيب الواحد

حسافة يا دهر شتميل وتعيل/ وحسباتك تفت الجبد وتعيل

تشيد للعفون كصور وتعيل/ وتنزل بالملوك أهل الصخا ».

الباحث "محمد الموسى الحومد" كتب في "أحاديث على الهامش في الشعر الرقي" : «في تلك البادية الجافة ذات المساءات الحزينة عاش ابن "الرقة"، فنقل شعراء المنطقة صور طبيعتهم بحذافيرها وأخلاق أهلها، ومن المتعارف عليه هناك أن من يرد التعرف على أخلاقهم فليحفظ أشعارهم، ومثلما يقول "جبران كسعود": الأمم تعبر عن خلجات قلبها بالشعر، قبل أن تعبر عن بنات أفكارها بالنثر».

ويضيف "الحومد" بالقول: «ترجم الشعر "الرقي" مجموعة من الأحاسيس التي يعيشها ابن "الرقة" خلال حياته اليومية أو نقل صورة لحادثة عاشها، وقد اختلف الباحثون حول موضع الحزن في الأغنية الفراتية أهو في الشعر أم في اللحن أم في الصوت، لذلك كان هناك فريق أفردها، وآخر ثناها، ومنهم من جمعها، وقد استعرض الشعر الفراتي و"الرقي" خاصة أغلب أبياته حزينة المعاني بدءاً من القصيد مروراً بـ"العتابا، والموليا، والنايل"».

وأما عن أسباب السوداوية في الشعر "الرقي" فيتابع : « يقول الشاعر "محمود الذخيرة" إن القصيدة الفراتية تتسم بالسوداوية والحزن وذلك لأسباب كثيرة أهمها الاستبداد الناتج عن المغول والتتر، أما السبب الثاني فهو الطبيعة بأسرها والبادية ذاتها حيث قسوة الحياة وصعوبة العيش، وثالث تلك الأسباب حرمان البدوي وشعوره بالحاجة العاطفية إلى الألفة وحتى الحاجة المادية من خلال أشعاره التي تمتلك سمة واضحة من الحزن».

من بين هذه الأشعار:

"أويـل قلـبٍ مسـنو لواكيـع.. من زغر سني الليالي غدرني

يا دهر يا خوان مالك روابيع.. ادعيتني ما نام ليلي أعني".

وتتأجج هذه السمة في "العتابا" لتبدو واضحة:

"لف قندوس جرحي وما شفاني.. ولا نفع بحالي ولا شفاني

يوم وداع خلي ما شوف آني.. السود من البياض من العمى".

أما في "الموليا" فيقول:

"العين جفت دمع مذروفها من الدم.. كدرني جور الهوى من صباي زاد الهم

احتسيت مر العمر جرعات دفلى وسم.. سافن جناب الدليل وعن مساميه".

ويتابع "الحومد" بالقول: «أما السمة الثانية من سمات الشعر الرقي فهو الحرمان؛ الذي يتصف بسمة من سمات العزل العذري، حيث يشاطر الشاعر الفراتي الغزل العذري هذه السمة وربما تسمو على غيرها من سماته الأخرى كالحبيب الواحد».

"لي هاج بحر الهوى الزين ملاح.. حتى العذيمي يتباهى حين مالاح

اركض وراهن واصيح ملاح يا ملاح.. كلجن حوارم ترى من غيرها هيّه".

أستاذ اللغة العربية "أحمد فواز" أضاف: «كان يذكر في أغلب أبيات الغزل العذري اسم من يتغزل بها الشاعر، على نقيض الشعر الشعبي في وادي الفرات ،حيث لا يسمح النظام العام في هذه البيئة بذلك، فيلجأ الشعراء إلى سلوك سبل أخرى، وقد يستعيض الشاعر عن ذكر الاسم بذكر معناه: "آني جتلني من اسمه بأول الذود.. حنت على حوارها بفروع ورود

ماكدر على وصولها لا آني ولا نجودي.. همي رحل ما يشيلوه هديب شرجيه"».

ويختم بالقول: «هناك مسحة جمالية لذلك الشعر الذي نما وترعرع بين أفئدة صادقة وفية ترجمت عواطفها بكلمات عشقتها الأذهان وتمتعت بمعانيها الرائعة لبساطتها وروعتها، ومازالت تزداد وتزداد إلا أن تلك الملامح الحزينة بدأت تختفي وذلك لما توصل إليه ابن هذه المدينة بباديتها وريفها من التمدن والتحضر».