في السادس عشر من شهر تموز لعام /2008/ قدمت "توتول" عرضها الفني الذي ضم باقة من الأغاني والألحان التراثية "الرقية"، وتابعت الفرقة بعد ذلك تقديم أعمالها بعمل فني موجز بعنوان "اللالا" كما تغنى في كل المحافظات.

والفرقة على يفاعة عمرها استطاعت أن تخط لنفسها درباً تسير عليه، وقد أثبتت وجودها في أكثر من مهرجان وفعالية، فقد تأسست فرقة "توتول" في مطلع عام /2005/ في دار "الأسد" للثقافة في "الثورة"، وسميت بذلك تيمناً باسم إحدى أهم الممالك التي قامت في الألف الثالثة قبل الميلاد عند ملتقى نهري "الفرات" و"البليخ" إلى "الرقة" من جهة الشمال الشرقي بنحو بضعة كيلو مترات.

الذي يمكن قوله في نهاية المطاف إن هذا الموروث أمانة بين أيدينا، كما هي الفرقة التي تحتاج إلى أكثر من الكلمات والتشجيع والتصفيق لأنها الآن مؤتمنة على تراث منطقة خرجت منها إحدى أهم وأعرق الحضارات

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 31/7/2008 مدرب الفرقة ورئيسها الفنان "أنس عبد ربه الطياوي" الذي تحدث قائلاً: «إن كان العطار قد عجز عن إصلاح ما أفسده الدهر، فليكن ذلك مدعاة للحفاظ على ما استطاع الفعل البشري اجتزاءه واجتثاثه من جذوات الزمن عبر سعيه القديم الجديد لتخليد ذكراه بعد أن أعيته الحيلة في الخلود، ولعل الفعل الثقافي، من أهم أشكال هذا التخليد، هذا الفعل استطاع أن يوطد أركان حصون ممانعة في وجه النسيان والانمحاق، لكن التراث الشعبي الذي لم تتوافر له إمكانات العمل الثقافي مع أنه جزء منه، لا تكفيه الوسائل التقليدية للحفظ والتدوين وإن كانت على جانب من الأهمية القصوى، لأن الفعل أو الحدث التراثي غالباً ما يحتاج إلى خصوصية في الحفظ، تتمثل في إعادة إنتاجه بروحه أو بروح جديدة، لأن مركز حفظه هو العقول والصدور قبل السطور، ولاسيما أن معظم هذا الموروث لم يوثق إلا مؤخراً وبجهود شبه فردية.

رئيس الفرقة

و"توتول" واحدةٌ من أشكال إعادة هذا التدوين، لكنه تدوين يعيد الحياة والروح إلى مادة التراث، عبر إعادة تجسيدها في لوحاتٍ فنيةٍ راقصةٍ، يؤديها ثلةٌ من اليافعين الهواة، وبذلك يتجسد المشهد بروحه وبنكهته، وطعمه على افتراض أن هذا التجسيد يقارب الهوية الحقيقية للموروث، لأنه جاء منقولاً عبر المشافهة أكثر منه عبر التدوين».

وأضاف: «يشكل التراث "الرقي" معيناً ثرَّاً لا ينضب لعشرات الفرق إذا شاءت العمل عليه، ومرد ذلك إلى أنه موروث بكر في معظمه، وغزيرٌ ومتوافر ضمن ما بقي منه طبعاً، وهو عصيٌّ على النسيان، ولا ننكر أن قسماً كبيراً منه- سواء أكان في "الأساطير" الشعبية والحكايات أم حتى الأشعار والأغاني- قد طاله النسيان بعد رحيل حفَظتِه. لذلك عمدت الفرقة إلى التقصي والبحث عما بقي منه محفوظاً في الذاكرة، وتم تدوين جزءاً يسيراً منه، والتعامل معه عبر إعادة تجسيده في لوحات فنية راقصة، ومعبرة بعد أن أجريت عليه عمليات فنية يسيرة طالته ببعض التحوير والتغيير القسري الذي فرضته طبيعة ذلك الموروث بدءاً من النص الذي أعيدت صياغة بعض مفرداته تحت إلحاح الحاجة، وبتبسيط مفردة وعرة أو ثقيلة على اللفظ والفهم، أو مفردة أخرى باتت نابية أو يصعب تقديمها بشكلها الجماهيري، فذلك الموروث كان فيما مضى يروى كحالات فردية داخل مجتمعات ضيقة، ما برر للبعض استخدام مفردات قد تكون بعُرف اليوم نابية أو نافرة، لكن تلك الصياغة حافظت على البنية الأساسية لروح القصيدة وجوهرها، كذلك جاء اللحن ليتمم المسيرة، من خلال إعادة توزيعه، نظراً لتعدد الآلات، وتطورها وتشعب أدوارها، الذي لم يكن متاحاً البتة لابن البادية الذي كان في أحسن الأحوال يجسد رسالته، عبر آلتي "الناي والإيقاع"، وأحياناً عبر واحدة دون الأخرى أو دونهما معاً.

ومن أهم الأعمال التي جسدتها الفرقة لوحة "جمل غيده" التي ترتكز إلى حكاية شعبية اشتهر بها وادي "الفرات" وذاعت به، ولأن المقطع الغنائي الذي ينشد داخل بنية الحكاية قصير ومقتضب، تم التعويل على إضافة مقاطع جديدة تترجم روح الحكاية وجوهرها ضمن السياق الحكائي لأحداثها وحبكتها، إضافة إلى لوحة "الرحى" وهي أغنية تؤديها الفتيات في تلك الفترات الماضية إبان عملية طحن "جرش" القمح وتحويله إلى برغل، وما يتم إنشاده أثناء تلك العملية هو مجموعة أبيات تدور في فلك الحب والعشق ودلال المحبوب، أما لوحة "صهيل الخيول الفراتية"، فتشحذ الهمم لرد غزوات المغيرين التي كانت تشهدها هذه المنطقة، وخصوصاً من قبل شذاذ الآفاق، وقطاع الطرق الذين يغيرون على القرى، فينهبون ويسلبون ويبيدون، ويزيد على ذلك العديد من اللوحات التي تجسد أحداثاً وأفعالاً وعادات كانت ومازال بعضها متداولاً بين الناس، من أهمهما: "بانوراما رقية"، و"تعلولة فراتية"، و"لوحة البداوة"، "السيف والترس"، "الحصاد"، ناهيك عن "البانوراما السورية" التي اقتطف من خلالها زهرة من كل بستان، لتشكل مزهرية واحدة جامعة بشكل مقتضب لألوان وأنواع من أشكال الغناء "التراثي" السوري، وتعمل الفرقة اليوم على تقديم وصلة بكر جديدة لم يسبق أن قدمت، وهي مكونة من أربع أغنيات: "طاحت الدراجة"، و"يا هلي"، "غربي لاديرو"، "الاه ويليا".

والفرقة- على حداثة سنها- استطاعت أن تشق طريقها وتجتاز وعورة الدرب مرتقية بهوية تراث تليد نحو العديد من المراكز والفعاليات، وكان في مقدمتها مهرجان الفنون الشعبية الذي تقيمه "وزارة الثقافة" في "إدلب"، و"مهرجان الفنون الشعبية" في "تل أبيض"، إضافة إلى إحياء العديد من الأمسيات التي أقيمت في "مدينة الثورة"، ومنها اختتام فعاليات المهرجان المسرحي الخامس في "الثورة"، وحفل تضامني مع الشعب الفنزويلي بحضور سفير بلاده، كما أحيت حفلاً لوفد الكتاب الصيني الذي زار المنطقة، كما كان للفرقة حضور فعال في المهرجان القطري الثاني والثلاثين لطلائع البعث الذي أقيم في "الرقة"، وقد قدمت الفرقة عدة عروض في ملتقيات "الصفصافة"، وحدة الطلائع في مدينة "الثورة"».

أما "حلا محمد" وهي من عناصر الفرقة فقد قالت: «الذي يمكن قوله في نهاية المطاف إن هذا الموروث أمانة بين أيدينا، كما هي الفرقة التي تحتاج إلى أكثر من الكلمات والتشجيع والتصفيق لأنها الآن مؤتمنة على تراث منطقة خرجت منها إحدى أهم وأعرق الحضارات».

وتعقيباً على المشاركة الأخيرة في مهرجان "أدلب" الخضراء أضافت: «لقد حملنا تراث "الفرات" نثرناه كالورد فلاقى احتفاء وقبولاً يصعب وصفه لقد قدمنا صورة مصغرة عن الحياة، وإنْ بطريقة جديدة أعني تشكيلاً فنياً حركياً منوطاً بلحن وأغنية، لكن الراسخ أن فحوى الرسالة قد وصل إلى القلوب وإلى العقول سواء بسواء، ولاسيما أن المهرجان قد شهد حضوراً رسمياً وشعبياً كبيراً، ومن خلال هذه التجربة كنا مؤثرين ومتأثرين، فقد وقفنا على صور جميلة للفلكلور والتراث الشعبي في محافظات أخرى، حيث شاركت فرق عديدة منها: فرقتا "الخيزران" و"الرها" من"الحسكة"، ومن "حماة" "مصياف" و"سقيلبية" و"محردة"، إلى جانب فرق أخرى منها فرقة "حلب" لإحياء التراث، و"الكسوة" في "دمشق"، و"السويداء"، ناهيك عن فرقة البلد المضيف وهي فرقة "إيبلا"، لقد كانت بحق تجربة مفيدة لجميع الفرق وممتعة للحضور الغفير الذي شهد فعاليات المهرجان».

  • تم تحرير المادة بتاريخ 31/7/ 2008.