كان رجلاً صارماً ونزيهاً يشهد له الجميع بأنه لا يخشى في الحق لومة لائم، لذلك ترك بصمة لا تنسى في تاريخ القضاء الذي خسر باستشهاده قامة فكرية، وصوتاً عالياً للحق في محافظة "الرقة".

مدونة وطن "eSyria"، بتاريخ 25 نيسان 2018، تواصلت مع الباحث "محمد الموسى الحومد" ليحدثنا عن القاضي "إبراهيم الكراف"، حيث يقول: «كان النجم الألمع في تاريخ القضاء بمحافظة "الرقة"، والنائب العام السابق، ورئيس محكمة الجنايات، عرفته عن قرب في أوائل الثمانينات عندما كنت طالباً في المرحلة الإعدادية، حيث كان يعلمنا حروف اللغة الإنكليزية الأولى، لينتقل بعدها ليصبح قاضي فرد عسكري إبان خدمته الإلزامية، ثم جمعتني الذكرى معه في ظروف شتى لعل أبرزها حضوري لمناقشة رسالة الدكتوراه الخاصة به في جامعة "دمشق" عام 1994، حيث قدمت حينئذٍ من "بيروت" لحضور مناقشة تلك الرسالة، التي كانت تحت عنوان "الحصانة الدبلوماسية للعامل والموظف الدبلوماسي"، والتي حصل بموجبها على الدكتوراه في القانون.

كان نعم الرجل، صاحب الأخلاق الحميدة والنخوة، والرجل المثالي. متواضعاً على الرغم من مكانته العالية، لا يخشى في الحق لومة لائم، ويشهد له بذلك خصومه قبل محبيه. كان عندما يدخل القصر العدلي يجمع في مشيته الوقار والهيبة، ويمتلك طيب الأصل، ودماثة الخلق، فقد كان يلقي التحية بكل تهذيب على الجميع؛ صغيرهم وكبيرهم، ويعرف الجميع أنه كان ثرياً، وله أياد بيضاء في عمل الخير ومساعدة المحتاجين

كان حصيفاً في حفاظه على المال العام، وأذكر أنني تداولت معه في مكتبه قرارين قضائيين صدرا ضد فرع المؤسسة التي كنت أديرها، عندما كان رئيساً لإحدى المحاكم، وأعفي إثرهما أحد مستشاريه. وفي لقاء جمعني وإياه في منزله منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، تحدثنا مطولاً في تاريخه العملي ومذكراته مع أصدقائه وخصومه، ومذكرات وطن كان على حافة الهاوية، ولم نتجالس بعدها مطلقاً.

الأديب محمد الطاهر

كان قاضياً نزيهاً شريفاً حذراً من العيوب التي يمكن أن تصيب القضاة بالفطرة، وكان نساباً عارفاً بأصول وفروع العشائر التي تقطن "الرقة" وريفها، وخصوصية كل منها، وكان يحسن إسقاط ذلك على عمله كقاضٍ».

ويتابع: «"إبراهيم الكراف" حالةٌ استثنائية ونادرة، استثناها الزمن من الشوائب، ذلك الرجل الذي لم يغادر "الرقة"، وبقي حارساً على أرضه وبيته، حتى سال دمه الدافئ على ربوع "الدرعية" أرضه التي ورثها من أبيه وأجداده، والتي تحمل اسم إحدى جداتنا. كان مثالاً للوطنية، ورمزاً للإخلاص والتفاني من أجل الوطن، حتى دفع روحه الطاهرة ثمناً لذلك، وهو يدرك ماهية اللعبة وأطوارها، التي راحت "الرقة" ضحية نارها. فقد القضاة قاضياً صلباً حاداً قاسياً، يخاصم خصوم الحق أياً كانت النتيجة».

وقال عنه المحامي "محمد أحمد الطاهر": «لقد كان رجل قانون حقيقياً، يقف بالمرصاد لكل خطّاء، ومرة وكلت لرجل وقع ضحية طبيب، حيث كانت حالته تثير الشفقة نتيجة تعرض ابنه وعمره تسع سنوات لعملية جراحية كان نتيجتها بتر عضوه الذكري، بسبب الجهل الفاضح والاستهتار بحياة الآخرين، وبعد أن تقدم بدعوى للقضاء، تم تكوين لجنة طبية برأت الطبيب من فعلته، ولم تحمله أي مسؤولية، وعزت ما حصل إلى مرض الناعور، وأنه كان سبباً في تآكل واهتراء العضو الذكري له، ولدى مراجعتي للقاضي الناظر إلى القضية، قالها صراحة لي إن الخبرة الطبية الجارية مقنعة، وسوف يأخذ بها، ولا مبرر لإعادة الخبرة أو الاستعانة بخبراء من خارج المحافظة، وهو رد على اتهامي للأطباء الخبراء بالتواطؤ مع زميلهم المدعى عليه، وكان والد الطفل فقيراً، ومهنته عامل بيتون، ولم يكن يملك ثمن الوكالة، قال لي وهو يبكي بمرارة من الظلم: (ما العمل يا أستاذ، الولد ضاع). فقمت وأخذت الطفل إلى مكتب الدكتور "إبراهيم" وسردت القصة له، وعندما شاهد حالة الطفل تأثر كثيراً واستغرب، فاتصل فوراً بالقاضي المكلف بالقضية، وقال له كلام رجال لا أنساه، وتم تكوين لجنة جديدة في "حلب"، وأخذ موكلي كامل حقوقه، وتابع "الكراف" القضية لحظة لحظة، خاصة أن المدعى عليه حاول المماطلة والهروب والتسويف».

الموظف "حسن خطاب"، عنه يقول: «كان نعم الرجل، صاحب الأخلاق الحميدة والنخوة، والرجل المثالي. متواضعاً على الرغم من مكانته العالية، لا يخشى في الحق لومة لائم، ويشهد له بذلك خصومه قبل محبيه. كان عندما يدخل القصر العدلي يجمع في مشيته الوقار والهيبة، ويمتلك طيب الأصل، ودماثة الخلق، فقد كان يلقي التحية بكل تهذيب على الجميع؛ صغيرهم وكبيرهم، ويعرف الجميع أنه كان ثرياً، وله أياد بيضاء في عمل الخير ومساعدة المحتاجين».

يذكر أن "إبراهيم الكراف" من مواليد "المشلب" عام 1954، حاصل على أول شهادة دكتوراه بالقانون الدولي في "الرقة"، وشغل عدة مناصب قضائية بما فيها المحامي العام في "الرقة"، وكانت آخر مهمة كلّف بها رئيس محكمة الجنايات.

استشهد في "الرقة" بتاريخ 10 أيلول 2017، إثر استهداف منزله من قبل طيران "التحالف الدولي".