شقّ طريقه في الفن بمجهوده الذاتي، وتمسك بالأصالة في التعبير، فتعمق بالتيارات الحداثوية المختلفة، لكنه لم يسجن ريشته فيها، بل اختط لنفسه نهجاً مغايراً يقوم على مفهومه الشخصي للرسم ورؤيته الخاصة له، يحاول البحث عن لغة فنية لعالم أرحب وأشمل.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 22 آذار 2018، تواصلت مع الفنان التشكيلي "نهاد عبد القادر" ليحدثنا عن مسيرته الفنية، حيث يقول: «ولدت وأنا أتنفس الفن ورائحة اللون من دون أن أعرفه. درست في معهد الفنون التشكيلية في "الرقة"، قسم الغرافيك، وحصلت على عضوية اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين بعد عدة معارض فنية، تمكنت خلال مدة وجيزة من رسم ملامح خاصة بي، وشاركت في العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل "سورية" وخارجها، وكان معرضي الفردي الأول في "الرقة" عام 2002 بعنوان: "غرافيك"، كذلك أقمت معرض "سرياليات" عام 2003، ومعرض "إنسانيات" في مدينة "الطبقة" عام 2004، ومعرض وقفة مع الذات في مدينة "الحسكة" عام 2005، ومعرض "وجوه بلون المطر" في "مصياف" عام 2010، ومعرض الفصل الخامس في "الرقة" عام 2011، ومعرض بعنوان: "انتماء في "الرقة" عام 2013، ومعرض "سبات" في "بيروت" عام 2015، ومعرض "حقائق فارغة" في "بيروت" عام 2016، وآخرها معرض "خراب بين النهرين" في مدينة "ليون الفرنسية" عام 2018. والآن أنا رجل لا أتنفس إلا الفن».

الخوض في حوار فكري فني شيء مهم جداً في حياتنا الفكرية، وخلق نوع من الحوار مع الناقد يستدعي تقبل الأفكار بين الطرفين ومناقشتها بموضوعية وحيادية مهما كانت الصلة بينهما، ومهما كانت الأفكار، وعلى الناقد الحقيقي أن يكون على مستوى رفيع من الوعي والدقة والشفافية، ويلتزم الحياد والابتعاد عن المصالح الشخصية، ويكون الانحياز إلى العمل الأفضل، عندئذ يكون الناقد قد أنصفني وأنصف الجميع

وعن رؤيته للفن يضيف: «في ظل هذا التطور الهائل في الثورة المعلوماتية والتكنولوجية، والعبور بالإنسان إلى عالم أكثر ديمومة يصل إلى درجة تصميم نموذج كامل لدماغ الإنسان، أو حتى إنسان معدل وراثياً مازالت مجتمعاتنا تراوح مكانها على جميع الصعد. هنا توقف الزمن، بتّ أبحث عن نقطة ضوء اصطناعية ليتحول كل شيء وكل هاجس إنساني إلى كائن ذي شكل ولون وحتى رائحة، من القلق إلى الوحدة والخوف والجوع، وحتى الشمس بالمعنى الرمزي، كل شيء تحول إلى كائن بعينين ورأس وأرجل متعددة لنهرب من خيباتنا المتكررة، ما زلنا مرتبطين بماضينا إلى حد التقديس الأعمى، ونسكن في عراءه المتلاشي منذ زمن، ماضينا بالمفهوم الفكري والأيديولوجي، وهنا أيضاً تزداد المغامرة التشكيلية أكثر إلى ترميز الشكل في الميثولوجية القديمة، وأفكارنا البالية لتكون مادتي الفقيرة فكرياً والغنية معنوياً، إنه الاقتراب من الحقيقة، ومداعبة روح التجربة للحصول على رؤيتي الشخصية، وهي قابلة للتبديل في هذا الزمن المتغير».

أرواح المكان

وعن سبب ميول أغلب أعماله نحو الاتجاه السريالي، يقول: «البحث عن الأسلوب يتطلب وسائل وأساليب لتنفيذ العمل الفني، لذلك يتطلب من الفنان إدراك القوانين الموضوعية للمدارس الفنية، والتجربة السريالية التي مررت بها كانت مختلفة، ووضحت فيها الرموز والإشارات والتكوينات التي تلامس روح الواقع الممتلئ بالعذابات المزمنة، والتجربة السريالية تجربة مهمة، لكنني لم أتقيد بها، بل أتعداها إلى المذاهب الأخرى، لأن الإبداع لا يقتصر على أسلوب معين، أو آلية تفكير واحدة، بل أريد البحث والتجديد».

وعن معيار النقد بالنسبة له، يقول: «الخوض في حوار فكري فني شيء مهم جداً في حياتنا الفكرية، وخلق نوع من الحوار مع الناقد يستدعي تقبل الأفكار بين الطرفين ومناقشتها بموضوعية وحيادية مهما كانت الصلة بينهما، ومهما كانت الأفكار، وعلى الناقد الحقيقي أن يكون على مستوى رفيع من الوعي والدقة والشفافية، ويلتزم الحياد والابتعاد عن المصالح الشخصية، ويكون الانحياز إلى العمل الأفضل، عندئذ يكون الناقد قد أنصفني وأنصف الجميع».

فتاة الصفصاف

وعن لوحات معارضه كتبت الناقدة اللبنانية "جوزيان أبو مطر" تقول: «الكثير من المفاهيم والدهشة تضعنا من خلالها بأعماله الأخيرة، أجواء غنية من حيث المشهد التصويري، ولا يخفى على أحد غنى الشرق بالأساطير في أشكالها الرمزية، حيث لجأ "نهاد" إلى قصص خرافية لا تمت بالواقع سوى أنها حكايات تناقلها الناس كل حسب ثقافته ليصبح جزءاً من تراث شعب.

ففي أعمال "نهاد" يضعنا أمام حالة نفسية، والجو العام المشحون في ظل هذه الحروب التي تشهدها المنطقة، فيعكس بذلك أشكالاً غرائبية تصل أحياناً إلى التشويه الجسدي، ليفتح بذلك أبواب إشكاليات تعبيرية عن واقع معاش، ويتجه نحو المجهول، ويطرح بذلك تساؤلات كثيرة للمتلقي، في هذا الزمن التعيس الذي نعيشه، الزمن توقف في بعض أعماله ليتداخل المعقول باللا معقول بالفعل البشري، والعقل البشري أضاع البوصلة والحقيقة المطلقة. نعم نحن أمام أساطير مازالت تسكننا وتتحكم في حياتنا، كطفل مازال يعيش في حقبة زمنية كانت الأجمل في وقتها آنذاك فقط، فلكل زمان رؤى، وإفرازات لا تخلو من السذاجة، إذا تدخلت بحياتنا تدخلاً مطلقاً».

طائر الغرنوق

يذكر أن الفنان "نهاد عبد القادر" من مواليد "تل أيول"، عام 1978.