من أقدم الآلات الموسيقية المعروفة في وادي الفرات، يصنعها البدوي في "الرقة" من الخشب وشعر الخيول، تميزت ببساطة ألحانها التي ربما تعود إلى آلاف السنين، حيث تتناغم مع بساطة الجو المحيط بها، تسافر مع البدو في حلهم وترحالهم المستمر، وهي واحدة من أهم طقوس مضافاتهم التي يطبعها الليل والنار بطابع سحري.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 4 تشرين الثاني 2014، الباحث والفنان "سعيد حمزة" الذي قال: «انتشرت "الربابة" في "ريف الرقة" منذ عصور بعيدة، حتى تكاد تجدها في كل بيت من بيوت العربان، وكانت تنتقل مع البدوي في حله وترحاله، يلجأ إليها في ساعات راحته وهدوئه، ولم تكن الربابة آلة لهو ولعب وقضاء وقت عند البدوي، بل كانت آلة يلجأ إليها ليشكو همومه وشجونه، وعندما يمر بقوسه على وترها الوحيد يُخرج صوتاً مبحوحاً كأنه قطعة من نشيج قلبٍ خبأ ما بداخله من قصص وحكايات».

الطريقة الأولى "الطبيعية": وهي أن يقرأ بنغم بسيط ويقطع تقطيعاً يشبه تقطيع العروض، الطريقة الثانية "التطويح": عند العودة من الحرب منتصرين تكون نغمته ممطوطة متكسرة تنسجم مع حالة التمايل التي يقومون بها على ظهور الخيول

ويضيف: «لا يعتمد "الرقاوي" على نوتة موسيقية إنما العزف سماعي، فهو يحرك الربابة بأنامله مرات ومرات حتى يستقيم لحنها،عندئذ تتهيأ نفسه لتبوح بمكنونها، وهي النفس التي لوعتها الصحراء بصمتها وسكونها، فتشعر بأن ألحانه تخرج من أعماق قلبه بألحان هادئة، يحكي أنينه ولواعج همومه، فهي كالقهوة العربية الصديق الوفي للبدوي التي تواسيه في شدته وتقف إلى جانبه في فرحه وأحزانه».

الباحث والفنان سعيد حمزة.

ومن عادات البدوي عندما يريد أن يطلب شيئاً يقول "حمزة": «من عادات أهل "الرقة" عندما يريدون حاجة هناك طريقتان: الأولى أن يترك فنجان القهوة ولا يشرب منه شيئاً حتى يلبى طلبه، والثانية طلب الضيف العابر أو صاحب الحاجة الربابة ليعبر بها عما يجيش في داخله، فيمزج شكواه بأنين نفسه؛ وهو ما يجعل النفوس الأخرى ترق له وتهب لنجدته وتساعده في محنته، وتفك من أزمته وكربته».

وختم: «تختلف ألحان الربابة حسب إمكانيات العازف الذي يكون ملماً ببحور الشعر حيث يوجد "الهجيني، والمسحوب، والصخري، والسامري"، فكلمات الشعر البدوي "هفهفات" من العواطف ولواعج الحب، ومن أجل ذلك يكون التعبير بها أسرع إلى القلوب وأقرب إلى النفوس، فتتغلغل بها لا تنتظر دليلاً ولا ترجماناً، ولأن الصحراء تجعل الإنسان أكثر وحدانية لينفرد بربابته ينطلق ذلك الكبت لينساب ألحاناً شجية معبرة خالية من كل تصنع وتكلف».

وأشار الشاعر والقاص "خالد جمعة" بالقول: «عازف "الربابة" يسمى الشاعر، وهو عادة ما يعبر بشعره عن موقف أو حدث معين مر به، أو عن رواية متناقلة عن الأجداد، فيمرر مشاعره، من خلال الربابة إلى آذان الساهرين، ويحظى بمكانة بارزة عند أقربائه، فهي موسيقا مفعمة بعبق الصحراء، تحمل حنينها الخاص، لتملأ بحزنها الصريح مساحات كبيرة من المشاعر الجياشة، لأناس لا حدود لوجدانهم وسط الامتداد الشاسع للرمال الحارقة».

ويضيف: «أصبحت "الربابة" لدى أهل "الرقة" رفيقة السهرات والشعراء مع دلال القهوة النحاسية ورائحة القهوة العربية المطيبة بالهال وصوت "المهباش"، من صور الماضي التي تراجعت لتترك مكاناً لأجواء الحداثة التي لم تعد تتسع لها، فصوتها يستدعي الذكريات البعيدة المخبأة في ثنايا الروح لمن عاصرها، فقد كانت أنغامها حاملة معاني الحكمة وخلاصة التجارب».

عن الطرائق التي يغني بها عازف "الربابة" يقول "الجمعة": «الطريقة الأولى "الطبيعية": وهي أن يقرأ بنغم بسيط ويقطع تقطيعاً يشبه تقطيع العروض، الطريقة الثانية "التطويح": عند العودة من الحرب منتصرين تكون نغمته ممطوطة متكسرة تنسجم مع حالة التمايل التي يقومون بها على ظهور الخيول».

وعن استخدامات الربابة بين بالقول: «استخدمت "الربابة" لدى أهل "الرقة" لخدمة الشاعر في إلقاء شعره، لذلك نجد أنها تحتوي على وتر واحد، لأن الشاعر لا يحتاج إلى مساحة لحنية عريضة، لذلك يكتفي بأربع أو خمس نغمات وهي التي يمكن أن يصدرها وتر واحد بمساعدة العفق أو الغزال على عنق "الربابة"، فهي آلة موسيقية شرقية عجوز، وفي القديم لا يخلو بيت شعر أو خيمة بدوية من الربابة، وتراها معلقة على واسط ‏الخيمة أو بيت الشعر ويكثر استخدامها في السهرات اليومية في خيمة أحد الوجهاء، ‏ويقوم أحد البارعين في العزف على الربابة بإمتاع الحاضرين، وينشد مع العزف قصائد ‏الشروقي وهي عادة ما تتحدث عن الكرم والمروءة والفخر بالعشيرة وأفعالها، وحماية ‏الجار، ولهفة الملهوف، ورد الظلم والعدوان، والدعوة إلى التسامح والصفاء بين القبائل ‏والعشائر».