يشكل القطاع الصحي الخاص جانباً مكملاً مهماً لعمل القطاع الصحي العام، ويوضع تحت تصرف القطاع العام في حالات الجوائح والكوارث الصحية والبيئية، وهو قطاع يشهد تطوراً ملحوظاً من حيث تطوير الأدوات والمستلزمات الطبية، والاهتمام الزائد بالتأثيث الفندقي، والرعاية المثلى التي تشهد تنافساً كبيراً مع قطاعات الصحة الحكومية.

هل الخدمات التي يقدمها القطاع الصحي الخاص تضاهي ما يقدمه قطاع الصحة العام؟ ولماذا يتوجه الناس لعلاج مرضاهم في المشافي الخاصة؟ وهل يعتبر التأمين الصحي البديل الحقيقي لنظام الإحالة؟ وهل يخفف من الأعباء المالية المترتبة على الاستشفاء في المشافي الخاصة؟

اليوم أصبح التأمين الصحي ضرورة ملحة وسلوكا صحيا حضاريا تعمل به كل الدول المتحضرة، ولذلك يجب الإسراع في وضع الخطط والأسس اللازمة لتطبيقه

وللإجابة عن هذه الأسئلة تحدث لموقع eRaqqa مجموعة من المختصين والعاملين في مجال الصحة في اللقاءات التالية:

أحد أجنحة المشفى الوطني

بداية تحدث الدكتور "خليل الخليل" رئيس مجلس إدارة مشفى "المواساة" الخاص في "الرقة"، عن الخدمات التي تقدمها المشافي الخاصة، وهل هي مكملة للقطاع العام، وأيهما يقدم خدمات أفضل؟ قائلاً: «نقدم في مشفى "المواساة" جملة من الخدمات الصحية تتماثل مع الخدمات التي تقدم في المشافي الخاصة، وهي استقبال حالات الإسعاف والحوادث، والعمليات الجراحية بمختلف اختصاصاتها، والتوليد والأمراض النسائية، الحواضن واستشفاء الأطفال، العناية المشددة واستشفاء الأمراض الداخلية بمختلف اختصاصاتها، وأخيراً الأشعة والمخبر.

والخدمات الطبية في المشافي الخاصة أحياناً تتساوى أو تقل أو تفوق بحسب طبيعة ونوعية الخدمة المقدمة، بالإضافة إلى أن عمل المشافي الخاصة حتماً يكمل عمل المشافي العامة ويشكل رافداً له، وبشكل طبيعي توضع المشافي الخاصة تحت تصرف مديرية الصحة في حال الحوادث الكبرى والكوارث الطبيعية، مع العلم أن المشافي العامة لديها تجهيزات طبية أكبر وأكثر، وفيها بعض الأجهزة أحدث من المشافي الخاصة».

د محمد أحمد الصالح مدير صحة الرقة

وفيما يخص التأمين الصحي وهل جاء بديلاً من نظام الإحالة؟ يقول "الخليل": «اليوم أصبح التأمين الصحي ضرورة ملحة وسلوكا صحيا حضاريا تعمل به كل الدول المتحضرة، ولذلك يجب الإسراع في وضع الخطط والأسس اللازمة لتطبيقه».

وعن أجور المشافي الخاصة، وهل تعود لمستوى الخدمات الصحية المقدمة، أو للأثاث الفندقي الموجود، يقول "الخليل": «الأسعار التي تتقاضاها المشافي الخاصة في محافظة "الرقة" تعد منطقية وأقل من تسعيرة وزارة الصحة المقررة، والتي لم نعمل بها إلى حينه، وذلك مراعاة للظروف الاقتصادية والمعيشية ومواسم الجفاف في هذه المحافظة التي هي ذات طبيعة زراعية.

إسعاف المشفى الوطني بالرقة

أما بالنسبة للتمايز بين خدمات المشافي العامة والخاصة فإن المشافي الخاصة تتميز بالخدمات الفندقية والأثاث والخدمات التمريضية، فهي أجود من المشافي العامة، أما فيما عدا ذلك فالخدمات في المشافي العامة أكثر من حيث الكم والنوع، وكلنا نعمل من أجل سد تلك الثغرات في المشافي العامة، والتي تقدم كل خدماتها مجاناً».

بدوره يتحدث الدكتور "علي المشرف" رئيس مجلس إدارة مشفى "الطب الحديث" في "الرقة"، قائلاً: «إن ما يقدم في القطاع العام ذو كفاءة أفضل وأحدث من القطاع الخاص، وأيضاً من حيث الأجهزة الحديثة والمستلزمات الطبية، أي إن ما يقدم في القطاع العام يعتبر من أحدث ما توصل إليه العلم في مجال الأجهزة الطبية، علماً أنه لا يوجد في القطاع الخاص أجهزة متطورة عن القطاع العام، لأن الأجهزة الحديثة تقدم إلى القطاع العام قبل الخاص».

أما فيما يخص التأمين الصحي فيقول "المشرف": «التأمين الصحي عامل يطور النظام الصحي في القطاع الخاص، ويعمل على التنافس بين المشافي الخاصة لتقديم أفضل ما يمكن لراحة المواطن، وهذا أكثر يسراً وراحة ومنفعة للمريض من نظام الإحالة، وذلك لما فيه من معوقات روتينية.

أما بالنسبة للأسعار التي تتقاضاها المشافي الخاصة في محافظة "الرقة"، فهي لا توازي أسعار الخمس نجوم للمشافي في بقية المحافظات، وهي ضمن تسعيرة وزارة الصحة المرحلة الثالثة من الدرجة الأولى.

والمشافي الخاصة لا تتفوق على عمل المشافي العامة، لأن هذا غير وارد أصلاً، لكن ربما لضغط العمل الناجم عن مجانية الخدمات المقدمة في القطاع العام للصحة، قد يؤدي لتناقص بجودة الخدمة المقدمة للمريض، إضافة لوجود سبب اجتماعي عند بعض الأهالي».

وعن الخدمات الكبيرة والمجانية بالدرجة الأولى المقدمة في القطاع العام يتحدث الدكتور "أحمد العزو" رئيس المشفى الوطني في "الرقة"، قائلاً: «يتوجه المريض إلى المشافي الخاصة لأسباب عدّة منها طلب الأثاث الفندقي، وخاصة مرضى الحوادث، طبعاً لأن هناك مسبب سيدفع الفاتورة، ولكن من النادر أن يذهب المريض لطلب خدمة من المشافي الخاصة أفضل من التي تقدم في المشفى الوطني، خاصة أن الخدمة التي تقدم أصبحت عالية المستوى، حيث شملت أغلب العمليات النوعية، ماعدا الجراحات القلبية، وهي تتجاوز خدمات المشافي الخاصة بأشواط كبيرة، والمشفى الوطني يحتوي على كل الأجهزة الطبية اللازمة لخدمة المرضى، ما عدا جهاز القسطرة القلبية، ومع العلم أنه لا يمكن الاستغناء عن القطاع الخاص فهو رديف لعمل القطاع العام، ومكمل له».

ويتابع "العزو" في السياق ذاته، قائلاً: «يحتوي المشفى الوطني على أجهزة حديثة ومتطورة ونوعية، منها جهاز الرنين المغناطيسي الحديث، وهو واحد من أربعة أجهزة رنين متطورة في القطر، وجهاز طبقي محوري حلزوني، وأجهزة لتخطيط الدماغ والأعصاب، وأجهزة غسيل كلية صناعية، وأجهزة تنفس آلي، وأجهزة تنظير قصبات وهضمية.

ومن ناحية التأمين الصحي فهو إجراء متطور، وهو يطور تقديم الخدمات الطبية للمجتمع، خاصة إن ترافق بالتفرغ الطبي المدروس بعناية، وهو ليس بديلاً من نظام الإحالة وهو نظام رائع ولكن بسبب عدم وجود البنية التحتية خاصة المراكز الصحية، لذلك لا يمكن تطبيقه».

وأوجز الدكتور "محمد أحمد الصالح" مدير صحة "الرقة" إجاباته على هذه المحاور قائلاً: «من أهم الإجراءات التي قامت بها وزارة الصحة الجديدة الاجتماع الذي قام به السيد وزير الصحة مع ممثلي مجالس إدارات المشافي الخاصة في سورية، وبحث خلاله الجهود والإجراءات التي من شأنها الارتقاء بالخدمات الصحية المقدمة للمواطنين في المشافي العامة والخاصة.

وتوجهات الوزارة في بناء شراكات مع مختلف القطاعات المعنية بالشأن الصحي على المستوى الوطني ولاسيما المشافي الخاصة بما يضمن حصول المواطن على الخدمة الطبية المطلوبة لافتاً إلى أن عدد أسرة المشافي في القطاع الخاص يشكل أكثر من /28/ بالمئة من إجمالي عدد أسرة المشافي في سورية.

ويعد هذا خطوة متقدمة نحو توسيع التعاون المشترك بين وزارة الصحة والمشافي الخاصة ستعقبه خطوات أخرى لتعميق هذا التعاون بشكل ينعكس إيجاباً على الخدمة الصحية للمرضى من جوانبها كافة مؤكداً ضرورة إيلاء موضوع التأهيل والتدريب للكادر الطبي في المشافي الخاصة ولاسيما الأطباء والممرضين الأهمية الكافية بما ينعكس بشكل إيجابي على نوعية الخدمة الصحية المقدمة للمواطنين».

ويتابع "الصالح" رؤية الوزارة للقطاع الصحي في المرحلة المقبلة، قائلاً: «تنطلق هذه الرؤية من خلال توفير مستلزمات حياة صحية سليمة للمواطن دون أن يشكل ذلك عبئاً عليه مبيناً أن تحقيق ذلك يكون من خلال اتباع سياسات وإجراءات خاصة تقوم على التخطيط والمتابعة والتقييم للخدمات الصحية الوقائية والعلاجية بحيث تستجيب للاحتياجات الصحية المتزايدة للسكان مع التأكيد على تشميل جميع المواطنين بدءاً من العاملين في الدولة وعائلاتهم بالتأمين الصحي.

كما أن الوزارة تعمل حالياً على اتخاذ الإجراءات الإدارية لتشميل العاملين بوزارة الصحة بالتأمين الصحي خلال النصف الأول من العام الحالي والذين تجاوز عددهم /94/ ألف عامل ويشملون الإدارة المركزية ومديريات الصحة في المحافظات، وكذلك الهيئات المستقلة.

وتزداد أهمية التأمين الصحي مع ازدياد الطلب على خدمات الرعاية الصحية والمترافقة مع عدم قدرة القطاع العام على تلبية الطلب المتزايد بسبب ضخامة أعبائه إضافة لارتفاع أجور الخدمات الصحية في القطاع الخاص ما يعوق قدرة المواطن على تغطية هذه الخدمات من جيبه الخاص».‏

أخيراً أمام جميع الخطوات التي تقوم بها وزارة الصحة من أجل رفع مستوى الخدمات التي تقدم في القطاع العام، والتي تنطلق من توفير مستلزمات حياة صحية سليمة للمواطن، ما ينعكس بشكل إيجابي على نوعية الخدمة الصحية المقدمة للمواطنين، فهل سنشهد اليوم الذي سيتوجه فيه المريض راغباً في الخدمات التي تقدم في القطاع العام؟