في الأعوام السابقة تم ترشيح سور "الرافقة"، "الرقة" الأثري، لنيل جائزة "ميلينا ميركوري"، من قبل اللجنة الوطنية "لليونسكو"، ومع ذلك ولحينه لم نعرف نتيجة هذا الترشيح، ولماذا رُشُحّ هذا السور الأثري بالذات؟ فإنّ المطابقة تقول: إنّ "الرقة" هي المدينة الوحيدة التي حافظت على مثل هذا السور الدائري الشكل، وقد نالت على ذلك جائزة منظمة المدن العربية للحفاظ على الآثار والتراث، وذلك في عام /1986/ ميلادي. كما أنّ المطابقة تقول أيضاً: إنّ مالك هذا السور هو، الجمهورية العربية السورية، محافظة "الرقة".

لقد تميزت مدينة "الرقة" بموقع جغرافي ممتاز أهلها لتكون أحد المدن التي لعبت دوراً مهماً في التاريخ العربي الإسلامي. وتقع "الرقة" جغرافياً على خط طول /37/ درجة ودقيقة واحدة، وتقع على الخط العرضي /35/ درجة و/57/ دقيقة، ولهذه المدينة التي بنيت سنة /772/ ميلادية سور أثري طوله الإجمالي /5/ كم، ما تبقى منه حالياً يقدّر بـ /2,7/ كم، وعرض

/1،6/ م، وارتفاعه الأساسي يقدر بحوالي /13/ م تقريباً، ويحيط السور بمساحة من الأرض تقدر بـ/1,368,000/م2.

باب بغداد

يقع هذا السور في منطقة شبه صحراوية أو قارية، وقد شيد سنة /155/ هـ/772/ ميلادي من مادة اللبن المجفف تحت أشعة الشمس بأبعاد للبنة الواحدة /40×40×11/سم، واستعمل البناءون مادة الربط من مادة الجص الرقي، الذي كان يصنّع محلياً، وهنا أشير إلى أنّ أهل "الرقة" حتى أيامنا هذه، ما زالوا يصنعّون هذه المادة بنفس الطريقة القديمة.

بعد أن انتهى البناءون من بناء نواة السور الأساسية من اللبن الطيني كاملة، قاموا بتلفيحه "تلبيسه" من الداخل، ومن الخارج بمادة الآجر المشوي "الطابوق"، ويسميه أهل "الرقة" بـ"الفخار"، بأبعاد /25×25×12,5/ سم، والسبب في بناء هذا السور من هذه المواد السالفة الذكر، هو أنّ منطقة "الرقة"، وكما أشرنا سابقاٌ شبه صحراوية، لذلك فإنّ مادتي اللبن المجفف والآجر المحروق بالإمكان تصنيعهما بسهولة ويسر، وأيضاً هذه المواد الإنشائية، هي مواد بيئية وملائمة للحرارة والبرودة أكثر من غيرها، وهناك من يقول: إنّ منطقة "الرقة" تفتقر إلى مادة الحجر الصخري، وهذا الكلام غير دقيق لأنّ جبل الحواّر الصخري لا يبعد عن "الرقة" سوى /5/ كم، كما أنّ البنائين استعملوا الأحجار الصخرية الكبيرة في أساسات هذا السور، مما يدل على أنّ هذه المادة في متناول أيديهم، إلاّ أنّ الأيدلوجية الجديدة هي التي جعلهتم يستغنون عن المادة الحجرية.

السور من الداخل

تقول المعلومات الطبوغرافية والجيولوجية، أنّ منطقة "الرقة" في غالبيتها، ما عدا سرير النهر، تقع على تربة جبسية ذات نفوذية عالية، و"الرقة" تعني، كل أرض إلى جانب النهر ينبسط الماء عليها أيام الفيضان، ثم ينحسر عنها، فتتشكل مجموعة من الرقاق مكونة من التربة اللحقية، وتحتها طبقة رملية تتشرب الماء وتخزنه، وجمعها رقاق، والواحدة منها "رقة" بفتح أوله.

في "الرقة" اليوم توجد بحيرتان اصطناعيتان تقعان غرب المدينة أولها، بحيرة سد "البعث" التخزينية، وتبعد عن مدينة "الرقة" بحوالي /26/ كم، أبعادها /23×4/كم. أما البحيرة الثانية، فهي بحيرة "الأسد"، وتعتبر من أنقى، وأنظف البحيرات الاصطناعية في العالم، وتبعد عن مدينة "الرقة" مسافة /55/ كم غرباً، وأبعادها /80×8/ كم تقريباً، وتخزّن كمية كبيرة من الماء تقدر بـ/14/ مليار متر مكعب، وتتزوّد مدينة "الرقة"، وقرى، ومزارع المحافظة من مياه نهر "الفرات"، ونهر "البليخ".

واجهة السور الجنوبية

مناخ "الرقة": تعتبر منطقة "الجزيرة" السورية العليا ومنطقة "الرقة"، ذات مناخ شبه قاري، وهو حار وجاف صيفاً، لكن منطقة "الرقة" ازدادت الرطوبة فيها قليلاً بعد تشكل بحيرة "الأسد"، ويعتبر فصل الصيف في "الرقة"، هو الأطول بأيامه على مدار السنة، وفي الشتاء يكون الجو قاسياً وبارداً مع هبوب بعض النسمات الدافئة نسبياً أحياناً، وهذا عائد لتأثير بحيرة "الأسد". وبشكل عام نستطيع القول إنّ فصول السنة تبدو واضحة على مناخ منطقة "الرقة". أما كمية الأمطار التي تهطل سنوياً على المحافظة، فتقدر بـ/217/ مم سنوياً.

تنمو في منطقة "الرقة" نباتات المناخ الشبه قاري، مثل "الطرفاء"، و"الغرب"، و"حور الأنهر" الذي يطلق عليه أهل "الرقة" اسم شجر "الصفصاف"، وكذلك نبات "السوس" الذي اشتهرت به "الرقة" قديماً، وعندما بدأت الزراعة في المحافظة تتوسع وتتطور، وخاصة بعد استعمال الجرارات في حراثة الأرض بعد عام /1954/ ميلادي، كانت هناك مراكز كبيرة لشراء مادة "السوس"، وتصديره إلى الخارج.

وخارج ضفاف الأنهار مثل "الفرات"، و"البليخ" تنمو بعض النبتات الربيعية والصيفية الرعوية مثل، نبات "الشيح"، و"الرغل"، و"الروثة"، و"العوسج"، و"النفل"، و"البختري"، و"الحميض" وغيرها من النباتات الأخرى، ويكثر نمو هذه النباتات خاصة في السنة التي تكون الطبيعة فيها كريمة، وتهطل كمية من الأمطار تتجاوز المعدل السنوي.

تميزت "الرقة" قبل أكثر من ربع قرن بتربية الماشية، وخاصة قطعان الغنم العواس، وكانت الماشية سابقاً تعتبر المصدر المعاشي الثاني للسكان بعد الزراعة، أما اليوم فقد تراجعت تربية الماشية كثيراً، وبعد بناء سد "الفرات" تطورت الزراعة التي تعتمد على طرق الري الحديث، التي تقوم عليها زراعات معروفة واشتهرت، وما زالت تشتهر بها المحافظة مثل، زراعة القمح، والشعير، والقطن، ومؤخراً اشتهرت المحافظة بزراعة الشوندر السكري، والبقوليات شتاءً، والذرة الصفراء في الخريف، وفي الصيف تزرع المحافظة السمسم، والخضروات.

وفي الآونة الأخيرة، بدأ السكان في المحافظة يعتنون بتربية قطيع البقر، وبعض قطعان الجمال التي كانت تعج بها الأرض السورية قبل نصف قرن من الآن، كما بدأت تنتشر تربية الدواجن في المحافظة، ولاشك أنً محافظة "الرقة" تشتهر بتشكيلة الطيور المحلية والمهاجرة مثل، الصقور، وطير الحر، وطير القطا، وطير الحجل، وغيرها من الطيور المحلية الأخرى.

الشكل الجمالي للسور: يعتبر هذه السور الأثري، من أجمل المنشآت المعمارية الدائرية الشكل، وهو نوع فريد من الطراز المعماري المتبقي من العمارة العربية الإسلامية، بمنظر جميل ومتناسق، تزينه مجموعة من الأبراج النصف دائرية، ويعتبر بشهادة علماء الآثار النموذج الأمثل لطراز العمارة العباسية.

وكما أسلفنا سابقاً، فإنّ تاريخ بناء هذا السور، يرقى إلى العصر العباسي الأول، إي إلى منتصف القرن الثاني الهجري، ويمتد حالياً على مسافة طولها /2700/ م، يحيط به من الخارج حديقة على طول المسافة السابقة الذكر، عرضها /20/م، وقد زينت هذه الحديقة بأشجار النخيل المثمر، ويلفها من الخارج شارع مزدوج مزوّد برصيف عرضه /3/ أمتار، كما أقامت المحافظة ساحة أنيقة في منتصف هذا الشارع قبالة السور من الجهة الشمالية الشرقية، يتوسطها تمثال للعلامة الفلكي الرقي "محمد بن جابر البتاني". أما من الداخل، فالسور محاط بشارع عرضه /20/م. وقد خضع هذا السور لأعمال ترميمات منهجية دامت أكثر من عشرين عاماً، حيث رممت كامل والواجهتين الخارجية والداخلية بارتفاع /3/ أمتار تقريباً.

للسور قيمة أثرية ومعمارية لا تقدر بثمن.. فهو نموذج معماري متميز قاوم كل عاتيات الزمان، ووقف بوجه الزلازل والأعاصير، وظل محافظاً على شكله الخارجي إلى أن أعادت له الدولة ألقه البديع، كونه أثر ثقافي هام ومتميز، ويعد واحداً من عناصر الإرث الإنساني، يروي صفحة طيبة ومهمة من كتاب تأريخ نشاط الإنسان العربي على مدى العصور.