لعلَّه يكون أول الغيث الموسيقي الذي يهطل على محافظة "الرقة" العريقة بتاريخها.. الغنية بفلكلورها وتراثها، شاب في مقتبل العمر، اختار النغم طريقاً فسار عليه بشكل احترافي، إنه الفنان "محمد العيسى" الذي يعد أول موسيقي أكاديمي أنجبته عاصمة "الرشيد"، فهل يكون فاتحة لجيل موسيقي قادم ينتظره كل عشاق الموسيقا في "الرقة"؟.

الفنان التشكيلي "جورج شمعون"، في معرض حديثه عن الفنان "محمد العيسى" لموقع eRaqqa بتاريخ 28/8/2010 قال: «على مدى سنوات عديدة، كانت "الرقة" تعاني من تصحُّرٍ في الحياة الموسيقية، خاصة الأكاديمية منها، فحتى مطلع عامنا هذا لم تشهد هذه المدينة وجود أي أكاديمي موسيقي، إلى أن أهدتنا كلية الموسيقا في "حمص"، أول خريج من محافظة "الرقة" وهو الفنان "محمد العيسى"، والذي آثر أن يحتفل مع أبناء مدينته بهذا النجاح، من خلال إقامة أمسية موسيقية في مطلع الشهر الحالي، على مسرح دار "الأسد" للثقافة في "الرقة" مع فرقته التي أسسها والتي حملت اسم "أبيض وأسود"، وكلنا أمل أن يساهم برفد الحياة الموسيقية في هذه المدينة، بما يمتلكه من علم وخبرة».

على مدى سنوات عديدة، كانت "الرقة" تعاني من تصحُّرٍ في الحياة الموسيقية، خاصة الأكاديمية منها، فحتى مطلع عامنا هذا لم تشهد هذه المدينة وجود أي أكاديمي موسيقي، إلى أن أهدتنا كلية الموسيقا في "حمص"، أول خريج من محافظة "الرقة" وهو الفنان "محمد العيسى"، والذي آثر أن يحتفل مع أبناء مدينته بهذا النجاح، من خلال إقامة أمسية موسيقية في مطلع الشهر الحالي، على مسرح دار "الأسد" للثقافة في "الرقة" مع فرقته التي أسسها والتي حملت اسم "أبيض وأسود"، وكلنا أمل أن يساهم برفد الحياة الموسيقية في هذه المدينة، بما يمتلكه من علم وخبرة

وتحدث "محمد العيسى" عن حكايته مع الموسيقا وكيف كانت بداياته الموسيقية فقال: «البداية كانت مع منظمة طلائع البعث في "الرقة"، وذلك من خلال مشاركتي مع الفرقة النحاسية، حيث تعلمت هناك مبادئ الموسيقا النظرية، والعزف على آلتي "الترومبيت" و"الغيتار". وفي المرحلة الإعدادية، ولإدراك أخي الأكبر ميلي الشديد تجاه الموسيقا الشرقية، قام بإهدائي آلة عود، والتي طالما حلمت بالعزف عليها.

مع العازف العراقي الشهير نصير شما

ومن خلال أشرطة الفيديو وكتب تعليم العزف على آلة العود، اجتزت مراحل جيدة بالعزف عليها خلال مدة وجيزة، رغم عدم تعلمي أصول العزف على يد أي موسيقي في المحافظة، وطبعاً كان لذلك دور في جعل عملية التعلم أصعب من المعتاد، لكن وبفضل الله وبسبب عشقي لهذه الآلة استطعت أن أتجاوز كل الصعوبات التي كانت تعترضني، وكان السبيل لذلك هو كثافة التمارين العملية، حيث كنت أتدرب حوالي ثماني ساعات يومياً».

ويتابع حديثه وفي ذات السياق: «بعد حصولي على الشهادة الثانوية، تقدمت إلى امتحان القبول لدى كلية الموسيقا في جامعة "البعث"، والحمد لله استطعت أن أجتاز الامتحان، لأُقبلَ بعد ذلك طالباً في الكلية، اختصاص عود كآلة أساسية وبيانو كآلة إضافية، وكان ذلك في عام /2005/م. وفي هذه الكلية التقيت العديد من الأساتذة الكبار الذين سمعت عنهم قبل أن أراهم، ومنهم الأستاذ "خالد جرماني" وهو من أهم عازفي العود في العالم اليوم، والذي شجعني كثيراً وكان يمدني بدعم معنوي كبير، وقد حال سفره إلى فرنسا لمتابعة دراسته في جامعة "السوربون"، دون تعلمي أصول العزف على يديه.

برفقة عازف العود التركي يوردال توكوجان

بعد ذلك تعرفت على الأستاذ الكبير "عصام رافع" الذي كان له الفضل الأكبر في تعليمي أصول العزف، حيث كنت أسافر إلى "دمشق" لأتلقى على يديه أهم التمارين والدروس في هذا المجال، ولم يبخل علي بأي معلومة موسيقية كنت أحتاج إليها.

كما كان لورشات العمل التي أقامتها الكلية أثر كبير في تعليمي، فقد احتضنت كليتنا عدداً من أهم ورشات العمل الموسيقية، والتي أشرف عليها كبار عازفي العود في العالم، كالأستاذة "نصير شما" و"عمر بشير" والعازف التركي الشهير "يوردال توكوجان".

مع فرقة أبيض وأسود

ولا أنسى هنا أن أذكر الصديق والأستاذ "أيمن جسري" الذي تعلمت منه الكثير من أسرار العزف على العود، من خلال لقاءاتنا العديدة في مدينة "حلب"، كذلك الصديق العزيز والعازف الكبير "نزيه أبو الريش"».

وبسؤال "العيسى" عن فكرة كونه أول موسيقي أكاديمي في مدينة "الرقة"، وعن المعاني التي توحي بها إليه هذه الفكرة، أجاب بقوله: «هذا الأمر يعني أنني حزت قصب السبق في هذا المضمار، ولا شك أنه أمر يدعو إلى الفخر والسرور بآن واحد، لكن من جهة ثانية، فإنه يلقي على كاهلي مسؤولية كبيرة لا مناص من حملها، وهي أن اضطلع في الوقت الحالي بمهمة نقل ما تعلمته لأبناء بلدي من هواة الموسيقا، من أجل إعداد جيل من الموسيقيين المثقفين، الذين بهم يمكن أن نتجاوز أزمة الأميَّة الموسيقية في هذه المدينة، وإلا ما الفائدة من كوني أول موسيقي أكاديمي، إن لم أحقق هذه الخطوة بنجاح.؟ وأعتقد أن هذه الميزة ستحسب عليَّ لا لي، إن لم أقم بهذه المهمة على خير وجه.

وسيكون تركيزي ـ إن شاء الله ـ على الموهوبين من الأطفال، الذين تعتبر عملية تعليمهم أصعب نسبياً من الشباب، لكنها أكثر رسوخاً وأسهل تطويعاً، وقد اتفقت مع السيد "محمد عبادة" مدير ثقافة "الرقة"، على افتتاح مركز لتعليم الموسيقا مقره في مبنى دار "الأسد" للثقافة، وسأدرِّس فيه الموسيقا النظرية بالإضافة لتعليم العزف على آلة العود والقانون والبيانو والإيقاع. كما تم الاتفاق على التعاقد مع عدد من الأكاديميين من خارج المحافظة لتعليم العزف على بعض الآلات الأخرى وأهمها آلة الكمان، وسيتم تنفيذ هذا المشروع في أسرع وقت ممكن، لا أعتقد أنه سيتجاوز الشهرين من تاريخنا الحالي».

ويتابع "العيسى" حديثه متوجهاً به لجميع الراغبين بتعلم الموسيقا من أبناء "الرقة"، فيقول: «أنتهز الفرصة هنا لأؤكد لجميع الذين يرغبون بتعلم الموسيقا والعزف من أبناء بلدي، بأن الموسيقا هي علم من أرقى العلوم التي عرفتها البشرية، وأن الهواية والموهبة لم تعد كافية لتصنع موسيقياً مميزاً، ولابدَّ من تعلم أصولها المنهجية الصحيحة، ابتداءً من العلوم النظرية لها، كالتدوين الموسيقي ودراسة المقامات والأوزان وغير ذلك، وانتهاءً بتقنيات العزف المتنوعة، ودون هذه الأصول والتقنيات سيصل العازف في النهاية إلى سقف محدود، لا يمكن له تجاوزه مهما امتلك من موهبة، على عكس الموسيقي الموهوب، الذي إذا ما صقل موهبته بالعلم سيصبح دون أدنى شك موسيقياً مميزاً يشار إليه بالبنان، وسيكون لديه آفاق فنية غير محدودة».

وعن فرقة "أبيض وأسود" التي أسسها يقول: «فرقة "أبيض وأسود" هي عبارة عن فرقة تخت شرقي، عملت مع بعض الزملاء الخريجين معي من كلية الموسيقا في "حمص" على تأسيسها، وكان ذلك منذ بضعة أشهر مضت، وهي مؤلفة من أربعة أعضاء، "سفيان علي بجّو" على آلة القانون وهو من محافظة "إدلب"، ومن "حمص" "جورج الضاوي" على الناي، و"طارق الحسين" على "الدرامز" وهو من محافظة "السويداء"، وأنا على آلة العود.

وقد كان أول نشاط رسمي للفرقة في مدينة "الرقة"، وذلك من خلال أمسية موسيقية دعتنا مديرية الثقافة في "الرقة" لإحيائها، وكان ذلك في مطلع شهر آب من هذا العام، وقد كان الحضور ممتازاً، بالإضافة لتفاعل الجمهور مع ما قدمناه من مقطوعات موسيقية، والتي شملت العديد من القوالب والأجناس الموسيقية. وسنقوم خلال الأشهر القادمة بتقديم أربع أمسيات موسيقية في كلٍّ من "حمص" و"إدلب" و"السويداء" و"مصياف"، وكل ما آمله هو أن تستمر هذه الفرقة بتقديم عروضها، وأن تتجاوز كل ما يعترضها من عقبات، وخاصة عقبة توزع أعضاء الفرقة في أربع محافظات».

من الجدير ذكره أن الفنان "محمد العيسى" من مواليد مدينة "الرقة" عام /1986/.