لم تكن الإعاقة عائقاً يوماً لـ "ياسمين بدران"، بل على العكس اتّخذت منها أجمل بداية لتعلن من خلالها حياة ملأى بالتحدّي والإنجاز الذي تُرجم إلى العديد من الميداليات الفضية والذهبية، في أكثر من مباراة محلية وإقليمية في لعبة الريشة الطائرة.

مدونة وطن "eSyria" زارت بطلتنا "ياسمين" بتاريخ 20 تشرين الأول 2016، في مكان تدريبها ضمن "صالة الجلاء" في "المزة"، وأجرت حواراً مع "عدنان أحمد" مدرب الأولمبياد الخاص لذوي الاحتياجات الخاصة، وعن بداياتها بلعبة الريشة، حدثنا: «في عام 2010 كانت أول زيارة لـ"ياسمين" لصالة "الجلاء" مع والدتها بقصد ملء أوقات فراغها، واختبار نفسها في لعبة الريشة، وبالفعل لاحظت فوراً الانجذاب بين "ياسمين" والمضرب وسعادتها أثناء لعبها للمرة الأولى، فكانت تلك بوابة "ياسمين" لعالم الريشة.

أحب الرسم كثيراً، وشاركت في معرض أقيم لذوي الاحتياجات وعرضت رسوماتي التي نالت إعجاب السيدة الأولى "أسماء الأسد"، وذلك في إحدى مقابلاتي معها، إضافة إلى السباحة

بدأنا التدريب الجدّي، وأثبتت أنها أهل للاستمرار؛ وذلك من خلال مواظبتها على التدريب ثلاثة أيام في الأسبوع، نقضي خلالها أوقاتاً شاقة قد تحمل في طياتها الكثير من الجهد والتعب لها، مع ذلك صمّمت على المتابعة، ولم تتغيّب في أي يوم عن التدريب، بل كانت أول الحاضرين على الرغم من بعد منزلها وصعوبة المواصلات في بعض الأحيان؛ وهذا دفعني إلى إدخالها إلى مباريات محلية ودولية، إضافة إلى الموهبة التي ظهرت نتيجة التوظيف الصحيح لها، والدعم الذي تلقته سواء من المحيط العائلي أو من المدربين والأصدقاء؛ وهذا ما سعيت إليه جاهداً لتثمر هذه الموهبة فيما بعد إنجازاً نفخر به جميعاً».

ياسمين مع المدرب "عدنان أحمد" في بطولة العالم بأميركا

وعن البطولات التي شاركت فيها، يضيف "بدران" نيابة عنها لعدم قدرتها على النطق بسهولة: «بعد شهور من التدريب كانت لنا أول مشاركة دولية لبطولة الريشة في "عمان" عام 2012 لذوي الاحتياجات الخاصة، وهنا كانت المفاجأة بحصولها على المركز الأول ونيلها الذهبية بكل سهولة، مع أن منافستها تعدّ أقرب إلى الأسوياء أي "السليمين"، ليس هناك عدل في المساواة بدرجة الإعاقة، إلا أن "ياسمين" كان لها هدف وحيد، هو الفوز مهما كلفها الأمر، والحمد الله عدنا إلى "سورية" مرفوعي الرأس بأول إنجاز حقيقي لها.

أما عن الفضية التي انتزعتها بطلتنا على الرغم من كل المصاعب التي واجهتنا، فكانت في بطولة العالم للريشة في "أميركا" لذوي الاحتياجات الخاصة، بولاية "لوس أنجلوس" عام 2015، أيضاً تعرضنا لكثير من الضغوط، من ضمنها التأخير في الحصول على "فيزا" للسفر، وأخرى بعدد أعضاء الفريق الذي يجب أن يشارك، فكنا أقل الفرق المشاركة في البطولة من حيث العدد، لم نأبه بكل ذلك، تابعنا طريقنا إلى البطولة، وهناك فرحنا جداً لما رأيناه من وجود قوي للجالية السورية، والدعم الكبير الذي منحوه لـ"ياسمين" في الملعب، وإيمانهم القوي بقدرات المنتخب السوري، ذلك لعب دوراً كبيراً في حصولنا على الفوز، كُلّلَ بفضية في اللعب المنفرد، وذهبية في الزوجي المختلط على مستوى العالم. وكان لـ"ياسمين" العديد من المشاركات في البطولات على المستوى المحلي، وكانت في كل بطولة تحصل على المركز الأول، وآخرها بطولة أقيمت في "حمص"، ونالت الذهبية من دون منازع».

مع أحد أصدقائها من فريق المنتخب السوري للريشة

وكان لنا لقاء آخر مع "ازدهار حوراني" والدة "ياسمين"، فأطلعتنا على بعض جوانب حياة ابنتها بعيداً عن التدريب والبطولات، قائلة: «هي سادس إخوتها، تحب الترتيب وتساعدني في أعمال المنزل، وتساعد إخوتها في الاستيقاظ للذهاب إلى أعمالهم وجامعاتهم لكونها أول فرد يستيقظ باكراً في الأسرة، كل إخوتها يحبونها لنشاطها وترتيبها ورقة مشاعرها، تحب تقليد أخواتها البنات في اللباس والاهتمام بالنفس؛ وهذا ما يسعدهم أيضاً، "ياسمين" غيرت مفهوم الإعاقة لدى كل من عرفها، وخاصة بعد أن يرى هذا الشغف وحب الحياة في عينيها، وانتقل هذا الشغف إلى إخوتها قبل أي شخص آخر، نفتخر بها جداً، ولا نسمح لأنفسنا أن نرى "ياسمين" كشخص من ذوي الاحتياجات على الرغم من أنها تعاني إعاقة في السمع والنطق والحركة بعض الشيء، بل ننظر إليها على أنها مصدر للنجاح والإرادة المثمرة».

تتابع: «تقوم "ياسمين" في هذه المدة بتدريب الأطفال على لعب الريشة، واستطاعت كسب قلوب ومحبة كل المحيطين بها؛ وهذا واضح من خلال علاقاتها الاجتماعية الكثيرة، تحب تعلم كل جديد يضيف إليها خبرة، لكن -يا للأسف- لم يكن ذلك جلياً في سنوات دراستها، حيث إنها لم تتلقّ الاهتمام والرعاية الكافيين لمساعدتها على إكمال تعليمها، وخصوصاً أنها تحتاج إلى رعاية أكثر من أقرانها؛ وهذا ما لم توفره مدارسنا، لذلك خرجت من المدرسة، وصبّت كل اهتمامها على التدريب وتحقيق حلمها بدعم من المدرّب وأسرتها والذين آمنوا بقدراتها وإمكانياتها».

أثناء التدريبات في صالة الجلاء

أما عن مواهبها الأخرى ومشاعرها أثناء الفوز بالبطولة، فقد وجّهنا السؤال إلى "ياسمين" على الرغم من صعوبة النطق، إلا أنها كانت سعيدة بالإجابة، قائلة: «أحب الرسم كثيراً، وشاركت في معرض أقيم لذوي الاحتياجات وعرضت رسوماتي التي نالت إعجاب السيدة الأولى "أسماء الأسد"، وذلك في إحدى مقابلاتي معها، إضافة إلى السباحة».

وأردفت قائلة: «لم يكن في مخيلتي سوى الفوز؛ وهذا ما قطعته عهداً على نفسي، أن تبقى بلادي الهدف الأول الذي أسعى إلى الفوز من أجلها، ومن أجل أسرتي التي ساندتني في أصعب الأوقات وشجعتني على المتابعة في هذا الطريق، ويعود الفضل الأكبر بالتأكيد إلى المدرب والأب "عدنان أحمد"؛ لأنه أول من آمن بقدراتي واكتشف موهبتي، وعمل على صقلها بالأسلوب الصحيح».

الجدير بالذكر، أنّ "ياسمين بدران" من "الجولان" قرية "جبات الزيت"، مواليد عام 1996.