هي بحيرة موجودة داخل الجولان بكاملها، وتقع في شمالي المنطقة ويحيط بها "تل العمورية" من الجنوب الشرقي، و"تل المنفوخة" من الشرق، و"تل الفصول"، و"تل الخواريط" من الشمال الشرقي، ومنخفض "اليعفوري" من الشمال، وبلدة "مسعدة" من الغرب.

وتعرف بأسماء أخرى هي: (رام ـ ران ـ فيالا)، ونسبت مؤخرا إلى بلدة "مسعدة"، التي تأسست على يد مجموعة من أبناء "مجدل شمس"، في بدايات القرن العشرين*.

تأخذ البحيرة شكلاً بيضوياً، وهناك من يعتبرها بركة كبيرة، وقد أبدى الإنسان اهتماما كبيرا بهذه البحيرة، منذ أقدم العصور رغم صغرها، ودورها الثانوي في جغرافية المنطقة وتاريخها، واعتبرها القدماء أحد أسرار الكون، فنسجوا حولها الأساطير، في محاولة منهم، لتفسير أصلها وكيفية تشكلها ومصادر تغذيتها ومجاري تصريفها واختلف الباحثون حولها، واحتفظت هي بسرها، كعاشقة ترى في الغموض سبيل جاذبيها

ويقول الأستاذ "عزالدين سطاس" لموقع eQunaytra: «تأخذ البحيرة شكلاً بيضوياً، وهناك من يعتبرها بركة كبيرة، وقد أبدى الإنسان اهتماما كبيرا بهذه البحيرة، منذ أقدم العصور رغم صغرها، ودورها الثانوي في جغرافية المنطقة وتاريخها، واعتبرها القدماء أحد أسرار الكون، فنسجوا حولها الأساطير، في محاولة منهم، لتفسير أصلها وكيفية تشكلها ومصادر تغذيتها ومجاري تصريفها واختلف الباحثون حولها، واحتفظت هي بسرها، كعاشقة ترى في الغموض سبيل جاذبيها».

الدكتور "عرسان عرسان"

في الرأي العلمي هناك فرضيتان، تعيد الأولى أصل البحيرة إلى نشاط بركاني قديم ويرى أصحاب هذه الفرضية في هذه البحيرة فوهة بركانية لبركان خامد تطاير سطحه خلال النشاط البركاني بفعل ضغط الأعماق وامتلأت الفوهة بالمياه ويؤخذ على هذه الفرضية عدم ظهور الصخور البركانية حول كامل محيط البحيرة وحوافها فهناك صخور كلسيه في الجزء الجنوبي الشرقي من البحيرة، لا تظهر عادة في الفوهات البركانية.

وتذهب الفرضية الثانية، إلى أن البحيرة بمثابة حفرة كارستية امتصاصية، تكونت نتيجة تحلل الصخور الكلسية في الأعماق، وتشكل فراغ تحت أرضي، على هيئة كهوف ومغاور وانهيار سطح هذا الفراغ في وقت لاحق، واعتبرها أصحاب هذه الفرضية جبّاً كبيراً، في مجموعة الجباب المنتشرة، في شمالي الجولان، وتحديدا في مضلع "جباتا الخشب" و"حضر" و"عين فيت" و"واسط "، ويسوق كل فريق أدلة وبراهين، تعزز فرضيته، لكنها لا تحسم الجدل، ولم يتم الإجماع حتى الآن على أن البحيرة (كالديرا أم دوالين).

بحيرة مسعدة

وتباينت الآراء حول مصادر تغذيتها، ومخارج تصريفها، فقد تحدثت الراوية التاريخية عن علاقة بين البحيرة وينابيع "حضر" و"نبع بانياس" وينابيع "عين قنية" و"عين فيت"، ففي هذه الرواية ألقيت قشور القمح في البحيرة، فظهرت في "نبع بانياس"، وفيها أيضا أن كميات كبيرة من الملح وضعت في مياه البحيرة، فلوحظ ارتفاع نسبة الملح، في ينابيع "عين قنية"، و"عين فيت"، وكذلك ألقيت كميات كبيرة من الملح في ينابيع "حضر"، فازدادت ملوحة مياه البحيرة، فما مدى صحة هذه الرواية..؟!*

يقول "سطاس": «تتطلب فرضية التغذية الخارجية توافر شرطين أو عاملين، يتمثل الأول في فرق الارتفاع، أي أن تكون مصادر التغذية أعلى من البحيرة، في حين يتمثل الثاني في وجود طبقات كلسيه، تمتد من مصادر التغذية حتى البحيرة ويلاحظ من استعراض المنطقة المرشحة لتكون مصدر تغذية البحيرة، أن هذين الشرطين متوافران، فالمنطقة المرشحة، وهي "حضر"، أعلى من البحيرة بحوالي (260)م، كحد أدنى، وصخورها كلسية، ذات طبيعة كارستية، وكذلك تتطلب فرضية التصريف الخارجي عدة شروط منها: وجود تشققات وتصدعات في قاع البحيرة، تسمح بتصريف المياه، ووجود مجار تحت أرضية، يمكن أن تسيل فيها المياه المتسربة من البحيرة، وفرق ارتفاع بين البحيرة، وينابيع التصريف، وميل عام من البحيرة إلى مواقع التزود، ويفيد استعراض الواقع، توافر شرط التصدع، فقد أكدت الدراسات الأخيرة وجود تشققات في الجزء الجنوبي الشرقي من البحيرة وكذلك يفيد هذا الاستعراض توافر شرط فرق الارتفاع، فالبحيرة أعلى من مستوى "عين قنية" بحوالي /140/م، وأعلى من مستوى "عين فيت" بحوالي/390/م، وأعلى من "نبع بانياس" بحوالي /615/م، ويبقى عامل الناقل الجوفي محل أخذ ورد، حتى الآن رغم القاعدة الرسوبية للجولان».

ذكريات قبل النزوح عند البحيرة

ويرى "سطاس": «وفق الدراسات الأخيرة تتغذى البحيرة من مياه الأمطار، ومن حوض جوفي في المحيط، يزود ينابيع في قاع البحيرة، ويتسرب جزء من مياه البحيرة عبر تشققات في الجزء الجنوبي الشرقي، وتجري هذه المياه إلى ينابيع في الجولان "كعين الدفلة" في وادي "الشيخ محمد"، برأي بعضهم، وتنفي هذه الدراسات وجود أية صلة بين بحيرة "مسعدة" و"نبع بانياس"، إذ يبلغ صبيب "بانياس" نحو/180/ مليون م3، وهذا يعني أن بحيرة "مسعدة" غير قادرة على تزويد "نهر بانياس" أكثر من ستة أيام، وتؤكد هذه الدراسات أن مياه البحيرة عذبة، إذ تبلغ نسبة الكلور فيها نحو/17ـ25/ ملغ/ل، الأمر الذي يوضح بجلاء تجدد مياه البحيرة وبسرعة.

في الاحتمالات تقع البحيرة قرب خط التماس بين الجولان البازلتي، وحرمون الكلسي، ومن هنا نميل إلى فرضية (الكالديرا)، في نشأة البحيرة أكثر من فرضية الدولين، فقد حدث البركان في موقع تماسي، الأمر الذي يفسر وجود الصخور الكلسية، في الطرف الجنوبي الشرقي من البحيرة.

ولا نستبعد أن تكون "حضر" وأقدام "الحرمون" أحد مصادر تغذية البحيرة وأن تكون البحيرة في الوقت ذاته أحد مصادر تغذية بعض الينابيع، في شمالي الجولان على الأقل جزئياً، أي إن البحيرة تلعب دور خزان على ناقل مائي، يتزود ويزود في آن واحد، إن عذوبة مياه البحيرة رغم التبخر تؤكد توازن معادلة التغذية والتبخر والتصريف».

وذكر الدكتور "عرسان عرسان" مدير الموارد المائية بمحافظة "القنيطرة" أن البحيرة تقع بكاملها على فوهة بركان إلى الجانب الشـرقي من قرية "مسـعدة" في شمال الجولان، يبلغ طولها /650/م وعرضها /600/م ومساحتها حوالي /1.5/كم2، ويتراوح عمقها من/8-9/ أمتار بتخزين /3.510/م.م3، وتقع على علو /945/م فوق سطح البحر، تتغذى من مياه الأمطار والثلوج الذائبة وبعض الينابيع الصغيرة المحيطة بها، قام الكيان الإسرائيلي بموجب الأمر العسكري رقم/ 120/ بشأن مصادرة المياه بمصادرة مياه بحيرة "مسعدة"، وتم البدء باستغلال البحيرة في خريف عام 1968. وتحويل مياهها إلى المستوطنات التي أقيمت في الجولان، وقامت سلطات الاحتلال باستخدامها كخزان كبير للمياه، حيث حولت إليها مياه نهر "السعّار" المجاور، ومياه سيل "أبو سعيد" في فصل الشتاء، وأقامت في جانبها الجنوبي محطة ضخ لتغذية شبكة من الأنابيب لتوزع المياه على المستوطنات في شمال الجولان ووسطه، نفذت المشروع شركة المياه الإسرائيلية ميكوروت، بإشراف دائرة الإسكان في (الوكالة اليهودية) وتم مصادرة مساحة من الأراضي تزيد على /1500/ دونم هي مساحة البحيرة وما حولها لمصلحة (شركة ميكوروت) المذكورة، وبذلك استطاعت سلطات الاحتلال ضخ /9.5/م.م3 من المياه سنوياً ونقلها إلى المستوطنات وشمال فلسطين المحتلة.

علماً بأن هذه البحيرة محاطة بتلال من الأشجار المثمرة أهمها (التفاحيات، الكرز) تعود ملكيتها للسكان العرب السوريين الصامدين في الجولان المحتل، والذين تم حرمانهم من الاستفادة من مياه بحيرتهم».

ومما يذكر أن القدماء نسجوا حكايات جميلة حول بحيرة "مسعدة"، تعبيراً عن مدى اهتمامهم بها، وعن محاولاتهم الدؤوبة لتفسير الظاهرات الجغرافية الطبيعية والوقوف على أسرار الحياة والكون، منها أن جبل "حرمون" شعر في صيف ما، بمفارقة مزعجة فرأسه بارد رغم حرارة الصيف وأقدامه ساخنه رغم البرد في رأسه، فكيف يحل هذه المشكلة..؟!

وتوصل إلى الحل بخلق البحيرة ليضع أقدامه الساخنة في مياهها الباردة وينتشي، ومنها أن الغيرة تحركت في أعماق العجوز "تل الشيخة" زوجة العجوز "الحرمون" وانتابتها مخاوف، من أن يقع زوجها جبل "الشيخ"، في حبائل نساء أخريات، فاقتلعت إحدى عينيها ووضعتها في موقع البحيرة حتى تسطيع مراقبته عن كثب، وهكذا تحولت "عين تل الشيخة" إلى بحيرة "زرقاء".

أيضاً في هذه الحكايات أن رجلاً صالحاً توجه إلى حرمون غير أن عاصفة هوجاء هبت وهو على مقربة من قرية على طريقه فأسرع إليها هرباً من الهلاك، وبدأ يطرق أبواب البيوت باباً باباً، لكن لا حياة لمن تنادي لم يرحب به أحد ولم يستقبله أحد فماذا يفعل والعاصفة لا ترحم..؟!

غادر الرجل الصالح القرية وهو يصب جام غضبه على أهلها ويلعنهم ويلعنها وتوقف بعد أن مشى مسافة آمنة ثم استدار وتأمل القرية من بعيد كمن يودعها ورفع يديه الى السماء ودعا أن تبتلع الأرض هذه القرية عن بكرة أبيها وأثمر الدعاء في اليوم التالي لتظهر البحيرة الرائعة في مكان القرية الملعونة وتحير العالم بسرها الدفين*.

*من كتاب المرجع في الجولان