«هذا البوح فيه فيض، واسترسال في كتابة تفاصيل المكان، حيث الأزمنة تتداخل، لترسم تلك الملامح أسرارها، التي تريد أن تعبر عن كينونتها، وفق هذا لا بد أن لبلدة "حينه" قصتها التي جعلتها من أجمل قرى المنطقة على الإطلاق، ويطلق عليها أبناء المنطقة "درة جبل الشيخ"».

بحسب كلام الأب "ميخائيل رحال" القائم على خدمة كنيسة البلدة، في حديث لموقع eQunaytra والذي اضاف: «لا بد لزائر بلدة "حينه" من معرفة تلك القصص التي هي بحاجة الى كتابة، لمعرفة نسيج خيوط ذلك الماضي على نول الوعي به، ليتم تشكيل بساط الحكاية ويتم اكتمالها. من اجل الولوج في أعماق تفاصيل الحياة اليومية لأهل البلدة، الذين يعيشون في جو من التآخي والمحبة، حيث تعد بلدة "حينه" بوابة العبور من والى منطقة "جبل الشيخ".

البلدة في فصلي الربيع والصيف، كوكبة من الخضرة والمواسم الزراعية، وتغص منتجعاتها بالسهرات الصيفية على أنغام الميجانا وسهرات الشعراء الذين يجتمعون في المقاصف الصيفية، المنتشرة على مرتفعات "جبل الشيخ" بدءاً من سهول البلدة وصولا حتى تلال ومنحدرات الجبل عند حدود قرية "عرنه". وفي فصل الشتاء تجد البلدة بسهولها وجبالها ترتدي بساط ابيض من الثلج، تجعلها مقصداً للرحلات الشتوية.

كنيسة حينه

الحديث عن قرى "جبل الشيخ" حديث ذو شجون، يطول ليتناول ذلك الإنسان الذي تشبث بأرضه، متحديا عوامل الطبيعة القاسية من برد وثلوج وأمطار، ناهيك عن قساوة التعامل مع الجبال والتعايش معها. فتجد ابن بلدة "حينه"، الذي عرف أرضه شبراً شبرا، وشرب من مياه ينابيعها ذات الطعم الخاص، الممزوج بعبق الأرض الطيبة، المعمدة بدم الشهداء. هنا أعود بالذاكرة إلى قبل 35 سنة مضت، عندما كانت البلدة قناة العبور الى قمم ومرتفعات"جبل الشيخ" حيث رفع رجال جيشنا البواسل العلم العربي السوري، فوق أعلى قمة في المرصد. يبلغ عدد سكان بلدة "حينه" نحو خمسة الألف نسمة، يعمل معظمهم بالزراعة، نتيجة توفر مياه الأنهار والينابيع، فانتشرت زراعة الأشجار المثمرة مثل التفاح والكرز والزيتون، وزراعة الحبوب والزراعات الصيفية، مثل زراعة الملفوف والبندورة والخيار والقثة وما يعرف بالعامية زراعة "الصحاري". ويعد موسم الكمون من أهم المواسم الزراعية في البلدة، اضافة الى مواسم زراعية أخرى مثل الثوم والجزر والحمص. تعد الكنيسة القديمة المبنية في الجزء القديم من البلدة من أهم معالم قرية "حينه"، اضافة الى الكنيسة الجديدة في الحي الشمالي ، والتي بنيت من تبرعات أهل الخير، وتم إعادة ترميمها في العام 1982 على يد احدى المحسنات في البلدة.

إضافة إلى الأعمال الزراعية، يعمل قسم لا بأس به من السكان في تربية الحيوانات، حيث انتشرت تربية الأبقار الحلوب، وتربية النحل نظرا لتوافر الظروف التي تساعد على تكاثر خلايا النحل، من أشجار وأزهار وغابات وزراعات على مدار العام، ساعد في ذلك مجموعة من الظروف الجوية التي تسود المنطقة، حيث تعد منطقة "جبل الشيخ" من أغزر المناطق بالهطل المطري.

الاب ميخائيل رحال

تتمتع بلدة "حينه" بموقع مميز، جعلها عقدة مواصلات بين العديد من قرى وبلدات، محافظة "ريف دمشق- القنيطرة"، فلا بد للقادم من منطقة "قطنا"، باتجاه "القنيطرة" لا بد له من العبور من البلدة كتأشيرة دخول وخروج، كما يعد طريق "حينه- دربل- عرنه" من أكثر المناطق السياحية التي تشهد حركة سياح وزوار سواء كان ذلك في فصل الشتاء من اجل اللعب والتزحلق على الثلج، او في الصيف للتمتع بجمال الطبيعة الخلابة وخرير مياه الجداول والأنهار واليبانبيع التي تملئ المكان».

السيد "فيصل سلهب" من سكان بلدة "حينه" يشير الى أن سحر المنطقة جعله يعاود للحياة فيها بعد قضاء أكثر من ثلاثين عاماُ من حياته في مدينه "دمشق" عندما كان موظف في احدى الجهات الحكومية، ويضيف: «يجاور "حينه" من الشرق قرى "كفر حور- بيتيما"، أما من جهة الجنوب فتجاورها أراضي وسهول قرى "مزرعة بيت جن- مغر المير"، ويحدها من الشمال قرى "عين الشعرا- خربة السوداء"، ومن الغرب يجاورها قرية "دربل".

حي الجمعية السكنية في البلدة

يعرف عن أبناء البلدة مستواهم التعليمي الجامعي العالي، حيث ينتشر الكثير منهم في بلاد الاغتراب مثل "الولايات المتحدة الامريكية- كندا- فرنسا- استراليا" اضافة الى العديد منهم في دول "الخليج العربي"، وبلدات "جرمان- أشرفية صحنايا- صحنايا- مغر المير- دمشق"».

السيد "مخايل البابا" رئيس بلدية "حينه" يقول: « تقوم البلدية بتخديم القرية بكافة الخدمات، من فتح وتعبيد الطرق الزراعية والفرعية، إضافة إلى إنارة شوارع القرية، وتمديد شبكات مياه الشرب، وفي العام 2008 انتهينا من تمديد المجرور الرئيسي لشبكة الصرف الصحي، يوجد في البلدة جمعية فلاحيه، ومستوصف طبي، ومركز ثقافي ومركز ناحية، وفرن آلي لتصنيع الخبز يعد من أجود الأفران في المنطقة ويصل خبزه الى بعض أسواق مدينة "دمشق". كما تشهد البلدة حركة اعمار نشطة بعد تأسيس جمعية سكنية في البلدة، وقد تم إشادة أكثر من خمسين شقة سكنية لغاية اليوم، تتمتع بأفضل المواصفات الفنية والجمالية.

تشهد بلدة "حينه" حركة اقتصادية وسياحية وتجارية نشطة، نتيجة ازدياد حركة السياح والزوار القادمين الى المنطقة، للتنزه في مقصف ومنتجع "جبل الشيخ" الذي يؤمه الزوار من جميع محافظات القطر.

سكان بلدة "حينه" خليط متجانس من السكان وفيها عدد من العائلات، مثل "رحال- بشارة- الحلبي- صالح- سواد- الخطيب- أبو حسنيه- البابا".

وهنا لا بد من الإشارة الى أن البلدة تعد من المواقع الأثرية المسجلة في دائرة آثار محافظة "ريف دمشق"، تشتهر البلدة بتلها الأثري، الذي يقع في الجهة الشرقية الجنوبية من البلدة، وقد دلت التنقيبات التي أجريت في الموقع، على العثور على مجموعة من اللقى الأثرية القديمة من نقود وأحجار كريمة ولقى فخارية، تعود الى العهود البيزنطية والروماني، ولا تزال التنقيبات جارية في موقع التل. اكتشاف الموقع الأثري كان بالصدفة، وقد حدث ذلك عندما أراد صاحب الأرض بناء بيت جديد في المكان، وأثناء أعمال تجريف الأرض بغية البناء عليها، وإذا به يعثر على عدة قبور مبنية من الحجر الابيض الكلسي، عندها بادر صاحب الأرض بإبلاغ أصحاب العلاقة والشأن، ليتم إجراء أعمال البحث والتنقيب، بهدف العثور على مزيد من اللقى الأثرية».