يبلغ طول الواجهة البحرية السورية "183" كم. ممتدة من شمال طرابلس إلى شمال اسكندرون، وتشكّل طرطوس الجزء الجنوبي من الواجهة بطول (90) كم، من الحدود اللبنانية جنوباً، وحتى نهر السن شمالاً، حيث تقوم قبالة هذا الجزء الجزر البحرية الوحيدة في سورية، وهي: (أرواد، العباس، أبو علي، المخروط، الوسطى، وجزيرة النمل) والجزيرة الوحيدة المأهولة بالسكان بين هذه الجزر، كما هو معروف، هي جزيرة أرواد، التي تبعد عن طرطوس خمسة كيلومترات، وعن الشاطئ ثلاثة كيلو مترات.

الكثيرون، حتى في محافظة طرطوس-ربما- لم يسمعوا بغير هذه الجزيرة- أرواد- لأنها مأهولة بالسكان أولاً، ونظراً لما تحويه من آثار فخمة ثانياً، ولحضارتها العريقة الموغلة في القدم، ووجود صناعات تقليدية تراثية فيها ثالثاً، إضافة إلى أنها وحيدة سورية المدللة..!!

غير أن الحقيقة، لأرواد شقيقات خمس، على خط امتدادها من الشمال إلى الجنوب، ورغم ذلك فإن جزيرة أرواد توصف دائماً بأنها وحيدة سورية المدللة، فيما بقية "الشقيقات" الأخريات، تعانين الإهمال والنسيان، إلا من بعض المجموعات السياحية صيفاً، والهواة والصيادين، حيث المدى يغوي الأمواج بعينه الزرقاوين، وعن سر تكوين هذه الجزر، يذكر أحد الباحثين: أن شاطئ سورية شاطئ رملي لا يبتعد عن الجبال إلا في مناطق محدودة قرب بانياس، وفي اسكندرون، ابتداءً من جبل الأقرع، ولهذا البحر قليل من العمق عن الشاطئ باستثناء هاتين المنطقتين غير أن سلسلة جبلية موازية للساحل السوري تفصلها بعض الوهاد العميقة تظهر تدريجياً على خط جزيرة أرواد وعددها خمس، وهي على التوالي جنوب أرواد: العباس، وتدعى "الحباس" والوسطى أو "النصانية" والمخروط وجزيرة أبو علي، إضافة لجزيرة النمل شمال أرواد، وجميعها تقع قرب طرطوس وفي ساحلها.

إذ تقع جزيرة العباس، أوالحباس، على بعد ثلاثة كيلومترات جنوب أرواد، وهي جزيرة كبيرة نسبياً، تبلغ مساحتها هكتارين تقريباً، وهي جزيرة صخرية مرتفعة في الجنوب والغرب ويتناقص ارتفاعها ليشكّل شاطئاً رملياً صخرياً في الشمال، تقع قبالة مدينة عمريت الأثرية، وإلى الجنوب من جزيرة العباس تقع ثلاث جزر صغيرة أكبرها الجنوبية، وتعرف بالمخروط استناداً لشكلها، ثم جزيرة أبو علي في الشمال، وما بينهما صخرة- جزيرة صغيرة- تعرف بالنصانية أو الوسطى، وهذه الجزيرة مقابلة لنبع الفوار الشهير، وميناء "تبة الحمام" الأثري، أو المنطار وهو ما يعرف اليوم بعين الزرقا.

وفيما إذا كانت هذه الجزر قد سكنت من قبل، فتدل الدراسات التي أجريت أن البحر ارتفع بمقدار عشرة أمتار تقريباً، حيث إن معظم الإنشاءات على هذه الجزر غُمرت بالماء، ومن المؤكد أنها كانت أكبر في الزمن القديم، وحتى سنة "905" ق.م" فإن هذه الجزر استخدمت جميعها كمراسي سفن كبيرة تعجز المرافئ الصغيرة الضحلة عن استقبالها، وهذا ما حصل عندما رست سفن فرنسية كبيرة زمن الانتداب الفرنسي على المنطقة السورية في جزيرة العباس، حيث قامت قوارب صغيرة بنقل التماثيل والآثار الأخرى كمسلة الإله بعل، وتمثال هرقل، وغيرها من الآثار السورية الموجودة الآن في متاحف عديدة في أوروبا، كذلك شكلت جزيرة المخروط مرسى مقابلاً لمرفأ "تبة الحمام" ومنارة للسفن، ولا تزال بقايا مذبح يرجح أن الأرواديين القدماء كانوا يقدمون النذور والقرابين فيه لإله البحر، كما كانت هذه الجزر ملجأً وملاذاً للصيادين في حال تأخرهم في الصيد - كما يروي لنا الصيادون الذين رافقونا في جولتنا على هذه الجزر- أو خلال مداهمة العواصف لهم، ولهذا نجد في جزيرتي العباس والمخروط، ما يؤكد استخدامها لبعض طقوس العبادة.

وحول إمكانية الاستفادة الآن من هذه الجزر في الاستثمار السياحي، يذكر لنا عدد من المهتمين بالقطاع السياحي في طرطوس: أن الجزر ذات المساحة الكبيرة كالعباس والمخروط، يمكن إنشاء منتجعات سياحية عليها، ويمكن أن تضاهي أهم المواقع السياحية في حوض المتوسط، كما أن شاطئ جزيرة العباس الشمال رملي منبسط وصالح للسياحة، نذكر أخيراً، أن المجموعات السياحية تقوم بزيارة هذه الجزر في فصل الصيف، كما يقصدها بعض الهواة لممارسة هواياتهم في الصيد البحري والسياحة والغوص، لقد كانت هذه الجزر تتبع جميعها إلى مملكة أرواد الفينيقية القديمة، وكانت وظائفها متكاملة مع جزيرة أرواد ومدن وممالك الشاطئ التي كانت تحت سيطرتها، وذلك لأغراض اقتصادية ودفاعية وطقسية دينية وملاحية، هذا كان قبل الميلاد بآلاف السنين، واليوم هي مهملة تنتظر من يتذكرها بعد الميلاد بأكثر من ألفي سنة..!!