تعددت الأسماء والطرائق، واختلفت أساليب صناعته في كثير من المناطق، والأساس واحد؛ "اللبن".

بهذه الكلمات بدأت السيدة "فضة عرسان" من قرية "جرابا" حديثها مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 26 تشرين الثاني 2014، لتكمل: «هو عبارة عن لبن خالٍ من الدسم، يجفف ويقطع ليستعمل فيما بعد في العديد من الأكلات الشعبية، وهو معروف منذ القدم، وعلى الرغم من توافره في مصانع الألبان وصعوبة تحضيره؛ إلّا أنّ ربات المنازل في الأرياف يفضلن تحضيره في بيوتهن».

نظراً لصعوبة تحضير "الهقط" فإننا نضع بحسباننا أن نخزن كميات كبيرة منه، ويكون ذلك بحفظه في كيس قماش سميك أبيض اللون، ورفعه بعيداً عن الرطوبة، ليدوم لمدة عام وأكثر دون أن يصاب بضرر

وعن طريقة تحضيره تقول: «لتحضيره طقوس اجتماعية جميلة، حيث تجتمع لصنعه العديد من النساء ليتساعدن في ذلك، نقوم بداية بخض اللبن من خلال وضعه في "المشخالة" لفصل الزبدة عن اللبن، ويتحول اللبن إلى ما يسمى "الشنينة"، نضع اللبن في وعاء للطبخ ونضعه على نار هادئة حتى يتبخر الماء وتبقى كتلة لبن متجبنة، نقوم بوضعها في كيس من القماش الأبيض ونكبسها بين حجرين حتى يخرج الماء من اللبن نهائياً، ويبقى مكبوساً لمدة ثلاثة أيام تقريباً.

من مراحل التحضير

ومن أجل إضفاء بعض النكهات يمكن إضافة الزبدة فيصبح "الهقط" أسمر اللون، كما يمكن إضافة الملح لمن يرغب بزيادة ملوحته، ثم نبدأ العجن حتى يتحول اللبن المجبَّن إلى عجينة واحدة، ونعمل منها كرات صغيرة دائرية، لنبدأ بعدها المرحلة الثانية وهي رش الطحين على شرشف نظيف يوضع على السطح تحت أشعة الشمس، ومن ثم نأخذ بيدنا كميات صغيرة من العجين نعملها على شكل أقراص مع وضع أشكال أصابعنا عليها، كما يمكننا استخدام قوالب ذات أشكال مختلفة لصنع هذه الأقراص، ونضعها على الشرشف ليسحب رطوبتها ونغطيها بطبقة أخرى ونتركها لبضعة أيام حتى تجف نهائياً، لتوضع بأكياس خاصة لحفظها».

وعن طريقة تخزينها تحدثنا السيدة "شمعة معتوق" أم محمد: «نظراً لصعوبة تحضير "الهقط" فإننا نضع بحسباننا أن نخزن كميات كبيرة منه، ويكون ذلك بحفظه في كيس قماش سميك أبيض اللون، ورفعه بعيداً عن الرطوبة، ليدوم لمدة عام وأكثر دون أن يصاب بضرر».

د. رنا مصطفى

وعن نشأته تخبرنا مكملةً: «هو عبارة عن لبن "مخيض" مجفف ابتكره البدو بغرض حفظ اللبن مدة طويلة تتجاوز السنة في بعض الأحيان محتفظاً بجميع خواصه الغذائية التي يستفاد منها في أيام القحط، وله العديد من الفوائد حيث يؤكل مع التمر، كما يمكن تحويله إلى لبن مرة أخرى، ويقدم للأطفال ليساعدهم في ظهور الأسنان وتقوية عظامهم حين يبدؤون تعلم المشي، وأغلب الأطفال يفضلونه مع الشاي».

وللوقوف على الرأي الطبي؛ كان لمدونة وطن لقاء مع اختصاصية التغذية؛ الدكتورة "رنا مصطفى" التي قالت: «يحتوي اللبن على مواد دهنية وبروتينية وخاصة الكازئين والسكريات (سكر الحليب أو اللاكتوز)، كما يحتوي على بعض الفيتامينات وأهمها "A, B, C, D" إضافة إلى بعض المعادن وأهمها الكالسيوم والفوسفور.

فضة عرسان

عند تحضير "الشنينة" (المخيض) تفصل عن اللبن المادة الدهنية الضرورية لصناعة الزبدة والسمنة؛ أما عند تسخين "الشنينة" على النار تتخثر البروتينات التي تفصل وتصبح أساساً لصناعة "الهقط" الذي يعد نوعاً من منتجات الألبان المجففة.

وتأتي الأهمية الغذائية لـ"الهقط" أو ما يعرف بلبن الجميد من كونه خالياً من الدهون ويحتوي على تركيز عالٍ من البروتينات ذات القيمة الغذائية العالية، إضافة إلى كونه لا يحتوي على سكر الحليب (اللاكتوز)، لذا يمكن للأشخاص الذين يعانون من تحسس الحليب تناوله، كما يعد "الهقط" مصدراً مهماً للكالسيوم والفوسفور؛ وهما من الأملاح المعدنية الضرورية لجسم الإنسان، لكن يجب التنويه إلى أن "الهقط" يحتوي على نسبة عالية من الملح التي يمكن أن تضر بعض الأشخاص».

وبما أن أكلة "الهقط" عنصر رئيس في تحضير العديد من الأكلات الشعبية المعروفة لدى أهالي "القنيطرة"، وأشهرها "المنسف"، و"الشيشبرك"، لهذا كان على ربات المنازل أن يصنعنه في بيوتهن حتى ولو تطلب ذلك منهن الكثير من الجهد.