هناك في "دمشق" اختار رجل يدعى "فيصل المفلح" أن يعيش في مطرح قصي في أطرافها، وأن يزاول شعاب حلم قديم راوده عندما كان صبيا يفترش ضفاف النهر ويحاور جريان الماء. من لا يعرفه يظنه قديساً برياً ممعنا في التوحد، وبكل الأحوال ما هو إلا زاهد يفعل ما يعزز صمته الحالم بقريته ووداعتها.

ولد الشاعر والأديب "فيصل المفلح" عام 1948م في قرية "سكوفيا" في "الجولان" المحتل المطلة على بحيرة طبرية في الجزء الجنوبي الغربي من "الجولان"، ونال شهادة الإجازة في الأدب العربي من جامعة "دمشق" عام 1972م ودبلوم التأهيل التربوي عام 1985م، موقع eQunaytra التقى الشاعر "فيصل المفلح" وكان له هذا الحوار:

وتبوحُ الشآمُ للمجد سراً / لم أنم منذ فارقَ الجولانُ

  • حدثنا عن البدايات مع الشعر، وكيف بدأت اهتماماتك الأدبية؟
  • الشاعر "فيصل المفلح"

    ** لقد برزت اهتماماتي بالشعر عندما كنت تلميذاً في المرحلة الابتدائية وطلب مني إلقاء كلمة في احتفال بمناسبة وطنية، حيث كتبت الكلمة وعرضتها أمام معلم اللغة العربية الذي فاجأني بقوله هذه قصيدة شعرية هذه ليست كلمة وألقيت الكلمة التي نالت الاستحسان والإعجاب، بعدها بدأت أهتم بقراءة كل ما تقع عليه يدي فقرأت لـ"طه حسين" و"العقاد" و"مصطفى صادق الرافعي" و"مصطفى لطفي المنفلوطي" وغيرهم.

  • ماذا تحدثنا عن أول قصيدة نظمتها؟
  • مجموعته الشعرية "من جعبة الزمان"

    ** أول قصيدة نشرت لي كانت تتحدث عن شقاء الفلاح في عمله الزراعي وتعرضه للاستغلال وقد نشرت في مجلة "الجندي" في مكان بارز وكانت فرحتي عظيمة حين قرأت اسمي بين أسماء الكتاب الذي يستحقون المكافأة وقد توجهت إلى "دمشق" من "سكوفيا" وقبضت شيكاً من إدارة التوجيه المعنوي وصرفته من المصرف المركزي وأنا في أشد حالات الفرح وأقول في القصيدة التي هي بعنوان "قصتي أنا الفلاح":

    "أنا الفلاحُ من قدمٍ / كريمُ النفسِ والمحتِدْ

    أثناء تكريمه بيوم اللغة العربية 2010م

    بدمعي يرتوي حقلي / فلا أشكو ولا أُحمَدْ

    عبيرُ الوردِ من عرقي / وفأسي في يدي يشهدْ

    وامنحهم رخا عيشي / لأقضي العمر مستعبدْ".

  • أنتَ من قرية "سكوفيا" في "الجولان" المحتل... أين "الجولان" في شعرك؟
  • ** "الجولان" هو الانتماء وكل حرف أكتبه أراه ينبض حباً ووجداً وشوقاً إليه أراه يلوح بوجهه الجميل في كل كلمة ويدرج مع قلمي بين السطور، تارة أراه شاباً ثائراً يمتلئ عنفواناً وأحياناً يزورني كفتاة ذليلة سجينة يفيض الدمع من عينيها، وقصائدي التي تغنت بالجولان كثيرة ولكن يحضرني قصيدة تروي جانباً من ذكرياتي في قريتي الوادعة الجميلة "سكوفيا" حيث الينابيع في وديانها والسحر والجمال في كرومها وبساتينها حيث الزيتون واللوز والتين والرمان والصبار والورود أمشي على دروبها الترابية اقرأ عن معارك الأمة عن انكساراتها وانتصاراتها أو أحمل ديوان شعر تميس على صفحاته أو تطل من بين كلماته جميلات بلادي، وهذا أبيات من قصيدة بعنوان "لم أنم منذ غادر الجولان":

    "هل نيسانُ فالدنى مهرجانُ / يبسمُ الوردُ يضحكُ الأقحوانُ

    إن فصلَ الربيعِ يبعثُ حياً / أغنياتٌ مسحورةٌ وقيانُ

    كلُ عين ٍ عن سلسبيلٍ تلوى / فيُجَنُ العليقُ والرمانُ

    يا كروم الزيتونِ واللوزِ رفقاً / بمحبٍ قد نالَ منه الزمانُ

    ما نسيناكِ يشهدُ الله أنا / لكِ منا قلوبُنا أوطانُ

    ما نسيناكِ لا تلومي فإنا / غضبٌ هادرٌ وعصرٌ جبانُ".

    وتأتي بعد ذلك الذكريات والآمال والأفراح عودة "القنيطرة" وأختتم بالقول:

    «وتبوحُ الشآمُ للمجد سراً / لم أنم منذ فارقَ الجولانُ»

  • ما القصيدة التي كتبتها، وكانت الأقرب لك؟
  • ** قصائد الشاعر كلها أثيرة لديه وحبيبة إلى قلبه وخاصة تلك المعبرة عن تجربة حية ويخطر لي الآن قصيدة بعنوان "لعينيكِ يا شام" أتحدث فيها عن حضارة سورية ومكانتها في التاريخ القديم والحديث وأعبر فيها عن حبي لوطني وأقول فيها:

    «لسحر عينيك كم تشتاقُ أنغامُ / يا درةً في جبين الكون يا شامُ

    يا همسةََ العطرِ في نيسان لاهيةً / ترفقي شقيتْ بالشوق أنسامُ

    يا غادةً أغلَتِ الراجينَ طلعتها / قد يقتلُ المستهامَ الصبَ تهيامُ

    حلمتِ بالمجد منسوباً إلى مضرٍ / وما افتتانُك بالأمجادِ أحلامُ

    لسحرِ عينيكِ يجثو الشعرُ مغترفاً / من فيضهِ وتحث الركبَ أيامُ

    ألم يحدثكِ في مشواره بردى / أن البعادَ عن الفيحاءِ آثام؟».

  • ماذا تحدثنا عن مجموعاتك الشعرية؟
  • ** نشرت معظم شعري في الدوريات السورية والعربية ولم أكن أفكر في جمعه ونشره في مجموعات مستقلة على الرغم من إلحاح بعض الأصدقاء ولكنني قررت ذلك عندما تقدمت في العمر وتخوفت من ضياعه فنشرت في عام 2007م مجموعتين شعريتين هما "شرفاتُ الشوق" و"من جعبة الزمان" كما نشرت في أواخر عام 2008م كتاباً هو دراسات عن شعراء عاصروا معركة حطين ومرحلة النضال مع الفرنسيين وسميته "شعراء دمشقيون" وأحضر لنشر مجموعة شعرية جديدة وأذكر أبيات من قصيدة "الحب والنذر" من مجموعة "شرفاتُ الشوق":

    «نغمٌ على قيثارةِ الزمنِ / ما انفكَ منذ البدء يطربني

    يروي صباباتي بخمرتِهِ / ويكاد يسكرني ويسحرني

    لكنني لم أدرِ موطنه / فأمد في شوقي وفي شجني».

  • لماذا كان الشعر عن باقي الأنواع الأدبية؟
  • ** أنا أكتب القصة القصيرة والمقالة والبحث، ولكن الشعر زارني مبكراً وانعقدت بيننا صحبة لا تنفصل وأراه أقرب فنون الأدب تعبيراً عن المشاعر.

  • ما الشعر الذي تتعامل معه.. ولماذا؟
  • ** الشعر العربي كان ديوان العرب فيه ذكر محامدهم وأيامهم ومشاعرهم ورؤاهم وفيه حفظ لغتهم وهويتهم ومنذ بدايات القرن الماضي وفي منتصفه ثار البعض على الشكل التقليدي للشعر فطرح القافية الموحدة جانباً وفكك البحر الشعري إلى تفعيلات وامتاح من هذه التفعيلات ما شاء عدداً في كل سطر ولكنه حافظ على الجرس الموسيقي وهو ما عرف بشعر التفعيلة وجاء بعدهم قوم آخرون نسفوا العروض والأوزان والبحور ثاروا على كل شيء حتى على التركيب العربي والنسق الدلالي للكلمة العربية وحطموا العلائق المعنوية وابتكروا تراكيب إضافية لا رابط معنوياً بين ألفاظها فبت تسمع الهذيان والغموض الذي لا طائل تحته ومع ذلك فصوتهم عال وعندهم القدرة الدائمة على الهجوم ويعدون القصيدة العربية منتهية الصلاحية، طبعاً أنا مع التجديد في الصورة والكلمات المشحونة بالإيحاءات مع التجديد في معاني الشعر وأفكاره أنا لا اقرأ هذا الغثاء الذي تخلل من الوزن ومن القافية ومن المعنى وبات ينثر الكلمات التي لولا أنها مكتوبة بالحرف العربي لشككت في أنها عربية أصلاً إنهم يهدمون اللغة فليرعووا وليقرؤوا تراث أمتهم وليكتبوا شعراً لا هذياناً، فأنا كتبت الشعر ذي الشطرين الشعر "التقليدي" وشعر "التفعيلة" والشعر "الحر" الذي يعتمد على الموسيقا.

  • كيف ترى إقبال الشباب على الشعر اليوم؟
  • ** للأسف أن الشباب اليوم لا يستهويهم الأدب ولا الشعر فهم مشغولون عن الشعر وعن الأدب والقراءة ولا يقدرون الأشياء إلا بأثمانها المادية، تراهم عاكفين على رسائل الجوالات أو مشاهدة التلفاز وهم مشغولون عن الثقافة عموماً ولم يعد للشعر ذلك التأثير الكبير على جيل الشباب كما كان الأمر في زمننا، وأقول للشباب أنتم أمل الأمة فلا تستهتروا بتراثها وقيمتها وحافظوا على لغتكم وعلى هويتكم.

    من الجدير بالذكر أن الشاعر "فيصل المفلح" عمل مشرفاً على برنامج "أرض وجذور" في إذاعة دمشق، وموجهاً اختصاصياً لمادة اللغة العربية، ومديراً لثقافة "القنيطرة" قبل احالته على التقاعد.

    شارك في مسابقة "الجولان" للإبداع الأدبي عام 2003م وحصل على المركز الثاني عن قصيدة بعنوان "رسالة إلى الشهيد محمد أبي العاصي".