عاش حياته في ربوع "الجولان"، يصدح بأغنيات عشقه للسهول والوديان والصخور الشمّاء، رحلته حطّت به في "دمشق" جسداً، وظلت الروح تحنُّ إلى السهل الخصيب والروابي والهضاب، الشاعر الراحل "عبد الرحمن جبر الخالدي".

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت ابنه "معاوية الخالدي" بتاريخ 6 أيلول 2020، الذي بدأ حديثه عنه بالقول: «ولد أبي في قرية "كفر حارب"، في "الجولان" السوري المحتل، المطلة على بحيرة "طبرية" عام 1922، درس في كتّاب القرية ثم انتقل إلى محافظة "درعا" حيث نال شهادة الابتدائية ـ السرتفيكا عام 1936، ثم انتقل إلى محافظة "دمشق" لتلقي علوم الثانوية في مدرسة التجهيز الأولى "جودة الهاشمي".

يعود ذلك لوجود نهر ووادي "اليرموك" ضمن منطقة "كفر حارب" وكان والدي يصطحب طلابه إلى الوادي ليعطيهم الدروس في الهواء الطلق ربما كان السبب الرئيسي وراء ذلك، إضافة إلى انتمائه العربي وتعلقه الشديد بالعروبة وبكل ما يرمز لها وينتمي إليها، كذلك إن معركة "اليرموك" هي أهم نقاط التحول في التاريخ العربي ناهيك بأنّ القائد الأول في تلك المعركة هو "خالد بن الوليد" وأبي كان شديد الانتساب لهذا الرجل العظيم

كان من أساتذته الشاعر "محمد البزم" الذي قدم له الدعم والتشجيع، كما كان يحب إلقاءه الخطابي للشعر، ومن أساتذته أيضاً "ميشيل عفلق" الذي ظل يتحدث عنه دائماً بتبجيل واحترام الطالب لمعلمه، وهو ابن المذيع "سفيان جبر الخالدي"».

الشاعر الراحل "عبد الرحمن جبر الخالدي"

أما عن سبب تسميته بـ"شاعر اليرموك" يضيف: «يعود ذلك لوجود نهر ووادي "اليرموك" ضمن منطقة "كفر حارب" وكان والدي يصطحب طلابه إلى الوادي ليعطيهم الدروس في الهواء الطلق ربما كان السبب الرئيسي وراء ذلك، إضافة إلى انتمائه العربي وتعلقه الشديد بالعروبة وبكل ما يرمز لها وينتمي إليها، كذلك إن معركة "اليرموك" هي أهم نقاط التحول في التاريخ العربي ناهيك بأنّ القائد الأول في تلك المعركة هو "خالد بن الوليد" وأبي كان شديد الانتساب لهذا الرجل العظيم».

"عبد الكريم العمر" باحث في شؤون وتاريخ "الجولان" يتحدث عنه بالقول: «أحب الشعر منذ نعومة أظفاره، حيث كان له من جمال القرية ومقدرة الأساتذة وحب المطالعة وحفظ الشعر ما مكنه من نظم الشعر كهواية أحبها لنفسه ولوطنه.

"معاوية الخالدي"

ويعد من شعراء "الجولان" البارزين حيث كتب الشعر الفصيح والشعر العامي، ومعظم أشعاره وطنية، كما لم يميل إلى طباعة شعره ونشره، لذا فأغلب المعروف من شعره جمع مما يحفظه طلابه وما توفر لدى أصدقائه، وعمله المطبوع الوحيد المسرحية الشعرية "النفير" التي كان الفضل الأول في طباعتها لأصدقائه وخصوصاً "مصطفى جسومة"».

وأضاف "العمر": «غلب على شعره في مراحله الأولى محور محدد العروبة و"فلسطين" والوحدة، وبعد نكسة عام 1967 أصبح "الجولان" وقريته "كفر حارب" المحور الأساسي لكل ما ينظم، فقدم قصائد رائعة مفعمة بالعواطف والحنين، انتشرت بصورة واسعة بين أبناء "الجولان" رغم عدم طباعتها في ديوان، مثل قصائد "هواها"، "أنا والطلل"، بلغ قمة العاطفة والشوق والحنين في قصائده العامية مثل "الله على جفن من الهجس ما نام"، وقصيدة "يا ديرتي يام النفل والنواوير"».

درع تذكاري، مع صورة لغلاف مسرحيته الشعرية "النفير"

المحامي "عربي محيي الدين" قال في مقدمة كتاب المسرحية الشعرية النفير واصفاً الشاعر "عبد الرحمن جبر الخالدي": «لم تأت بجديد علي يا "أبا سفيان" عندما قرأت مسرحيتك "النفير" لأني وجدت في أبياتها صورة صادقة لشخصيتك التي أعرفها منذ الطفولة، فلقد صحبتك في المدرسة، وألفتك في القرية، ورافقتك في المدينة، فكأن حياتك أنموذجاً واحداً لا فرق بين طفولتها وشبابها وكهولتها سواء أكنت طالباً أم مزارعاً أم موظفاً، فلقد ظللت على الدوام جذوة الحماس المتقد من أجل قضايا أمتك ووطنك، فكنت تخاطر وتتفانى وتصبر.

ولقد أحبك أهلك وأقاربك وأصدقاؤك لأنك كنت تحبهم وتخلص لهم وفاء بذلاً وتضحية، حتى لقد كنا نأخذ عليك هذا الإفراط في المثالية ونلومك عليه أحياناً، وأجل ما أكبره فيك هو الصمود والثبات، فلم تهن لك عزيمة ولم تلن لك قناة رغم ما تعرضت له من محن قاسية يعلمها كل من عاشرك، وقد راهن الكثيرون أن النزوح وإصابة العين ستنالان من نفسيتك القوية فتنهار أمام الضائقة المادية ولكن شيئاً من هذا لم يحدث أبداً.

هكذا هو "عبد الرحمن جبر" وإني أشهد الله ممن يكرهون الإطراء وعهدي به هو كذلك أيضاً، ولكنها كلمة حق موجزة أقولها كأمانة عندي ووفاء مني، وإني لعلى يقين بأن من يعرفونه لن ينكرون علي هذه اللمحة المقتضبة عنه.

لقد اختار "عبد الرحمن" اسماً لمسرحيته "النفير" فكان دلالة واضحة لما يجيش في أفكاره من حب لوحدة أمته وشوق عظيم لأخذ الثأر وتحقيق النصر».

كتب الراحل "عبد الرحمن جبر الخالدي" بيتين من الشعر عن داره التي تركها خلفه بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، ووضع هذين البيتين على غلاف مسرحيته الشعرية "النفير" الذي تضمن أيضاً صورة لداره التي عشقها:

ألا يا دار فيها قد ربينا / وفي جنباتها عشنا سنينا

سأبني من طلولك لي مصلى / وأجعل من خيالك لي خدينا

نذكر بعض أبيات شعر من قصيدته "ذكرى وحنين":

هواها لا أروم سوى هواها / فتاة صبابتي وأنا فتاها

كلفت بحبها مذ كنت طفلاً / فكان لها الاباء ولي جناها

شذا الأزهار فواح عبوق / كذا الأطيار تذرع في سماها

قتلك كرومها ينعت قطافاً / وذا الزيتون يورف في حماها

مسندسة السهول بكل عشب / مع النوار مزدهراً كساها

جدير بالذكر أن "عبد الرحمن جبر الخالدي" توفي عام 2000.