على وجهها ترك التاريخ بصماته، وعلى لسانها تسير الكلمات كما لو أنك تسمع حديثا مسجلاً يعود إلى الثلاثينيات من القرن العشرين، تنتقل بمستمعيها من حقبة تاريخية إلى أخرى لتسرد لهم تفاصيل محفورة في قلبها وذاكرتها، أكثر من قرن مضى على وجودها في هذا العالم عايشت خلاله الأحداث بحلوها ومرها، وعلى الرغم من ذلك لا تزال الابتسامة تسكن شفاهها.

إنها الحاجة "حمدة الشعابني" التي دخلت العقد الثاني بعد المئة من عمرها، التقاها موقع eQunaytra في منزلها القديم الذي تشهد حجارته على كل تفاصيل حياتها والذي عادة ما يتردد عليه الأبناء والأحفاد بشكل يومي، آملين أن تعود جدتهم بالزمن إلى الوراء لتبدأ فصلاً جديداً من فصول الحكاية. حدثتنا عن رحلة 109 سنوات التي قضتها قائلة: «أنا من قرية "جبا" أباً عن جد نشأت في أسرة كادحة تعمل في مجال الزراعة و"الحصيدة" ضمن سكن متواضع وكانت أسرتي مؤلفة من خمسة أشخاص /2/ ذكور و/3/ إناث حتى بلغت سن الخامسة عشرة، بعدها تزوجت من ابن عمي وأنجبت /10/ أفراد /7/ إناث و/3/ ذكور منهم من هو على قيد الحياة ومنهم من توفي، والحمد الله جميعهم متزوجون وقاطنون بقرية "جبا" ومحيطها، ولديّ /230/ حفيداً».

ما زلت محافظة على اللباس الشعبي الجولاني القديم وهو "الحطة" و"الشرش" و"العرجة"، وأقوم بصنع القهوة العربية المرة بشكل يومي في منزلي

وعن حياتها اليومية كيف تقضيها قالت السيدة "حمدة": «أقضي أيام الأسبوع في منزل العائلة وأتنقل بين بناتي وأولادي بزيارة متعددة للاطمئنان على أحوالهم وتكون هذه الزيارات سيراً، حيث أبدأ يومي بالاستيقاظ في الساعة الخامسة صباحاً لأصلي الفجر وبعدها أتناول وجبة الفطور وهي عبارة عن كأس من الحليب والزبدة والعسل والخبز فقط ثم آخذ القليل من الراحة لحين عودة أبنائي من العمل لنتناول وجبة الغذاء وعادة تكون من الخضراوات واللبن وجميع وجباتي تكون من الحليب ومشتقاته والخضراوات الطبيعية مثل "العكوب" و"الخبيزة" وأبتعد عن المعلبات والمعجنات والزيوت المصنعة، وغالباً لا أتناول وجبة العشاء ويكون النوم بعد صلاة العشاء».

الحاجة حمدة الشعابني

أما عن عملها في الزراعة والحصاد فتقول: «عشت أيام عمري في الزراعة والحصاد وكنت أحب العمل كثيراً وأقضي كل أوقاتي في الأرض لدرجة العشق، لدينا أرض للعائلة ودائماً أقول لأبنائي الأرض ليست للبيع ولا للتعدي عليها فهي نعمة من الله فحافظوا عليها، وأنا بشكل دائم أتفقد الأرض وأتابع عملها وكل يوم جمعة يذهب معي أحد أبنائي لزيارتها للاطمئنان عليها وفي أيام مواسم الحصاد والزراعة أشرف على العمل وتوجيه العمال من خلال تجربتي الطويلة فيها».

وعن صحتها الجيدة وبنيتها القوية تقول السيدة "حمدة": «طوال عمري في حركة دائمة، أحب السير لمسافات طويلة، وحالياً أسير ما يقارب /1/ كم في اليوم، وغذائي كما ذكرت من الطبيعة ومشتقات الحليب وهذا ما جعلني أحافظ على صحتي وبنيتي القوية، وحتى الآن لم أجرِ أي عمل جراحي أو أدخل مستشفى».

الحاجة حمدة مع السيدة أسماء الأسد

ولدى سؤالنا للسيدة "حمدة" عن الوشم الذي في وجهها قالت: «هذا الوشم منذ الطفولة من خلال غجرية كانت تسكن في حارتنا، وكانت عرضت علينا أن تزيننا مقابل نصف "مجيدية"، وافقنا ونحن في غاية السعادة، وقديماً كان الوشم دليلاً على جمال المرأة تماماً كاستخدام المكياج في الوقت الراهن».

وتابعت تقول: «ما زلت محافظة على اللباس الشعبي الجولاني القديم وهو "الحطة" و"الشرش" و"العرجة"، وأقوم بصنع القهوة العربية المرة بشكل يومي في منزلي».

الحاجة حمدة مع بعض أحفادها

وبين "حمدة" أيام زمان و"حمدة" اليوم قصة مع الذكريات والمتغيرات، تقول: «كل الأيام خير وبركة علينا، ولكن أتذكر تلك الأيام التي كان فيها المحبة بين الناس وخوفهم على بعضهم بعضاً، حيث كان للعيش طعم آخر، نتعب ونعمل بجد ونشاط لكي نحصل على الخبز واللباس والطعام فكنا نخبز على "التنور" ونأتي بالحطب والمياه على الأكتاف ونعمل بالأرض لكي نؤمن كافة مستلزمات الحياة، أما أيامنا هذه فكل شيء مختلف في طريقة الكسب وأساليب العمل، يقولون أن العالم تطور وأنا لا أرى ذلك، وأتمنى من الله بأن يجعل كل أيامنا ملأى بالخير والبركة».

وذكرت السيدة "حمدة" أنها توجت مسيرة حياتها بزيارة السيدة "أسماء الأسد" إلى منزلها في عام 2006م: «كانت أسعد لحظات حياتي عندما استقبلتها في منزلي المتواضع، إنها لسيدة حنونة رائعة ومتواضعة زيارة لن أنساها طوال حياتي، وقامت "السيدة الأولى" بدعوتي إلى حفل تكريم الأمهات بمناسبة عيد الأم وكانت فرحتي لا توصف، وفي آخر مرة قمت بزيارتها، استقبلتني بحنانها وعطفها كأنها ابنتي لأني وجدت عندها الحنان والطيبة».

يقول ابنها السيد "وليد حمادة": «الحمد لله أن والدتي تتمتع بصحة جيدة وبنية قوية، كما أنها خفيفة الظل نعيش تحت رعايتها وبتوجيهاتها، نحن وأبناؤنا وزوجاتنا نطلب من الله سبحانه وتعالى أن يتم عليها صحتها وعافيتها وجميعنا نقوم على رعايتها وتأمين كل ما تحتاج وأدامها الله فوق رؤوسنا».