يتغنى "أندراوس شحادة" بجولانه ويردد دائماً: من هنا مّر الأنبياء إلى القدس وعلى ضفاف "طبرية" عاش السيد "المسيح" وعبر الرسول الكريم... ولا ينسى "النواعير" التي كانت تزرع الحياة والخصب من خلال ما يتدفق من الماء...

يصف الجولان بأنه ذلك البيئة الريفية، التي كانت تكتنز جنباتها بالكثير من الوئام والمحبة فهي بنظره موزاييك رائع يجمع شرائح تمثل كل أبناء وطنهم سورية، لم يحلم يوماً بأن يكون صحفياً كان يتمنى أن يصبح طياراً يحلق في السماء.

وصلت إلى الساحة القديمة قرب (سينما الأندلس) حيث كنا نحتفل فيها بالمناسبات الوطنية والقومية وانحرفت منها إلى اليسار إلى الشارع الذي كان يسمّى (شارع فلسطين)، ووصلت إلى مكان بيتي وجاءت الصدمة كالصاعقة عندما رأيت حجارته السوداء المنحوتة تتوضع فوق بعضها وتئن تحت وقع غضبها من الطبيعة الإجرامية لمن هدمها، كانت أسطح المنازل تنام فوق بلاطها، وبدأت دموعي تنهمر مدْرارة، فالحزن والخيبة سيطرا على نفسي عدت إلى الساحة.. باحثاً عن زميلي المصورين وفجأة ظهرت امرأة مع ثلاثة أطفال وقالت: «هل انتم سوريون أم إسرائيليون؟ وكم كانت دهشتها عندما ناديتها باسمها "لوريس" هي ابنة خالتي، فبكت وتقدمت لتعانقني وترجوني أن أنقل أطفالها معي إلى "دمشق" بعد أن ظلت وعائلتها وزوجها "فايز حدّاد" تحت نير الاحتلال منذ العام 1967

موقع aQunatrya التقى الأستاذ "أندراوس شحادة" ولدى حديثنا معه كان ينتقي كلماته ليشير إلى حَدَثٍ هام يقول إنه لن ينساه قائلاً: «كان ذلك في حزيران من عام 1974 حيث بدأ الجيش الإسرائيلي بالانسحاب من مدينة "القنيطرة" التي كانت محتلة لسبع سنوات خَلَتْ.. وكنت قد قررت أن أكون أول صحفي يدخل المدينة المحَّررة إن لم أكن الأول على الإطلاق، اتفقت مع زميليّ: المصوّر الصحفي، والمصور السينمائي على الذهاب من "دمشق" مبكراً يوم الانسحاب، وعلى بعد عدة كيلومترات طلب منَّا التوقف، إلا أن صديقاً كان يترجم لقوات الأمم المتحدة واسمه "لؤي معروف" طلب منَّا بعد تشاور مع مسؤول في هذه القوات ألا نتقدم إلا بعد الساعة الرابعة من بعد ظهر ذلك اليوم.. وهكذا كان، وسيراً على الأقدام ثم عَدْواً كيلو مترات تقريباً بدأت مشواري باتجاه مدينتي، سمعت فجأة صوت انفجار ضخم تلاه هدوء قبل أن أصل وزميليّ إلى أول منزل في المدينة، وكان مركزا للشرطة قبل الاحتلال، ودفعتني اللهفة إلى الإسراع لرؤية منزلي كنت أشاهد على جانبي الطريق مناظر الوحشية الصهيونية التي انصبت على الانتقام من كل شيء حتى من الأشجار والمنازل والكنائس والمساجد إلاّ أن الأمل ظل يراودني في رؤية منزلي سليماً».

لقائه مع "لوريس"

ويبحر الأستاذ "شحادة" بذاكرته عن المدينة الشهيدة بالقول: «وصلت إلى الساحة القديمة قرب (سينما الأندلس) حيث كنا نحتفل فيها بالمناسبات الوطنية والقومية وانحرفت منها إلى اليسار إلى الشارع الذي كان يسمّى (شارع فلسطين)، ووصلت إلى مكان بيتي وجاءت الصدمة كالصاعقة عندما رأيت حجارته السوداء المنحوتة تتوضع فوق بعضها وتئن تحت وقع غضبها من الطبيعة الإجرامية لمن هدمها، كانت أسطح المنازل تنام فوق بلاطها، وبدأت دموعي تنهمر مدْرارة، فالحزن والخيبة سيطرا على نفسي عدت إلى الساحة.. باحثاً عن زميلي المصورين وفجأة ظهرت امرأة مع ثلاثة أطفال وقالت: «هل انتم سوريون أم إسرائيليون؟ وكم كانت دهشتها عندما ناديتها باسمها "لوريس" هي ابنة خالتي، فبكت وتقدمت لتعانقني وترجوني أن أنقل أطفالها معي إلى "دمشق" بعد أن ظلت وعائلتها وزوجها "فايز حدّاد" تحت نير الاحتلال منذ العام 1967».

تنحدر عائلة "أندراوس شحادة" من قرية "مجدل شمس" الجولانية المحتلة في سفوح "جبل الشيخ" فيها ولد وعاش أجداده ووالداه وإخوته الخمسة، وكان الوحيد الذي ولد في "القنيطرة" بين إخوته، لكن مازال أفراد من عائلته يعيشون في "المجدل"، درس حتى الشهادة الثانوية بمدرسة الثانوية في "القنيطرة" التي أحدثت حينها، ومن الأستاذة التي قاموا بتدريسه وأعجب بهم الأستاذ "دريد لحام" مدرس مادتي (الفيزياء والكيمياء)، وكان هناك أيضا أساتذة من مصر وقتها أيام الوحدة بين (سورية ومصر).

الاستاذ "اندراوس" من جهة اليمين بوكالة سانا

توجه إلى جامعة دمشق للدراسة بقسم الجغرافية، في الوقت الذي كان يدرّس في "القنيطرة".

وهنا تدخل القدر والحظ في حياته حيث تم اختياره مراسلاً لوكالة الأنباء السورية "سانا" في المحافظة عام 1967 قبل الحرب، وعن ذلك يقول: «هذه المهمة لم تكن موجودة سابقاً بالمحافظة، وجاء العدوان الإسرائيلي عام 1967 ليحرمني ويحرم أكثر من 130 ألف مواطن في الجولان من مدنهم وقراهم، عشت أياماً صعبة أثناء الحرب في مدينتي، كنت في العشرينات من عمري وقد بعثت قبل بدء الحرب وأثناءها أخباراً نشرت باهتمام في الصحف السورية.

إعداد "أندراوس شحادة"

وبعد احتلال "القنيطرة" انتقلت للعمل في مكتب الوكالة المركزية بدمشق، قمت بتغطية أنباء وزارة الأوقاف والرياضة ثم عينت مساعداً لرئيس التحرير (رئيس فترة) في قسم الوكالات العربية والأجنبية.

في العام 1967-1968 انتخبت عضواً في المكتب التنفيذي لنقابة الصحافة الذي مهّد لعقد المؤتمر العام الأول للصحفيين، لم يكن في سورية حتى العام 1968 أكاديميون في مجال العمل الصحفي إلا القليل فتم إيفاد عدد من العاملين في المؤسسات الإعلامية إلى الدول الاشتراكية للدراسة، وكنت واحداَ منهم فذهبت إلى برلين الشرقية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية (كلية التضامن) Collage of

Solielarty وهناك حصلت على دبلوم في الصحافة بدرجة جيد تخصص أخبار وكالات الأنباء والتغطية الصحفية، ولدى عودتي إلى دمشق وعمل استمر بضعة أشهر، تم إيفادي إلى ليبيا للعمل كمراسل لوكالة الأنباء السورية لمدة سنتين ونصف عانيت خلالها من الأساليب المختلفة في إرسال الأخبار لأسباب تقنية.

ورداً على سؤالنا عما قام به من أعمال بعد تركه للعمل في سورية، قال: «عملت في باريس بين عامي 1994-1995 في صحيفة المحرر، التي كانت تصدر باللغة العربية إلى جانب الدكتور "غسان الرفاعي"، كما قمت بالعمل في دار Made west ميد ويست للنشر، والتي تهتم بترجمة ونشر كتب صادرة بالفرنسية إلى العربية، قمت بتدقيق عدة كتب للدار منها كتاب عن حوار بين الرئيس الفرنسي الراحل "فرانسوا ميتران" والكاتب الصحفي "أيلي فيزل" الحاصل على جائزة نوبل.

وفي بلجيكا عملت قبيل عام 1990 في مجلة تدعى نور سود Nor-sud، بعام 2000 لغاية 2003 عملت مراسلاً لوكالة الأنباء السورية في مكتب الوكالة ببريطانيا».

يذكر أن الأستاذ "أندراوس شحادة" من مواليد 9/10/1940، انتخب بعد التقاعد ليترأس مجلس إدارة جمعية خيرية لأبناء الجولان تدعى جمعية "مار جريس" الخيرية بمنطقة العباسيين ساحة "جورج خوري" بدمشق، متزوج ولديه ثلاثة بنات.