كانت نصوص مسلسلاته علامة فارقة في تاريخ الدراما السورية؛ فقد تجاوز النمطية المعتادة، لينقلنا بأسلوبه الجميل إلى عالم الكوميديا الناقدة والممتعة.

"ممدوح حمادة" الدكتور في الصحافة، ورسام الكاريكاتور، والسيناريست الذي أبدع بشهادة من تابع أعماله، حلّ ضيفاً على مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 7حزيران 2019، ليتحدث عن مرحلة الطفولة، حيث تنقل مع عائلته في عدة أماكن، وعنها قال: «حتى الصف الرابع الابتدائي تنقلت أسرتي بين "الجولان" الذي ننتمي إلى إحدى قراه؛ وهي "عين قنية" المحتلة، وبين "إزرع" في "درعا" حيث كان يؤدي والدي خدمته العسكرية، ثم "دمشق" بعد النزوح بسبب الاحتلال، ولي في جميع هذه الأماكن أضغاث ذكريات غير واضحة المعالم. بعد ذلك انتقلنا إلى "السويداء"، وتابعت دراستي في مدارسها حتى أنهيت الثانوية العامة، حيث التحقت بعدها بخدمة العلم التي استمرت لأكثر من ثلاث سنوات، وكانت بداية سفري الذي ما زال مستمراً حتى الآن. أثناء مرحلة الطفولة اكتشفت لديّ ميولاً نحو الأدب والفن، لكن يا للأسف لم يكن هناك إمكانات للتشجيع من قبل الأهل بسبب الكارثة التي حلّت بنا بعد الاحتلال، فكانت بعض هذه الميول تنمو تلقائياً، وبعضها يخبو لتطلبه دعماً مادياً مثل الرسم والموسيقا».

كتبت القصة والقصة القصيرة، وكان لي تجربتان مسرحيتان واحدة منهما للأطفال. وكتبت الشعر، أما الرواية فأخوض غمارها الآن

حصل "حمادة" على الدكتوراه في الصحافة من جامعة "بيلاروسيا" الحكومية في العاصمة "مينسك" عام 1994، ورسالة الدكتوراه تحولت إلى كتاب لاحقاً، فقال عن تلك المرحلة: «أطروحة الدكتوراه كان عنوانها: "الكاريكاتير في الصحافة الدورية"، وقد نشرتها على شكل كتاب لاحقاً، بعد أن اختصرت منه تفاصيل البحث العلمي. بعد الدراسة لم يتسنّ لي العمل في أي مكان كصحفي متفرغ، وعملت لسنوات كصحفي غير متفرغ، أي من دون دخل ثابت، هذا بعد عودتي إلى "سورية"، ثم عدت إلى "بيلاروسا" وعملت مدرّساً في إحدى جامعاتها لمدة عشر سنوات، وبالتوازي كنت أكتب السيناريو الذي تحول إلى مهنة تدريجياً».

الدكتور "ممدوح حمادة"

أما عن فنون الأدب التي برع بها، فأضاف: «كتبت القصة والقصة القصيرة، وكان لي تجربتان مسرحيتان واحدة منهما للأطفال. وكتبت الشعر، أما الرواية فأخوض غمارها الآن».

العديد من القصص والنصوص تحولت إلى سيناريوهات، عنها أضاف: «كان ذلك في مسلسل "صراع الزمن" الذي أخذته من قصة "جلنار"، كما حولت الكثير من قصصي إلى سيناريوهات درامية سواء في "ضيعة ضايعة"، أو "الخربة"، أو "بقعة ضوء"، وغيرها من الأعمال، إضافة إلى لوحات في "بقعة ضوء" أو "على المكشوف"، حيث قمت فيها بتحويل نصوص أدبية عالمية لكتّاب، مثل: "تشيخوف"، و"أو هنري"، وغيرهما إلى لوحات دارمية، وقد تمت الإشارة إلى هذا في شارات هذه اللوحات؛ باستثناء بعض اللوحات التي سقط منها اسم مؤلف القصة، وأحياناً اسمي نتيجة خطأ في المونتاج».

غلاف إحدى القصص

السخرية من الألم وقولبته في قالب كوميدي أسلوب خاص لدى "حمادة"، حيث قال: «أي عمل أدبي كيفما كان شكله يحتوي أشياء ثلاثة: الهدف، الرسالة، الأسلوب. وهدفي من الكتابة الساخرة متعارف؛ فما يندرج تحت تصنيف الأدب الساخر له دائماً هدف أساسي؛ وهو النقد وتسليط الضوء، وهنا ندخل في التصنيفات الداخلية التي تختلف باختلاف الأهداف، فمنها ما يكون النقد فيها للإشارة إلى الخلل وتصحيحه، ومنها ما يكون الهدف منها دعوة إلى التغيير، ومنها ما يدعو إلى التدمير التام للعيب الذي يشير إليه، لكن بما أن هذه التصنيفات الداخلية للسخرية غير موجودة باللغة العربية كما أظنّ، وتتم تسميتها المقالة الساخرة، أو إنها موجودة، وأنا لست مطلعاً عليها، ومن هنا أكتفي بالقول إن الهدف من السخرية النقد والتحريض.

ولكل عمل رسالته الخاصة، فليس هناك رسالة جامعة لكل الأعمال، وهي لا تنفصل عن الهدف، لكنها تنتقل من العام إلى الخاص في العمل نفسه، وعادة ما يحمل العمل عدة رسائل على مستويات مختلفة، ويمكن ملاحظة هذه الرسائل عند مشاهدة الأعمال».

كاريكاتور

وتابع القول: «الأسلوب الخاص يميز الكاتب، وإذا لم يكن لدى الكاتب أسلوبه الخاص، فهو لم يصبح كاتباً بعد، أو إنه كاتب عابر وعارض على الكتابة، وأنا مثلاً أكره عندما يقوم أحد المحبين بتشبيهي بكاتب آخر مهما بلغت عظمة هذا الكاتب، فأنا مع حبي وشغفي بهؤلاء الكتّاب الذين يمنحني بعض الناس أسماءهم، إلا أنني أفضّل أن أتميّز بأسلوبي عنهم، ومن هنا فإنني أحرص على أن يكون لديّ أسلوب يميّزني».

لا شك أن ما جرى في "سورية" ترك أكبر الأثر في نفس "حمادة"، وقد ترجمه بمسلسل "ضبو الشناتي" الذي حصد نسب مشاهدة عالية، ولامس الواقع بتفاصيل دقيقة، وقد تحدث عن رسالة العمل وكيف كان انطباع المتابعين بالقول: «العمل موجه ضد الحرب، وهذا العنوان يختصر جميع الرسائل التي فيه، انطباع الناس يصل إليّ عادة من التعليقات أو التعبير المباشر ممن أتواصل معهم، وما وصل إليّ أن العمل حصل على قبول معين لدى الناس».

الكاتب والصحفي "حسني هلال" تحدث عن علاقته مع الدكتور "حمادة" قائلاً: «جمعتنا المصادفة في "دمشق"، وتوطدت علاقتنا حتى بتنا صديقين، نتداول ونتناقش شؤوننا العامة والخاصة، وبوجه رئيس ما يستجد لدينا من قراءات وكتابات في القصص القصيرة، التي شغلت اهتمامنا المشترك وتطلعنا آنذاك، بعدها سافرنا إلى "الاتحاد السوفييتي" لمتابعة دراستنا، فاشتد أكثر عود صداقتنا وتجربتنا الأدبية. ثم جاء مصيرنا المشترك بعد نهاية تحصيلنا العلمي، وعودتنا إلى الوطن، وما نالنا من ثمار البطالة، أثناء بحثنا عن عمل ضمن اختصاصنا حيناً، وممارسة أعمال يدوية في ورشات بناء وسواها، خارج القطر حيناً آخر، ومعاودة البحث عن مطلق عمل دائم بعد رجوعنا، لكن من دون جدوى، وقد جاء كل ما سبق ليوطد ويمتّن صداقتنا أكثر فأكثر.

يتحلى "حمادة" بمجموعة صفات إيجابية، أبرزها إحساس مرهف وصدق ووفاء في تعامله وعلاقاته مع الآخرين، لم يملّ يوماً ولم ييأس من المستقبل، على الرغم من قسوة المعاناة وتفاقمها وتداعياتها، كما لم ينل ذلك من قوة عزيمته وصبره، ومواظبته على الجدّ والبحث والإبداع.

مع صعوبة بل تردي أحواله المادية والصحية أحياناً، بقي على حسّه العالي بالمسؤولية تجاه أهله وذويه وأصدقائه، ولم يهجره كرم الأخلاق وروح "النكتة" المطبوع عليهما.

وبما يخص إنتاجه الإبداعي، فقد تميزت تجربته عموماً، سواء في القصة التي عالجها أولاً، وفي الكاريكاتور ثانياً، وفي الشعر الذي لم ينشره ثالثاً، ثم في المقالة والسيناريو مؤخراً، بالبساطة والجرأة والسخرية الذكية الحارة».

الفنان "منذر أبو راس" تحدث بالقول: «الدكتور "ممدوح حمادة" يبدو لك كإنسان للوهلة الأولى أنه حاد الطباع، ثم لا تلبث أن تكتشف أن وراء هذه الملامح القاسية طفلاً رائعاً مشاغباً شغوفاً بمعرفة وتجريب كل شيء، هو فنان يعكس ثقافته وتجربته العميقة من خلال عفويته.

كان لي الشرف بتجسيد شخصية "رياض" في مسلسل "الخربة"، كان كل شيء موجود بالتفصيل بما يتعلق بشخصيات العمل، ويبقى على الممثل أن يضع بصمته ضمن مساحة عمله، كل (الكركترات) مرسومة بدقة؛ وهذا ما يميز الدكتور "ممدوح" عن غيره من الكتّاب. تمتاز نصوص "حمادة" بأنها بسيطة سلسة وعميقة في ذات الوقت ضمن تقنية درامية مدروسة بدقة، وخاصة أن معظمها ينتمي إلى الكوميديا، وهي من الأصعب؛ لأنك مطالب دائماً بإحداث المفارقة المضحكة وغير المتوقعة. "حمادة" يمتلك قدرة غير عادية على تدوير الحدث وتطويره، وعكسه على شخصيات عمله، وإحداث مفارقات متلاحقة، فتشعر بأنك وصلت إلى نهاية المفارقة المضحكة حتى تتفاجأ بمفارقة أطرف ثم ثالثة تجعلك تنفجر من الضحك».

يذكر، أن الدكتور "ممدوح حمادة" من مواليد "الجولان" عام 1959، ومقيم حالياً في "نيويورك".