تناولت الكثير من الأقلام السورية وغيرها قضية جولاننا المحتل، وهناك عدة نماذج تم فيها رسم "الجولان" بريشة إبداعهم حيث كتبوا فيه أجمل الروايات، وأغلبها يستند إلى ذاكرة متوقدة تعكس إصرار الجولانيين على العودة، ووعيهم التام لطبيعة الصراع في المنطقة.

مدونة وطن eSyira التقت بعض النقاد والأدباء بتاريخ 3/12/2012 فتحدثوا عن بعض الروايات التي تناولت قضية "الجولان" المحتل، والبداية كانت مع الناقد الدكتور "عاطف البطرس" الذي تحدث عن رواية "المرصد" للأديب الكبير "حنا مينة" فقال: «"حنا مينة" من بين الكتاب الذين وقفوا في المعركة، في أشد لحظاتها، رافعين راية الصمود رافضين تلك الهزيمة، من خلال عمله الهام "المرصد" الذي لا يعتبر وثيقة لمعركة حدثت، وإنما هو تصوير للبطولات وتكريس للمعاني التي أرستها حرب تشرين التحريرية ونفي لكل ما ساد قبلها من ادعاءات، لقد ربطت الرواية بإحكام بين أسباب هزيمة حزيران وبين الظروف الجديدة التي صاغت القرار التاريخي ببدء حرب "تشرين" التحريرية، صحيح أنها جاءت بعد الحرب، ولكن مادتها قد أعدت أثناء الحرب وتحت دوي القنابل لذلك نحتفظ بقيمتها الوثائقية من جهة، ولا تفقد أهميتها بزوال أحداثها، لأن حرب "تشرين" لم تنته بعد، فأهداف الحرب المعلنة لم تتحقق، وأمامنا معارك وحروب كثيرة، كانت "تشرين" بداية الطريق إليها».

فهذا المقدم "ح" يقول: من يعود من هذا الحرب سالماً يحق له أن يتباهى برجولته ومن يستشهد تتباهى الرجولة فيه... حزيران صيّرنا خصياناً ونحن لم نحارب. العرب، لم يحاربوا، هزمنا نعم ولكن حاربنا لا.. الحرب لم تقع والآن سوف تقع.. المواطن كان خارج التفكير، كان مسجوناً، مشلولاً مبعداً، وحين لا يكون مواطن لا يكون وطن...

وتابع حديثه قائلاً: «لقد عكست "المرصد" بأمانة وصدق، ليس الأحداث العسكرية والعمليات القتالية التي شهدتها الجبهتان السورية والمصرية فقط، وإنما الاستعداد والصبر الدؤوب لمواجهة العدو أيضاً، بدءاً من التدريب القتالي والوعي السياسي والتأكيد على عدالة القضية التي سنخوض من أجلها الحرب. اتخذت الرواية بؤرة مركزية لها، هي وصف احتلال مرصد جبل الشيخ ذي الأهمية العسكرية العالمية، ثم اتسعت الدائرة لتغطي نشاط كافة قطاعاتنا العسكرية، ناقلة أحداثاً دقيقة لابد أن الكاتب قد بذل جهداً كبيراً من أجل جمعها وتوثيقها، قبل أن يبدأ الإقدام على كتابة عمل يحتاج إلى خبرة ليست فنية فقط وإنما عسكرية أيضاً، فكان أميناً في نقل التطورات والتحولات الجارية في ساحة المواجهة مع العدو، دون مبالغة أو تهويل».

غلاف المرصد للروائي الكبير حنا مينة

وقال أيضاً: «في "المرصد" نطالع معركة كافة الأسلحة وتضافرها براً وبحراً وجواً، كما نقرأ أيضاً إيمان المقاتل بالنصر وبقدرة الإنسان على الابتعاد عن نزعات الخوف والاستسلام ومواجهة العدو وجهاً لوجه، بعد حالة الرعب التي تملأ النفوس من "البعبع" الإسرائيلي إثر قناعات روجت بأن العدو يملك جيشاً لا يقهر. لقد جسدت الرواية المعاني الكبيرة لحرب "تشرين" وصورت لنا نماذج حية ووعياً رفيعاً بالمسؤولية وصموداً لا مثيل له، وذخراً غنياً قدم المآثر البطولية إبان القتال، ثم بينت كيف تحولوا من منهزمين في حرب لم يشاركوا فيها، إلى أبطال يسمو وعيهم الوطني وتشتد رجولتهم وتتصلب وتبرز إنسانيتهم الحقة في المواجهة لا خارجها، لأن المعارك تولد الأبطال، والشعوب تمتحن بالتجارب».

وأخيراً يتذكر لنا "البطرس" مشهداً من الرواية مردداً: «فهذا المقدم "ح" يقول: من يعود من هذا الحرب سالماً يحق له أن يتباهى برجولته ومن يستشهد تتباهى الرجولة فيه... حزيران صيّرنا خصياناً ونحن لم نحارب. العرب، لم يحاربوا، هزمنا نعم ولكن حاربنا لا.. الحرب لم تقع والآن سوف تقع.. المواطن كان خارج التفكير، كان مسجوناً، مشلولاً مبعداً، وحين لا يكون مواطن لا يكون وطن...».

د. عاطف بطرس

د. "عبد الكريم محمد حسين" تحدث عن رواية "قناديل الليالي المعتمة" للأديب "علي مزعل" فقال: «العمل يعكس اضطراباً في التكوين كاضطراب الأحوال والرؤى لأهل قرية كفر حارب في الجولان المحتل من خلال كتابة ممزوجة بحرقة الغربة وبماء الحنين، وانطفأت فكرة الواقعية بقوة النار الداخلة بين عيدان الماضي وأحطابه المهمش، ومفرداته المبعثرة، لكن المؤلف استطاع استرجاع تلك الوقائع التي لا تحيط بتاريخ شخصية واحدة ولا بتاريخ القرية كله، ولو أنها أحاطت بمجمل أوجاعها وفجائعها التي زالت بزوال الأيام بيد أنها لم تستطع أن تمحو آثارها من القلب والعقل، فكم أضاف المؤلف للشخصيات من عقله فجعلها تتكلم بالسياسة من غير "يحيا... ويعيش..، وبدنا الوحدة باكر باكر مع هالأسمر عبد الناصر، والميغ تتحدى القدر، بالبحر حنقذفهم.."».

وأردف قائلاً: «كم أعطى المكان نوراً من رؤيته، وكم أعطى الأيام حزناً من حزنه، فالصورة تتجاوز السلبيات الكبرى وتحنو على الصغرى، وتلوح من بعيد، وتلمح إلى مستقبل قريب باشر الفلاحون أيامه بوثائق التراب الضائع أو التراب الحزين. بؤس وحزن ويأس يطفح من نوافذ المجموعة، وحسبك البحث عن اللحظات السعيدة في طيات الماضي الأليم تلك القناديل الحقيقية والمجازية».

د.عبدالكريم محمد حسين

وأنهى حديثه قائلاً: «تمنيت لو أن المؤلف جعل عنوان المجموعة "نار الذاكرة" ثم تراجعتُ لأسباب متعددة منها أن في القناديل أملاً ضئيلاً يبحث أبطال العمل عنه في تلك الليالي التي أطفأ العنوان قمرها، وأسكت وصوصات النجوم فيها ليدعها من ليالي الشتاء في الجولان التي لا تعرف البرد، فحين ينزل المطر تصدر الأرض بخارها حتى إذا أخرج المرء يده بعد ساعات من نزوله لم يكد يراها، لأنه يصبح كالضباب، فالجولان بركانية، والثلج يذوب بعد وقت قصير من سقوطه إلا إذا ارتفع متراً أو دون ذلك أو فوقه.. فقد كان اختياره لفظ القناديل دالاً على جوهر رؤيته ورؤية الشخصيات في عالمه السردي التي تبحث عن الخلاص من العدو الخارجي والعدو الداخلي، وما لكل منهما من أياد وأطراف مرئية وخفية».

الكاتب والناقد "زهير جبور" يرى أن أغلب من كتب عن "الجولان" المحتل افتقد لغة المقاومة ولم يغص فيها كما يجب، وحكايات البطولات الخارقة لم تلق الاهتمام المطلوب فقال: «معظم الذين كتبوا عبروا عن مشاعر تفتقد لإتقان لغة المقاومة كما يجب أن تكون، وما عرفوها إلا من خلال عواطفهم ليحولوا "الجولان" إلى اسم متكرر في الأدب والشعر، وركز أدباء "الجولان" الذين عرفوه وولدوا على أرضه في موضوع الذكريات، والطفولة، ووصف المكان، وإثارة حماسة العودة، ومع مرور السنوات تراجع أدب "الجولان"، ولا نكاد نقرأ اليوم أو نسمع سوى القليل جداً ليصبح اسمه يذكر في المناسبات فقط، وكان له في المقابل إيجابياته في جعله مغمّساً بالدمع والحنين، ورمزاً لإنسانه الذي تمزق وقد غادره دون معرفة للاتجاه على أمل الرجوع بعد أيام لكنها طالت ومضت عليها سنون طويلة».

وتابع حديثه قائلاً: «ها هي أجيال شارفت على الشيخوخة لا تعرف عنه إلا القليل، ولم أجد فيما قرأت وحرصت أن أتابع بكل اهتمام إلا أنه كان حاضناً للعاشقين تحت ظلال أشجاره وواقعه، مشتعلاً بنيران صدمة الفاجعة التي بترت وجود سكانه، وكذلك بيوت التنك كما ورد في رواية "أيمن الحسن" عن حي "الزفتية"، ولأن الأدب وثيقة تعكس الحالة بجوهرها وليس في قشورها وهو التعبير الأقوى إذا ما ابتعد عن السقوط في مطب التأريخ، فإن انتصار الحدث يعني انتصاراً للأدب وفي هزيمته هزيمة له وقد وقعت ليصلنا أدباً مستمداً من الجسد العليل، مع ملاحظة أن الكتابة عن الحرب تتطلب حرباً، ومن دونها لا قيمة لعمل تدور الحرب من خيال الكاتب، وعليه فإن الكتابة "الجولانية" اتجهت صوب الوقوع بمطب التأريخ أكثر من الإبداع، وفي هذا ينبغي أن نستحضر شجرة "البطم" الوحيدة المتواجدة في "تل العزيزات" وقد جعلها الروائي الراحل "فارس زرزور" رمزاً أسطورياً لأنه عاشها أثناء وجوده في التل، ويمكن القول إنها عبرت عن "الجولان" أكثر مما يمكن أن تعطيه آلاف الصفحات التي لم تستطع الوصول إلى العمق».

وختم حديثه قائلاً: «وهذا يشمل روايتي "موسيقا الرقاد" التي كتبتها في وقت متأخر من النزوح وكنت فيها الشاهد على ما جرى وليس البطل، لأكتشف مع جيلي بكامله أننا انجرفنا إلى الشعارات أكثر من الأدب المطلوب، وفي "الجولان" المحتل ثمة استثناءات كان الأجدر التوقف عندها، كما هم أبطال "تل الفخار" الذين تصدوا ببطولة ورفضوا إنزال "العلم السوري" عن مبنى بلدية "القنيطرة" الواقع في ساحة "بانياس" فتعرضوا للضرب من جنود الاحتلال والإهانة والسجن».