«في الواقع القديس "لوقا" هو الإنجيليّ الوحيد الذي ذكر مكان ميلاد "المسيح" (وصَعِدَ يوسُفُ مِنَ الجَليلِ مِنْ مدينةِ النـاصِرَةِ إلى اليهوديَّةِ إلى بَيتَ لَحمَ مدينةِ داودَ، لأنَّهُ كانَ مِنْ بَيتِ داودَ وعشيرتِهِ، ليكتَتِبَ معَ مَريمَ خَطيبَتِهِ، وكانَت حُبلى...).

لم يذكر "لوقا" المغارة بل المذود، لكن التقليد المعتمد في "أورشليم" اعتبر إحدى المغائر التي كانت تستعمل كإسطبل حيوانات كمكان لولادة "المسيح" وعلى أساسه شيّدت كنيسة المهد في "بيت لحم"».

الهدف الأساسي من المغارة ليس الزينة والديكور وإنما اجتماع العائلة حولها للصلاة في زمن الميلاد

هذا ما تحدث به المطران "سابا أسبر" راعي أبرشية "جبل العرب" و"الحوران" و"الجولان" للروم الأرثوذكس عن رمز المغارة في عيد الميلاد نعرفها اليوم، فيعود الفضل في إطلاقها إلى القديس "فرنسيس الأسيزي" الّذي قام بتجسيد أول مغارة حيّة (أي فيها كائنات حيّة) في الميلاد سنة 122.

المطران "سابا أسبر"

وتابع المطران "سابا" لموقع eQunaytre: «انتشرت بعدها بسرعة عادة تشييد المغائر الرمزيّة في الكنائس وخارجها. والمغارة التقليديّة تحتوي على مجسم "يسوع المسيح" طفلاً وهو صاحب العيد، "يوسف" و"مريم" رمزا الإنسانيّة كلّها حيث الرجل والمرأة هما معاً "صورة الله ومثاله" كما ورد في سفر التكوين: (فخلَقَ اللهُ الإنسانَ على صورَتِه، على صورةِ اللهِ خلَقَ البشَرَ، ذَكَرًا وأُنثى خلَقَهُم)، مجسم الرعاة في المغارة هم يمثّلون فئة الفقراء والبسطاء لكونهم أفقر طبقات الشعب في تلك الأيام. يضاف إلى ذلك أنهم يذكّروننا أن المسيح هو الراعي الحقيقي الّذي خرجَ من نسل الملك "داود"، الملك الّذي وُلِدَ راعيا، "لبقرة" وهي رمزُ الغذاء الماديّ الّذي لا بدّ منه للإنسان، لا ليعيش من أجله وإنما ليساعده على العيش ويتمكن من خدمة الإله الحقيقي، وهذا رمزُ "البقرة" التي تقوم بتدفئة المسيح، "الحمار" وسيلة النقل البري الأساسية لدى عامّة الناس. وهو أيضاً رمز الصبر واحتمال المشقات في سبيل الإيمان وفي خدمة المخلّص، "الأغنام" وسيلة للغذاء والتدفئة وترمز بشكلٍ خاص إلى الوحدة الضرورية في جماعة المؤمنين، "الملائكة" يرمزون إلى حضور الله الفعال بين الناس على ألا تعيقه قساوة القلوب وظلمة الضمائر».

أما عن قصّة المجوس في ميلاد السيد "المسيح" فقال: «يُخبرنا القدّيس "متّى" الإنجيلي بأنّ مجوساً قد أتوا مِن المشرق إلى بيت لحم بهداية نجم رأوه في السماء، وسجدوا ليسوع وقدّموا له هدايا مِن ذهب ولبان ومرّ. فمن هم أولئك المجوس، هل كان النجم الذي قادهم نجماً عادياً أم قوّة سماويّة اتّخذت شكل نجم؟ هناك تقليدان يتناولان البحث في أصل المجوس، الأوّل شرقيّ (سريانيّ) والثّاني غربيّ. فالتقليد الشرقيّ يقول إنّ المجوس كانوا اثني عشر عالما أثوريا- كما يقول "يعقوب الرهاوي"- مِن الأشراف تبعوا النجم الذي ظهر لهم حتى بلغوا مدينة الرّها (أورفا الحالية) الواقعة في بلاد ما بين النهرين العليا حيث بلغهم أن في "فلسطين" مجاعة، فقرّ رأيهم على إرسال ثلاثة منهم فقط ليحملوا هداياهم إلى الطفل يسوع الملك، ورجع الباقون إلى حيث أتوا آسفين على عدم استطاعتهم رؤية المولود العجيب، عند السريان جدولان بأسماء الاثني عشر مجوساً بينهما بعض الاختلاف البسيط، وأكثر الأسماء في الجدولين آرامي بحت».

رسم تخيلي لصورة تمثل المجوس

أما التقليد الغربي فيقول: «إن المجوس ثلاثة أقبلوا على أغلب الاحتمال من المناطق المجاورة لمدينة "بابل"، وكانوا إمّا أمراءً أو علماءً أو كهنة يعبدون آلهة شرقية قديمة، وعلى الأغلب كانوا مِن عبدة النار نظرا إلى أن التقليدين، أي الشرقي والغربي، ينقلان لنا أسماءً آراميّة سريانيّة لهؤلاء المجوس».

وعن النجم الذي ظهر للمجوس وقادهم إلى حيث ولد السيد المسيح أضاف: «لم يكن النجم الذي رآه المجوس نجما عاديا وإنّما قوّة سماويّة (أو ملاكا) على الأرجح أظهرت نفسها على صورة نجم، وذلك استنادا على كان اتجاه مسار هذا النجم مِن الشرق إلى الغرب (من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي على وجه الدقّة)، بينما تسير جميع النجوم مِن الغرب إلى الشرق، ظهر النجم في رابعة النهار وليس في الليل، وكان أكثر تألّقًا من الشمس، ولذلك أمكن رؤيته في النهار،استمرّ النجم في الظهور والاختفاء بحسب حاجة المجوس إليه. وحين بلغ أورشليم اختفى لأنّ المجوس توقّفوا عن السفر ليسألوا الملك "هيرودس" عن مكان "يسوع". وعندما تابع المجوس رحلتهم إلى بيت لحم، ظهر لهم النجم مرّة أخرى ليرشدهم. وربّما كان اختفاء النجم مُتَعَمّدا لإجبار المجوس على التوقف والاستعلام عن مكان يسوع من اليهود لغرض الإعلان عن ميلاده. فالنجم والحالة هذه كان يعمل وفق خطّة مرسومة».

واختتم المطران "سابا": «الهدف الأساسي من المغارة ليس الزينة والديكور وإنما اجتماع العائلة حولها للصلاة في زمن الميلاد».