«فلان من الناس عينه فارغة، مهما ذكر اسم الله فإنه لا يستطيع أن يتحكم بغيرته وحسده. فالحسد في المنظور الاجتماعي جزء من الكيان البشري، يؤدي الى خبث النفس وحبها للشر، وشحها بالخير».

بحسب كلام السيد "ثائر وهبه" أستاذ التربية وعلم النفس، في حديث لموقع eQunaytra (يوم السبت 20/12/2008) والذي أضاف: «الحسد ظاهرة من ظواهر السلوك البشري المثيرة للجدل، من حيث تحديد معناها ومدى انتشارها وقوة تأثيرها. وينبغي ألا نبالغ بتأثير الحسد وكأنه أمر محتوم لا بد من حدوثه، كلما التقينا أناساً لا نتوافق معهم ولا يروقون لنا، او نروق لهم. فهناك أمور قد يتعرض لها الإنسان وتجلب له السوء، وتكون متزامنة مع ما قاله فلان من الناس. لأن طبيعة النفس البشرية طبيعة خيرة، والناس من حولنا فيهم الطيبون والأخيار، كذلك فيهم الأشرار، وبالتالي ينبغي علينا ألا نسيء الظن بأفكارهم وتصرفاتهم ووجهات نظرهم. بالنسبة للإنسان الحاسد هو إنسان غير سوي، فالإنسان محب ولا يتمنى زوال النعمة عن أخيه الإنسان، بل يفرح للناس بأفراحهم، ويتألم عندما يتألمون، لذلك يسعى الى تفهمهم ومساعدتهم، لان وجود الإنسان الخيّر ضروري لصلاح الحياة. أما الحاسد فيسعى من خلال أنانيته المفرطة، الى إلحاق الأذى والضرر بالناس، وإفساد المجتمع، فالحسد قد لا يكون مجرد تفكير سيئ، بل يتعدى الأمر ذلك الى الإساءة وارتكاب أفعال مشينة لاحقاً. وإذا نظرنا الى الحسد كظاهرة اجتماعية سلبية تؤثر على المجتمع، توجب علينا مواجهة هذه الظاهرة مواجهة شاملة، من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية، كالأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والاتصالات المختلفة. وبالتالي ينبغي أن تتضافر الجهود جميعها، من اجل محاولة خلق الشخصية السليمة للفرد بجوانبها المتعددة. سواء كان ذلك من خلال تدريب الفرد على استخدام عقله، وتنمية قدراته ومهاراته الشخصية، وإرشاده الى كيفية الاستفادة من الوقت، وغرس القيم والفضائل الأخلاقية والاجتماعية فيه، والتي تمكنه من القيام بدور فاعل في المجتمع، وتربية الفرد على حب الحق والخير للغير. وبالتالي نكون قد هيأنا البيئة الصالحة لنمو علاقات أفضل بين الناس، التي تنحى بالظواهر السلبية جانباً ويضمحل تأثيرها. وفي النتيجة أصل الحسد هو الغيرة، والغيرة هي انفعال نفسي ناشئ عن الرؤية او السمع، وهذا الانفعال قد يزيد في داخل الفرد، إذا وجد نفسه في وضع اقل من الشخص المعني او المحسود».

الحسد وفق المنظور اللغوي، هو تمني زوال الخير او نعمة ما، والغير هو المحسود

«الحسد وفق المنظور اللغوي، هو تمني زوال الخير او نعمة ما، والغير هو المحسود»، بحسب رأي السيد "إبراهيم السعيد" أستاذ اللغة العربية، مضيفاً: «شهدت مسيرة الأدب العربي، تناول الأدباء والشعراء لظاهرة الحسد بمعان مختلفة، فالشاعر"أبو تمام" يرى أن الحسد قد يظهر فضائل الشخص المحسود فيقول في احدى قصائده:

الشيخ علي كبول

"وإذا أراد الله نشر فضيلة/ طويت أتاح لها لسان حسود"

أما "ابن المعتز" فيقول:

"اصبر على مضض الحسود فان صبرك قاتله

ابراهيم السعيد

فالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تاكله"

وبشكل عام فان قساوة الحسد، شبهها الشعراء والأدباء بالنار التي تأكل الهشيم».

صالحة حمود

وفي سؤال للسيدة "ورد الشام" وهي ربة منزل، تقول: «أنا أؤمن بوجود الحسد»، مبررة ذلك بذكر موضوع الحسد في القرآن الكريم. وقد علمتها الأيام والتجارب أن الحسد موجود بين الناس، وتؤكد أنها مرت بحالات عديدة تعرضت فيها للحسد، إضافة الى أن بعض صديقاتها وجاراتها، يتحدثن لها عن حالات عديدة من الحسد وقعت لهن في حياتهن.

بدورها السيدة "وفاء صالح" أشارت الى وجود الحسد في كل زمان ومكان، «وقد حذرتنا الوالدة من الحساد كثيراً، وعلمتنا طرق ووسائل متعددة من اجل درء الحسد، ومن هذه الطرق: رش الملح في زوايا المنزل، قبل زيارة أي شخص نخشى من عينه الحاسدة، كذلك يلجأ البعض الى تعليق أحذية قديمة في زوايا مخفية من المنزل، أو على أطراف البستان أو الحديقة أو على أغصان الشجر. كذلك تعليق بيضة فارغة في سقف المنزل، أوعلى أغصان الورود والزهور».

الشيخ "علي كبول" ينظر الى الحسد من وجهة نظر دينية، «فهناك المنظور الأول الذي يعتقد، بأثر العين على إلحاق الأذى بمجرد النظر، معتمدين في تفسيرنا هذا على آيات القران الكريم، "ومن شر حاسد إذا حسد". وتحذير الرسول الكريم، من ضياع حسنات الحاسد بقوله: "إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب".

أما المنظور الثاني فهو ينضوي تحت راية الدين المتنور، الذي يعتبر أن الحسد هو عمل شرير إذا اقترن بارتكاب المكائد والأفعال السيئة. ومن هذا المنطلق يكون الحسد حراماً شرعاً، وفي الفقه فرّق العلماء بين الحسد الذي يعني تمني زوال النعمة عن الغير، وبين حسد الغيظ، ويعني تمني النعمة التي على إنسان آخر دون أن تطلب زوالها. وفي جميع الحالات فان الدين يقف ضد الحسد بكل أنواعه وتفاصيله».

«وتنشأ هنا مسألة تقترن بالحسد، وهي الأساليب والتصرفات الكيدية التي تستعين بالسحر والشعوذة والتمائم، من اجل إزالة النعمة عن الشخص المحسود، حيث يلجأ الناس الى عدة طرق لإزالة وإبطال مفعول الحسد»، بحسب رأي السيدة "صالحة حمود" وتضيف: «تعلمنا من الجدات والكبار في السن بعض الطرق والأساليب التي من شأنها إبطال مفعول الحسد، مثل تعليق بعض الآيات القرآنية على جدران البيت، خاصة تلك التي ورد فيها ذكر الحسد. إضافة الى طرق أخرى نذكر منها:

  • صب الرصاص "سكب": حيث تقوم السيدة بصهر قطعة من معدن الرصاص على النار، بوعاء من المعدن، ومن ثم سكب الرصاص السائل في إناء مملوء بالماء، يوضع فوق الشخص المحسود، فتعطي أشكالا يظن الناس أنها تشبه الشخص الحاسد، او تدل عليه، وتعاد العملية سبع مرات، يعتقد بأنها كافية لإبطال الحسد.

  • تصليب الأصابع "طقطقة": وهي عملية طقطقة لأصابع اليد، من خلال القيام بحركات تصالب للأصابع، فتصدر أصوات "طقطقة" تفسر حيرة الجن كيف سيدخل لفعل الإيذاء، فيكون المحسود قد تجنب الحسد.

  • الخرزة الزرقاء: وهي عبارة عن قطعة من الحجر الأزرق الكريم، تعلق على الصدر او في الأذنين، يعتقد بأنها تفيد لمقاومة الحسد، لما تتمتع بها الأحجار الكريمة من قوة وتأثير، فهي تجلب الرزق وتمنع العين وتدفع الأذى والضرر.

  • الدق على الخشب: وهو اعتقاد مفاده أن الجن يخرج من الخشب، لإلحاق الأذى بالشخص المحسود، وعندما ندق على قطعة من الخشب، يعود الجن إليها.

  • رش الملح: لطرد الجن او الأرواح الشريرة والحسد، من خلال وضع كميات من ملح الطعام في زوايا المنزل، او رش الملح وراء الشخص الذي نتخوف منه، عند مغادرته لمنزلنا».