عاصرت الاستقلال، وحضرت أول احتفال بعيد الجلاء عام 1946 ، وأرى أن نيسان يستحضر الأرواح ويعيد الذكريات ويلهب الخيال، ويعيد الجلاء كما يقول الشاعر الكبير شوقي البغدادي لموقع eSyria

كان ومازال إلى حدٍ بعيد عادة جميلة، حين كانت العائلات الدمشقية في 17 نيسان تستيقظ باكراً فتلبس ثياباً جديدة، وتأخذ معها أمتعةً وطعاماً، وتجري إلى ضفة بردى حيث العرض العسكري، فتجد كل سكان دمشق يسهمون في الاحتفال فإذا انتهى الاحتفال انتهوا إلى حدائق دمشق، ليحتفلوا بهذه المناسبة بطرقهم الخاصة، وتبقى العائلات خارج بيوتها حتى يجيء المساء، وأنا شخصياً - يضيف البغدادي – اتفقت مع أصدقائي أن نلبس في يوم العيد ألبسة جديدة ونوزع هدايا على أقربائنا الصغار لنشعرهم بأهمية العيد، لكن إذا تساءلنا لماذا هذه المشاركة الشعبية الواسعة في عيد الجلاء يقول شاعرنا البغدادي: لقد عشنا تحت ظل الانتداب الفرنسي قرابة ربع قرن نحلم بوطن حر- سيد نفسه، لا أجنبي على أرضه، 25 عاماً ونحن ننتظر، قامت مظاهرات وإضرابات وثورات وسقط ضحايا كثيرون دفاعاً عن حرية البلد، لذلك كان طبيعياً عندما خرج آخر جندي، وتألفت أول حكومة وطنية أن تدعو إلى احتفال جماهيري واسع، لأن الجميع شاركوا بصنع هذا الجلاء، وهذا شعور حقيقي وليس مجاملةً، وكان كل واحد يشارك بالعمل السياسي الوطني، فإما أن يكون قد شارك بالتبرعات أو بالمظاهرات أو بتقديم الأسلحة ... لذلك كان العيد عيد الجميع وفرحة الجميع، وبقينا على هذا المنوال نحتفل ونشارك سنين طويلة وما زالت هذه المشاعر حية لدينا نحن كبار السن، وعندما يسألني الآن أحفادي عن العيد أروي لهم حكاياتٍ وقصصاً عن الجلاء كأنني أروي لهم ذكرياتي الخاصة، إنه عيدي وعيد كل مواطن عربي سوري، ويجب أن يكون العيد الأول والأكبر في سورية ولكل إنسان يعيش عليها.

هذا ما باح به الشاعر الكبير شوقي البغدادي لموقع eSyria حول عيد الجلاء، خلال الاحتفالية التي أقامتها مديرية ثقافة دمشق في المركز الثقافي العربي بكفرسوسة، وقدم لها الأستاذ غسان كلاس مدير الثقافة بدمشق وتضمنت محاضرةً ألقاها الدكتور إحسان الهندي وقصائد للشاعرين البغدادي ومجيب السوسي مدير المراكز الثقافية بوزارة الثقافة، وبعض الأغاني الوطنية أداها الفنان فوزي عليوي.

موقع eSyria حضر الاحتفالية وسجل وقائعها التي بدأت بمحاضرة للدكتور إحسان هندي تحت عنوان سياسة الانتداب الفرنسي في سوريا أكد فيها أن هذه السياسة أرادت الاحتفاظ ببلاد الشرق لأسباب إستراتيجية بهدف حماية المستعمرات الفرنسية في الهند الصينية، وأخرى عاطفية حيث تعتبر فرنسا نفسها حامية للمسيحيين في الشرق منذ حروب الفرنجة وهي بعيدة كل البعد عن ذلك، ودولياً حيث قضى المجلس الأعلى للحلفاء بالمصادقة على انتداب فرنسا على سورية ولبنان، وأشار الدكتور هندي إلى انتداب عناصر أخرى متحولة ارتبطت بالظروف الدولية وتوجهات الحكومة الفرنسية ورئيسها آنذاك، وتطرق الباحث إلى فترات زمنية فاصلة في عهد الانتداب كفك الارتباط وإنهاء الانتداب منذ أوائل تموز 1943، وتسليم إدارات الدولة العامة إلى الحكومة االسوربة طيلة عام 1944، وأخيراً الشكوى التي قدمتها سورية إلى مجلس الأمن وقرار الجلاء قبل 30 نيسان 1946 وإتمامه يوم 15 نيسان والاحتفال به يوم 17 نيسان، كما ألقى الشاعر مجيب السوسي قصيدة بعنوان وقوفاً على مثواك، أهداها إلى الشيخ الثائر صالح العلي تحدث فيها عن الجلاء ومعانيه ومآثر الشهداء وأبطال الجلاء، وألقى الشاعر شوقي البغدادي قصيدة حملت عنوان نيسان يستحضر الأرواح تحدث فيها عن المعاني الساميةللجلاء وكيف يعيد الاحتفال بهذا العيد نشوة النصرويسترجع معه ذكرياته مع الأحبة، كما أن البطولات انعكست في الشعر حتى صح القول إن الشعر ديوان العرب، و القيثارة التي عزفت مجد الشهادة والشهداء فغنى الفنان فوزي عليوي في الاحتفالية أغنية عيد الجلاء تقول:

ياموطن الفدا ياقاهر العدا نحن الشباب لا يخيفنا الردى

شوقي بغدادي

مادام طارق منا وخالد الدرب واحد والهم واحد

نحمي حمى الوطن ونقهر المحن لولا دماؤنا لأظلم الزمن

فوزي عليوي

بسيف عزمنا نذلل الصعاب الفأس بيد وفي يد كتاب

نمضي إلى العمل سلاحنا الأمل من جد وافتدى إلى العلا وصل

وعن دواعي إقامة هذه الاحتفالية، قال الأستاذ غسان كلاس مدير ثقافة بدمشق لموقع eSyria قال: تحرص مديرية ثقافة دمشق أن تحتفي بهذه المناسبة العظيمة، مناسبة جلاء القوات الأجنبية عن الوطن، وتحاول أن تقدمها بشكل مختلف يليق بعظمة المناسبة، وكل الأنشطة المقدمة تأتي في إطار إلقاء الضوء على النضال السياسي والمسلح لشعبنا خلال فترة الانتداب الفرنسي، وفي إطار إبراز الدور البطولي واللحمة الوطنية والانتماء للوطن، فقد رسمت الثورات والبطولات صوراً رائعة لهذا التلاحم من أقصى الوطن لأقصاه بكافة أطيافه وشرائعه وطوائفه لأن العدو الذي يتربص بهذه الأمة هو عدو واحد مهما تعددت وجوهه، وعلينا أن نتحد ونتآزر للوقوف في وجههم والذود عن الوطن.

ويجدر ذكرأن الاحتفالية التي تقوم بها مديرية الثقافة بدمشق تتضمن أمسيات شعرية وندوات حوارية ومداخلات تاريخية وإضاءات وجدانية إضافة للجانب الموسيقي في تذكر الألحان التي كانت تحرض الثوار والتي كانت تشيع الشهداء إلى ديار الخلود.