"الجولان" ليس مجرد مكان جغرافي له رمزيته وخصوصيته في وجدان كل مواطن سوري، إنما أصبح مكاناً فنياً إبداعياً يفيض بروح الشجن العاطفي الوطني والقومي والإنساني، وصار قيثارة المبدعين والمفكرين والفنانين يعزفون عليها عوالم ذواتهم المتوهجة بماهية الحقيقة الساطعة.

ومن يتابع الأعمال الأدبية التي كتبت عن "الجولان" في مختلف الأجناس لا بدّ أن يلاحظ أن هذه الأعمال في مجملها قد تناولت "الجولان" من خلال موقعه المتميز والدور الهام الذي لعبه في عملية الصراع المستمر مع المشروع الصهيوني العنصري منذ بداياته الأولى في "فلسطين" المحتلة، حيث شكّل "الجولان" فضاءً مكانياً لمعظم الأعمال الروائية والقصصية التي تفاعلت مع معارك المواجهة وجسدت بطولات المقاتلين والشهداء الذين سقطوا على أرض "الجولان" بدءاً من حرب الإنقاذ عام 1948 وصولاً إلى حرب تشرين التحريرية وحرب الاستنزاف وتحرير "القنيطرة" في السادس والعشرين من حزيران عام 1974 وما تلا ذلك من نضال الأهل في "الجولان" المحتل وخوضهم لمعركة الهوية والانتماء والإضراب المفتوح الذي أعلنه الأهل في "الجولان" وخوض معارك المواجهة بأشكال مختلفة حتى هذه اللحظة.

بدأت القصة القصيرة السورية التي تناولت الجولان فضاءً مكانياً تؤسس نمطاً فنياً قصصياً يسمو بالنوازع الوطنية والإنسانية ويكسب الذات الفنية أنماطاً من الاستحواذ الراقي المعبر عن التوتر الداخلي المجبول بحب الأرض وتحريرها من حراب الغدر الصهيوني وعبثه في كل مكان من أمكنتها سواء كان فوق الأرض أم تحتها فضلاً عن سرقة مياهها وآثارها فالقصة القصيرة السورية طفقت تعزز في النفس حب الجولان وتنمية العواطف النبيلة نحوه بوصف هذا الحب مرتكز الفعل الحقيقي الذي يجعل التضحية بالنفس جوداً متأصلاً في الذات، فالقصة القصيرة السورية جعلت الجولان فضاءً عضوياً يجدد الرغبة في تجاوز الوهم والغفلة والدعاية الرخيصة وقد استندت إلى اللغة المفاجئة بنقل الواقع وأحداثه والتاريخ وذكرياته ما يجعلها تجدد استشراف التجربة الممزوجة بالمعاناة والتمرد والثورة والابتعاد عن الوصفة الجاهزة والمباشرة الفجة والتلفيق المصنوع

وحسب ما يروي القاص والأديب "علي حسان المزعل" من أبناء "الجولان" لموقع مدوّنة وطن "eSyria" ففي قصة "الجولان" يبدو المكان هو الذي يصنع الحدث انطلاقاً من موقعه الجغرافي الذي وضعه في قلب عملية الصراع مع المشروع الصهيوني، فكل صخرة من صخور "الجولان" لها حكايتها وكل تل من تلاله له حكايته في المقاومة، وحتى هذه اللحظة عندما تقف خلف الأسلاك الشائكة وتنظر إلى رؤوس التلال في عمق "الجولان"، ولا سيّما في ساعات المساء حين تسكب الشمس دماءها عند المغيب، تنهض في داخلك آلاف القصص والحكايات التي كان "الجولان" مسرحاً لها على امتداد سنوات الصراع، فما يزال المكان ملهماً ومحفزاً وتزداد فاعليته تحت وطأة الفقد وحلم العودة ووعي التاريخ والرغبة في صناعة الحدث كما نرغب أن يكون، وإذا كنا نلاحظ نهوض الإنتاج الروائي والقصصي الذي يتخذ من الجولان موضوعاً أساسياً له بعد حرب تشرين التحريرية عام 1973 وذلك يعود لما قدمته حرب تشرين من دفقة مفاجأة للموضوع القومي ولا سيما الحماسي والحربي وفي موضوع "الجولان" على وجه التحديد يبدو أن وتيرة الإنتاج الأدبي الروائي والقصصي قد شهدت نشاطاً ملحوظاً بعد صدور قرار الضم عام 1981 وبدء معركة الهوية والإضراب المفتوح».

"علي حسان المزعل"

ويضيف "المزعل" إن جميع القصص التي كتبت عن "الجولان" قد اختارت لأحداثها أمكنة محددة وابتعدت في معظمها عن التركيب الذهني ومحاولات التجريب التي ربما نراها في موضوعات أخرى واتسمت جميعها بالواقعية الأمر الذي أضفى عليها الكثير من الصدق والقدرة على التأثير، مثلاً تناول الدكتور "عبد السلام العجيلي" ببراعته المعهودة وواقعيته الساحرة في قصة "السيف والتابوت" حكاية استشهاد النقيب "جواد أنزور" الذي سقط دفاعاً عن تل "العزيزات" وهو من التلال الهامة في "الجولان" حيث جرت على سفوحه أعنف المعارك عام 1948، ولم يقتصر حضور المكان على تل العزيزات فقط بل تعداه إلى أرجاء مختلفة من "الجولان" كانت مسرحاً لمعارك المواجهة مع المحتل الصهيوني "جسر بنات يعقوب" تل "حنزير" "المنصورة" "القنيطرة" نهر "الشريعة"، كما تبدو في قصص "أديب نحوي" "عائدون من طبرية أيتام حزيران وسلاح الأعزل" العلاقة الوثيقة بين "الجولان" و"فلسطين" في إطار المشروع المقاوم للكيان الصهيوني وفي التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان السوري كما في الوجدان العربي وأن القتال في "الجولان" ليس إلا طريقاً لفلسطين، وفي قصص الكاتب الجولاني "نادر الفاعوري" تبدو الذاكرة البصرية حاملاً أساسياً للمكان الجولاني المفقود بكل ما يحمل من تفاصيل تؤكد أن الذاكرة الجولانية ما تزال تنبض بكل تفاصيل الجغرافية الجولانية وأثر ذلك في بناء العالم الداخلي لأبطال قصصه على نحو يؤكد أن جذوة المقاومة ستظل مشتعلة في ضمائر الجولانيين حتى يوم التحرير والعودة، وكثيرة هي الأمثل والنصوص التي تتحدث عن "الجولان" لا نستطيع ذكرها جميعها».

الدكتور "حسين جمعة" رئيس اتحاد الكتاب العرب السابق يقول: «بدأت القصة القصيرة السورية التي تناولت الجولان فضاءً مكانياً تؤسس نمطاً فنياً قصصياً يسمو بالنوازع الوطنية والإنسانية ويكسب الذات الفنية أنماطاً من الاستحواذ الراقي المعبر عن التوتر الداخلي المجبول بحب الأرض وتحريرها من حراب الغدر الصهيوني وعبثه في كل مكان من أمكنتها سواء كان فوق الأرض أم تحتها فضلاً عن سرقة مياهها وآثارها فالقصة القصيرة السورية طفقت تعزز في النفس حب الجولان وتنمية العواطف النبيلة نحوه بوصف هذا الحب مرتكز الفعل الحقيقي الذي يجعل التضحية بالنفس جوداً متأصلاً في الذات، فالقصة القصيرة السورية جعلت الجولان فضاءً عضوياً يجدد الرغبة في تجاوز الوهم والغفلة والدعاية الرخيصة وقد استندت إلى اللغة المفاجئة بنقل الواقع وأحداثه والتاريخ وذكرياته ما يجعلها تجدد استشراف التجربة الممزوجة بالمعاناة والتمرد والثورة والابتعاد عن الوصفة الجاهزة والمباشرة الفجة والتلفيق المصنوع».

الجدير ذكره أنه هناك مجموعة من القصص التي كتبت عن "الجولان" منها:

"نداء الزيتون" للقاص والأديب "فيصل محمود المفلح".

"الغياب المهزوم" للقاص "موسى أحمد المسالمة".

مجموعة قصص ("أقاصيص جولانية" ـ "يوميات جولاني" ـ "غرباً إلى الجنوب") للقاص والأديب "عصام وجوخ".

"بانوراما عن الولادة الجديدة" للأديب "أكرم الصغير".

"الطلقة لا تزال في حجرة الانفجار" للأديب "بسام الحافظ".

"المدفع الخامس" للأديب "محمد وليد الحافظ".

"مطر وأحزان وفراش ملون" الدكتور "حسن حميد".

"شجرة البطم" للقاص والأديب "فارس زرزور".

تمّ إجراء اللقاء بتاريخ 18 شباط 2021.