عُرف الجولانيون منذ القدم بممارستهم مهنة "الرعي"؛ لكون أغلبهم من العشائر البدوية، وعرفوا أيضاً بطقوسهم التي لم تتغير مع هذه المهنة، من الحليب إلى "القصاص"، إلى الذي يتحكم بالقطيع ويسير أمامه مختالاً بلباسه وأدواته الموسيقية.

الباحث "محمود مفلح البكر" المولود في قرية "شقيف" في "الجولان" المحتل، تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 1 تشرين الأول 2017، عن مهنة الرعي، وقال: «لم يصل الإنسان إلى الرعي إلا بعد أن دجّن بعض الحيوانات ونال قسطاً من الحضارة؛ لهذا يُعدّ الرعي في وقته ثورة على الواقع، وتقدماً باتجاه تكيف الإنسان مع واقعه، وتكييفه للطبيعة، وتُعدّ مهنة الرعي مهمة لكونها توفر المواد الأساسية لغذاء الإنسان وملبسه، وعليها تقوم بعض المهن والحرف اليدوية ذات العلاقة بالصوف والجلود والحليب. وعلى عكس ما هو متعارف حول الأضرار التي يلحقها الرعي الجائر للأراضي الزراعية والحراجية، هناك فوائد يجنيها الرعي لهذه الأراضي؛ إذ تضيف الحيوانات السماد الطبيعي الذي تلقيه في الأراضي التي ترعى فيها، كما تسعى في توسيع المناطق الحراجية عن طريق البذور التي تتركها في الأرض، وإن إبادة قسم من الغابة والأشجار لم يتم بسبب الرعي، وإنما لحاجة الإنسان إلى الأخشاب للوقود والبناء والحاجات المنزلية».

أعمال الراعي كثيرة تبدأ بتفقد المواشي ورعايتها وتوريدها والاهتمام بالمعاشير منها والمواليد، وكذلك أعمال الحليب و"القصاص" والوسم؛ أي كل ما له علاقة بالمواشي والمرعى الذي يذهب إليه كل صباح. أما ترتيب قطيعه أثناء الذهاب والعودة، فذلك يعود إلى "المرياع"، فيكون في المقدمة ويمشي خلفه الحمار الذي يعدّ القائد الفعلي للقطيع

وأضاف: «لأن "الجولان" ذو بيئة ريفية قريبة من المدن، والعديد من سكانه ذوو أصول بدوية؛ فقد كانوا يمارسون مهنة الرعي إضافة إلى الزراعة التي كان يمارسها باقي السكان من الفلاحين، ولقد كان لهم طقوس وعادات متوارثة، فبداية كان للرعيان في "الجولان" تسميات عديدة، منها: الرعيان الذين يمتلكون قطيعاً، وكانوا يُسمّون الرعاة الملاك؛ لأن هناك رعاة لا يملكون القطعان، بل كانوا يعملون بما كان متعارف (الفلج)؛ إذ كان يقوم صاحب القطيع بتأمين اللباس للراعي، إضافة إلى أخذه ربع المواليد الجدد من القطعان وقسماً من الصوف والشعر، وذلك ضمن اتفاق بين الراعي ومالك القطيع. وكان الراعي الذي يرعى الماشية وتبيت عنده يُسمّى "الراعي الشكار". أما الراعي الذي يحوش الأغنام إلى المرعى، فيُطلق عليه "الراعي الحوّاش". والذي يتعهد الرعي مقابل ما تنتجه يُسمّى "الراعي العدولة"، وأحياناً يكون القطيع كبيراً لا يستطيع راعٍ واحد السيطرة عليه، عندها لا بدّ من مساعد يُسمّى "الملحاق"».

وسم المواشي وتلوينها

وعن اللباس الخاص بالراعي ومنزله، أضاف: «يتسم لباس الراعي بالبساطة، فهو يعتمد تغطية الجسم من الحذاء حتى الرأس، مروراً بالثوب والعباءة أو (البشت). أما عن السكن، ففي بيت الشعر الذي كان يبنيه الراعي في الجهة التي تهب منها الريح، ليبعد الهواء البارد عن الحيوانات، وأحياناً يضطر إلى المبيت في المغارات شتاءً. كما أن الراعي كان عليه أن يحمل سلاحاً بسيطاً، ألا وهو عصا يهش بها الأغنام، إضافة إلى (شبرية) يضمها إلى جانبه ويدافع بها عن نفسه وحيواناته. وكان إذا حصل خلاف بين الراعي وصاحب القطيع، يُحل بالطرائق السلمية، وإذا تعذر التفاهم، فكانوا يلجؤون إلى قاضي الرعيان. وكان الراعي يمكث طوال وقته خارج البلدة بين أحضان الطبيعة، يتفنن في تمضية الوقت الطويل بشيء من المرح والتسلية، فكان يلجأ إلى ما هو موجود جانب سواقي الماء من قصب، ليصنع منه الآلات الموسيقية، مثل: (الشبابة، والمجوز، والآرغول)، لينفخ فيها أفراحه وأحزانه، وكان يصنع من الجلود الطبول والربابة، وكان يستعمل هذه الآلات الموسيقية في رحلة الرعي، فيغني بعض الأغاني ليطرب بها قطيعه ويبعد عن نفسه الخوف، ومنها هذه الأغنية التي كان يرددها أثناء لقائه محبوبته: "يا بنت قوّك سلام زين... يا إلي مع البوش سراحه‏... من همك عين تنام العين‏... على مواصيد وطراحه‏... يا أم الخديد على شكلين‏... تقول مطعم اراحه‏". وأخرى تقول: "يا فطيم ردّي الغنم... ردّي الغنم عيما... أبوك عمّر قصر... وفوق القصر خيمة... تمشي وتهزّ الخصر... وكلو جكر فينا"».

وعن الأعمال الملقاة على عاتق الراعي، قال: «أعمال الراعي كثيرة تبدأ بتفقد المواشي ورعايتها وتوريدها والاهتمام بالمعاشير منها والمواليد، وكذلك أعمال الحليب و"القصاص" والوسم؛ أي كل ما له علاقة بالمواشي والمرعى الذي يذهب إليه كل صباح. أما ترتيب قطيعه أثناء الذهاب والعودة، فذلك يعود إلى "المرياع"، فيكون في المقدمة ويمشي خلفه الحمار الذي يعدّ القائد الفعلي للقطيع».

الحلب

وعن تسميات الأغنام، وسبب ذلك، أضاف "محمود الشولي": «كنت من الرعاة الملاك وأمارس مهنة الرعي، وأخرج بقطيعي في الصباح الباكر أجوب السهول المجاورة لمدينة "القنيطرة". كانت تطلق على الأغنام تسميات، منها: "الطلي"، و"القحم"، و"الهرش"، وكانت تلحق التسمية الأغنام والماعز حسب لون الجسم والشعر والوجه، ولون الأرجل والذيل، وشكل الأذن والقرون، وكذلك الضرع وفتحة الحلمة، ومقدار حجم الماعز أو الغنم وصوته، وحسب الشرب أيضاً، وقد كان الراعي يقوم بوسم ماشيته بعلامة مميزة، وقد يكون الوسم جرحاً بالسكين أو النار».

أما عن قطيع الأبقار واختلافه عن الأغنام والماعز، فيقول: «قطيع الأبقار يحتاج إلى مرعى خصب وأعلاف، وهذا لا يتوفر إلا في "الجولان" لتوافر المياه في الآبار والعيون والأودية وبعض البرك لوجود غطاء نباتي، وهناك نوعان من الأبقار كانت تُربى في "الجولان"، وهما: "البطال"؛ وهي الحلوبة والعجول التي لم تبلغ سن العمل، والعاملة في الحراثة والبيدر. وكانت تُسمّى كذلك حسب لونها وقرونها وشعرها، والراعي الذي يرعاها يُدعى "العجال"، وهناك مواسم خاصة للحليب و"القصاص"، وللحليب أوعية خاصة به، منها: "العلبة"، و"القدرية"، وأوعية جلدية للخض، كـ"الشكوة، والجف، والقربة، والجود". وتقوم المرأة الجولانية بأعمال الحليب والخض وغيرها في كل صباح ومساء، وتترافق معها بعض الأغاني، مثل: "صباح الخير دايم... يا المعقدات النايم... راعيك أبو شبرية... موردك ع المية". أما "القصاص"، فموعده في أواخر فصل الربيع، يتم جزّ الأغنام والماعز صباحاً؛ إذ يجب ألا تُجزّ على الجلد، ويجب ترك 1سم أو أكثر قليلاً بعيداً عن جلدها، وهو موسم احتفالي، تُقدم فيه بعض المأكولات والحلويات، وأيضاً تُغنى فيه أغانٍ خاصة».

الباحث "محمود البكر"