للتعزية في محافظة "القنيطرة" عادات وتقاليد ما يزال أهالي المنطقة يمارسونها كنوع من أنواع الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي، حيث يتم تبادل عبارات المواساة وتقديم الطعام لأهل الميت.

تمثل دورة الحياة اليومية "الميلاد، الزواج، الوفاة" مسرحاً ولدت العادات والتقاليد الشعبية في ثنايا مناسباته، كما تعززت قوة هذه العادات في نفوس أبناء المجتمع مع تكرارها حتى غدت أنماطاً تمثل قوة وقانوناً اجتماعياً مترسخاً في النفوس يصعب الخروج والانفكاك منها، بهذه الكلمات بدأ الحاج "أحمد الفضيل" (أبو عبد الله) من قرية "جرابا" حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 أيار 2015، وأضاف: «عند وفاة أحد أفراد القرية يعلن أهل المتوفى عن ذلك، فيجتمع الناس في بيت المتوفى فور سماع الخبر للمشاركة في تشييع جنازته، وبعد الدفن يذهب الأقارب والأصدقاء إلى منزل ذويه أو الديوان أو خيمة العزاء لتقديم واجب العزاء و"الأخذ بالخاطر"، حيث يتم توافد الناس من أهل القرية والقرى المجاورة، ففي حياتنا الاجتماعية نتشارك في السراء والضراء، فيصطف المعزّون على نسق واحد وتكون التعزية بكلمات تعبر عن المواساة والمشاركة بالمصاب والحزن، ومن الأقوال التي يتبادلها المعزّون: "عظم الله أجركم"؛ ليرد أهل العزاء: "شكر الله سعيكم". و"البقاء لله"؛ ليردوا: "يسلم راسكم يا جماعة". و"البقية في حياتكم، خلف لكم طولة العمر والعمر إلكم يا جماعة"، وغيرها من العبارات والكلمات التي تدل على المواساة وضرورة تقبل حكم الله وقدره الذي لا رادّ له.

الموت قدر لا مفر منه ولا مهرب، قيل فيه الكثير من الأمثال الشعبية، منها: "الموت في شرعنا سنة ونيال يلي بموت على فراشه"، ولكن لكل تقليد مجموعة من العادات الواجب اتباعها، ومن عادات وتقاليد المشاركة في العزاء بعض التفاصيل التي يعد الخروج عنها إهانة للميت وأهله، منها إيقاف مظاهر الفرح في القرية لمدة أربعين يوماً وخاصةً إذا كان الميت شاباً، والامتناع عن الملابس الجديدة، إضافة إلى وقف مظاهر الفرح في القرية إلى وقت لاحق، وعدم صناعة الحلويات من قبل أهل الميت في الأعياد ولا تقبل المعايدة، إلا أن هذه العادات أخذت تضيق لتقتصر على عائلة الميت وأصدقائه وجيرانه

ويتابع: «وتكون مدة العزاء ثلاثة أيام يقوم خلالها الجيران والأقارب بتقديم الطعام لأهل المتوفى، وعلى مدار ثلاثة أيام يتم تقديم العزاء بعد العصر وتسمى "التمساية"، وبعد الانتهاء من واجب العزاء يعود الناس كل إلى منزله، ويتقدم أحد أهل القرية بدعوة أهل المتوفى إلى بيته لتناول الطعام، كما يؤخذ الطعام إلى بيته من أجل إطعام النساء، ويتناوب أهل القرية بدعوة أهله لعدة أيام؛ وهذه المواساة والمشاركة في العزاء تخفف من ألم المصاب وحرقة الفراق، إضافة إلى أنها من تقاليدنا وقيمنا الاجتماعية التي مازلنا نتمسك بها ونحرص على توريثها إلى الأجيال القادمة زيادةً في الأجر والثواب».

السيد محمود شرقي

وفي العزاء هناك مجموعة من العادات التي يجب أن يتبعها الصغير والكبير حفاظاً على النظام الاجتماعي الذي قد يؤدي أي خلل إلى انهياره، وعن هذه العادات يحدثنا السيد "محمود شرقي" قائلاً: «الموت قدر لا مفر منه ولا مهرب، قيل فيه الكثير من الأمثال الشعبية، منها: "الموت في شرعنا سنة ونيال يلي بموت على فراشه"، ولكن لكل تقليد مجموعة من العادات الواجب اتباعها، ومن عادات وتقاليد المشاركة في العزاء بعض التفاصيل التي يعد الخروج عنها إهانة للميت وأهله، منها إيقاف مظاهر الفرح في القرية لمدة أربعين يوماً وخاصةً إذا كان الميت شاباً، والامتناع عن الملابس الجديدة، إضافة إلى وقف مظاهر الفرح في القرية إلى وقت لاحق، وعدم صناعة الحلويات من قبل أهل الميت في الأعياد ولا تقبل المعايدة، إلا أن هذه العادات أخذت تضيق لتقتصر على عائلة الميت وأصدقائه وجيرانه».

أما الباحثة الاجتماعية "هبة معارك" فتقول: «لم يكن الأهالي قديماً يعرفون عبارة: "عظم الله أجركم" لشد أزر أهل الفقيد، حيث جرت العادة عندهم للمشاركة في العزاء أن يدخلوا إلى منزل أهل الفقيد بالنواح وتعفير الرمال على رؤوسهم، إضافة إلى قول بعض المراثي التي تسمى "التناويح" في زوجة الفقيد وأبنائه وحاملي التابوت، والجدير بالذكر أن هذه "التناويح" على اختلافها وتنوعها ليست مرتبطة بفترة زمنية أو بمرحلة تاريخية معينة، بل هي تعكس مشاعر الحزن العميق على الفقيد ومشاركة من الأقارب والجيران كرسالة حب ومؤازرة، إلا أن موروث "التناويح" لم يعد له أي وجود في طقوس العزاء؛ لأن نصوصها تحتوي على إساءة للقدر والله، وأحياناً تأخذ طابع الجزع والرفض؛ وهذا ما دفع الدين إلى تصنيفها على أنها نصوص محرمة واستبدالها بالشعائر الدينية من قرآن وخطب وأدعية للميت».

الحاج أحمد الفضيل
الرجال في خيمة العزاء