لـ"المضافة" في محافظة "القنيطرة" أهمية كبيرة لما تقدمه من أدوار مهمة اجتماعياً وإنسانياً وثقافياً؛ فهي تجمع العائلة وأهل القرية للسمر وسرد القصص والأشعار، وحل الخلافات، والحفاظ على عادات الكرم وحسن الضيافة.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 26 نيسان 2015، التقت "محمود معتوق" من قرية "البطيحة"؛ الذي حدثنا قائلاً: «تعد المضافة ظاهرة من ظواهر المجتمع، ففيها يصاغ السلوك الاجتماعي القويم الذي ينشأ عليه ابن المنطقة، كالجرأة والمواجهة وتعزيز مشاركته في المناسبات الاجتماعية، وإن كان ذلك على النطاق الضيق، فضلاً عن تعليمه أصول المجالسة ولباقة الحديث وغيرها من الصفات المستمدة من البيئة المحلية، وكما يقال "المجالس مدارس" لذلك تعد المضافة مدرسة هامة لتعليم أمور الحياة»

تعد المضافة ظاهرة من ظواهر المجتمع، ففيها يصاغ السلوك الاجتماعي القويم الذي ينشأ عليه ابن المنطقة، كالجرأة والمواجهة وتعزيز مشاركته في المناسبات الاجتماعية، وإن كان ذلك على النطاق الضيق، فضلاً عن تعليمه أصول المجالسة ولباقة الحديث وغيرها من الصفات المستمدة من البيئة المحلية، وكما يقال "المجالس مدارس" لذلك تعد المضافة مدرسة هامة لتعليم أمور الحياة

وعن العادات المتبعة في المضافة يضيف: «تكون المضافة مفتوحة ليلاً نهاراً لأهالي القرية أو العشيرة وعابري السبيل، فمهمتها الرئيسة استقبال الضيوف والقاصدين وحماية المستجير والدخيل وإيواء المحتاجين وفق التقاليد التي لا يجوز مخالفتها، منها أن يدخل الضيف برجله اليمنى بعد أن يقول السلام عليكم، وألا يُسأل الضيف عن سبب زيارته إلا بعد ثلاثة أيام يرتاح خلالها من عناء ومشقات السفر، حيث يستقبله "المعزب" بوجه حسن ويقدم له الطعام والشراب وكافة احتياجاته، مع تقديم القهوة المرة عدة مرات في اليوم على أن يتم تقديمها باليد اليمنى ويمسك مصب القهوة باليسرى إلى أن يهز الضيف فنجانه ويقول "دايمة"، كما أن للجلوس في المضافة عادات لا يمكن تجاوزها؛ حيث يجلس الضيف في صدر المضافة، ويجلس "المعزب" صاحب المضافة إلى جانبه ويدير الجلسة».

الحاج محمود معتوق

كما حدثنا المتقاعد "داوود شرقي" عن طريقة بناء المضافة بالقول: «كانت المضافات قديماً مقتصرة على بعض الوجهاء والمخاتير وشيوخ العشائر إضافة إلى المقتدرين مادياً، وقد تميزت مضافاتهم بأرضيتها الطينية ومساحتها الكبيرة لتستوعب أكبر عدد من الزائرين وكمؤشر على كرم صاحبها ومستواه الاقتصادي، إضافة إلى نوافذها المتقابلة وسقوفها العالية، وجدرانها المطلية بالطين أو الإسمنت تعلوه طبقة من الكلس الأبيض، وكانت تفرش بالبسط أو السجاد أو اللباد الصوفي الملون لتقي من البرد شتاءً، وفي وسطها منقل مصنوع من النحاس فيه حطب مشتعل دوماً وفوقه دلال القهوة العربية المرة وإلى جوارها إبريق شاي كبير الحجم مصنوع من المعدن المطلي بالقيشاني الأزرق، لتقدم للضيوف ساخنة وبالدور بدءاً من اليمين أياً كان شأن الحاضرين، أما الآن ونتيجة تطور الحياة فقد اختلفت المضافات في الشكل والمضمون، فأصبحت تبنى من البيتون المسلح وبمساحات أقل من القديمة، واستعيض عن البسط بالتنجيد لتشكل منظراً أكثر جمالاً وحضارة، إضافة إلى الأرضيات التي أصبحت من السيراميك والرخام تماشياً مع طابع الحياة الجديد».

الباحثة الاجتماعية "منتهى العيد" حدثتنا عن أهمية المضافة اجتماعياً وثقافياً بالقول: «أدت المضافات قديماً دوراً اجتماعياً مهماً، فقد قامت بوظائف اجتماعية شبيهة بوظائف المدرسة في وقتنا الحالي من خلال التواصل والتعارف بين قاصديها، والأحاديث المتداولة فيها التي تناقش شؤون العشيرة أو القرية كحل الخلافات، والاتفاق على أمور الزواج، واحتضان حفلات الزفاف ومناسبات التعازي، واستعادة الأحاديث ووقائع الماضي، فضلاً عن نشر الأخبار في عصر كانت فيه وسائل الاتصال شبه معدومة، كما أدت المضافات دوراً ثقافياً حيث تكاد لا تخلو السهرات من قصص البطولة والإقدام والكرم والشجاعة إضافة إلى الأمثال والعبر، وإلقاء القصيد مصحوباً بالعزف على الربابة».

داوود شرقي في المضافة

على الرغم من أننا اليوم نستقبل الضيوف في مضافات ذات مساحات صغيرة، فيها ديكورات وإضاءة وألوان جدران زاهية، إلا أن للمضافات القديمة سحرها الخاص، فهي لا تزال واقعاً معاشاً لدى أبناء الكثير من المناطق التي لم تمحها بهرجة المدن والتحضر.

المضافة قديماً