بمجهود ذاتي، ورغبة ملحة، وموهبة نادرة، استطاع الراحل "فؤاد بشير حموي" أستاذ الجغرافية ومعلم الطبوغرافيا أن يكون أول من يفكر بتصميم مجسّمات لمدينة "القنيطرة" و"الجولان" وجنوب "لبنان"، معبراً عن حبه وعشقه لـ"الجولان" و"القنيطرة"، تاركاً بصمة مميزة لا مثيل لها.

مدونة وطن "eSyria" التقت ابنه "بشير حموي" بتاريخ 29 أيلول 2017، الذي بدأ حديثه بالقول: «قام والدي بصناعة مجسّمات لمدينة "القنيطرة" المحررة و"الجولان" وجنوب "لبنان"، مستخدماً الخرائط الطبوغرافية ومادة الفلين في بناء طبقات المجسّم، وهذا الأمر لم يحدث سابقاً، حيث كلفه جهوداً مضنية استمرت سنتين، وخصص لصنع المجسّمات أكثر من غرفة في منزله الضيق، وحُرمنا الراحة داخل المنزل، لكننا كنا على استعداد لتقديم كل ما يلزم وتحمل الصعوبات لنجاح عمله، ولم يكن يسمح لنا أو لأحد بمساعدته؛ لأنه أراد تنفيذ المجسّمات منفرداً حفاظاً على دقة العمل».

قام والدي بصناعة مجسّمات لمدينة "القنيطرة" المحررة و"الجولان" وجنوب "لبنان"، مستخدماً الخرائط الطبوغرافية ومادة الفلين في بناء طبقات المجسّم، وهذا الأمر لم يحدث سابقاً، حيث كلفه جهوداً مضنية استمرت سنتين، وخصص لصنع المجسّمات أكثر من غرفة في منزله الضيق، وحُرمنا الراحة داخل المنزل، لكننا كنا على استعداد لتقديم كل ما يلزم وتحمل الصعوبات لنجاح عمله، ولم يكن يسمح لنا أو لأحد بمساعدته؛ لأنه أراد تنفيذ المجسّمات منفرداً حفاظاً على دقة العمل

وعن أهداف وأهمية المجسّمات التي صمّمها والده، قال: «لم يكن يسعى من وراء عمله إلى الحصول على مكافأة أو تقدير، بل ليضع الحروف ويضع النقاط عليها خدمة لمدينة عزيزة دمرت بالكامل؛ وهي مدينة "القنيطرة" المحررة، فصنع لها مجسّماً واضحاً حتى إذا ما اكتمل ظهرت المدينة كما كانت، وليكون عند زوال الاحتلال الإسرائيلي وتحرير "الجولان" وثيقة عقارية تمكّن المالك من معرفة منزله وأرضه وحيه، ولم يكتفِ بذلك، بل صنع مجسّماً لـ"الجولان" كاملاً كمحافظة مترامية الأطراف فيها سكن وسكان وكل مقومات الحياة، وحدود دولية، وبما أن "سورية" و"لبنان" توأمان أحدهما يكمل الآخر جمالاً وطبيعة لا تتجزأ، وليس بينهما فاصل، قرر أن يقدم إلى "لبنان" الشقيق مجسّمين بنفس الجهد والدقة، فنال من جنوبه وسكانه كل التقدير والإعجاب.

"بشير حموي"

ومن المعروف أن "إسرائيل" لم تكن تسمح للوفود الدولية ومنظمات حقوق الإنسان أن ترى همجيتها في تدمير "الجولان" وجنوب "لبنان" والمساحات الكبيرة والمحتلة والقرى والمزارع المدمرة بالمئات، فأتت المجسّمات المعروضة وسيلة إعلامية أغنت الوفود الداعمة للحق والحقيقة، واكتفت برؤية "الجولان" وجنوب "لبنان" ومدينة "القنيطرة" على الطبيعة، وإمكانياتها على أرض الواقع من خلال المجسّمات، فكانت وسيلة واضحة تبيّن أكاذيب إسرائيل وأطماعها، وبدلالة كافية كونها أخذت من خرائط طبوغرافية موثقة لتكون وسيلة إعلامية من وسائل الإعلام المهمة، وتختصر المواقف والمسافات، وتنهي المغالطات.

كما قدم خدمة كبيرة للطلاب؛ وهي مساطر ترسيمية هندسية قياسية وطنية زينت بخرائط لـ"سورية" والوطن العربي وبلاد الشام، وتم اعتمادها كوسيلة تعليمية من قبل وزارة التربية».

مجسمات من تصميم "فؤاد حموي"

واختتم حديثه: «أصيب والدي قبل وفاته بمرض عضال، وأصيب معه بصراع نفسي وجسدي مرهق، وهذا لم يدخل إلى قلبه اليأس، بل بقي يفكر ويعمل حتى تغلّب عليه المرض وأقعده عن الحركة، ليصارع الألم بلا دفاع أو مقاومة، وعندها صمّم على الذهاب إلى مكتب محافظ "القنيطرة"، وطلب منه أن تكون نهاية أعماله متوجة بصيانة لمجسّم "الجولان" المحفوظ في المحافظة كي لا يتراكم عليه غبار الإهمال فيفقده أهميته، وهو يعدّ هذا المجسم وسيلة إعلامية واسعة ومهمة عالمياً، وخاصة في ساحة الإعلام السوري، فاستجاب المحافظ لرغبته بكل ترحاب، ونفّذ ما أراده على أكمل وجه.

أنجز والدي خمسة مجسّمات: واحد لمدينة "القنيطرة" المحررة محفوظ في مديرية العلاقات العامة بالمحافظة عند مدخل المدينة، ومجسّمان لـ"الجولان"؛ الأول محفوظ في المتحف الحربي بـ"دمشق"، والثاني محفوظ في محافظة "القنيطرة"، ومجسّم لجنوب "لبنان" محفوظ في "بيروت"، ومجسّم لجنوب "لبنان" و"الجولان" معاً محفوظ أيضاً في "بيروت"».

تقديم شرحاً عن "القنيطرة" و"الجولان" باستخدام المسجمات

من جهته "علي الأطرش" من مديرية العلاقات العامة بمحافظة "القنيطرة"، قال: «تم وضع مجسّم لمدينة "القنيطرة" وآخر لـ"الجولان" في مديرية العلاقات العامة التابعة لمحافظة "القنيطرة" عند مدخل المدينة المحررة؛ تصميم وتنفيذ الجغرافي الجولاني المبدع "فؤاد حموي"، حيث كان يتم استقبال الوفود في محافظة "القنيطرة" في مبنى العلاقات العامة، ويُقدّم لها شرح عام مفصل عن مدينة "القنيطرة" و"الجولان" باستخدام المجسّمات التي وضحت كل المعالم من منازل وأحياء وطبيعة وكافة المقومات.

وأذكر أن رئيساً لوفد سويسري زار "القنيطرة"، وصرح قائلاً: (إن مجسّم "الجولان" أغنانا معرفة، وهو لا يقدر بثمن، ومن صنعه أبدع في الصنع). كما أن لواء من إدارة المهندسين أثنى على الصانع وأهمية هذا العمل».

الجدير بالذكر، أن الراحل "فؤاد بشير حموي" من مواليد مدينة "القنيطرة" عام 1944، درس فيها المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، وحصل على إجازة في الجغرافية ودبلوم التربية وعلم النفس من جامعة "دمشق"، عمل في مدارس تربية "القنيطرة" مدرّساً ومديراً لأكثر من ثلاثين عاماً، اشترك في حرب تشرين التحريرية وحرب الاستنزاف ضابطاً، شارك في بعض مهرجانات الطلائع المركزية، وقدّم وثائق عن "الجولان"، إضافة إلى معلومات خطية في مجلة "الطليعي"، كما أخرج أفلاماً وثائقية مهمة عن "الجولان"، وكان آخرها المشاركة في إخراج فيلم تاريخي نضالي وثائقي بعنوان: "الجولان في عيونهم"، توفي عام 2010.