صفحات رياضية كثيرة وأعمدة وزوايا مؤثرة اعتادت أن تحمل توقيعها ممزوجاً بهموم الرياضة والرياضيين، ومن كان مواظباً على قراءة مقالاتها في جريدة "الرياضية" أو ملحق "تشرين" الرياضي أو في غيرهما، فلا بد أن يكون قد وصله شيء من شجون الرياضيين وتعبهم، ومن رائحة عرقهم في الملاعب، ودموعهم في غرف تغيير الملابس، لا بد أن يشعر بأحلام وآمال كثيرة نبتت على إسمنت مدرجات العباسيين.. والفيحاء والحمدانية وابن الوليد وغيرها..

وكأنها حارس مرمى الرياضة السورية على اختلاف ألعابها، إنها الإعلامية الرياضية "مها بدر" مستشارة التحرير في جريدة "الرياضية" السورية، وواحدة من ثلاثة مدراء تحرير لملحق "تشرين" الرياضي، والتي رحلت عن هذه الدنيا بتاريخ 23 تشرين الثاني 2013، مدونة وطن eSyria نشرت لقاء معها بتاريخ 5 نيسان 2010 حيث كنا التقيناها في مقر جريدة "الرياضية" "بدمشق"، ومن بداياتها كانت بداية الحوار: «أنا من "الجولان" الحبيب من قرية "زعورة" المحتلة، بدأت بممارسة الرياضة من عمر 13 عاماً في نادي النصر الرياضي، وقد شجعني أفراد عائلتي على المضي في عالم الرياضة، إضافة لمدربي الأستاذ "بركات بشارة" الذي كان له الفضل عليّ بممارسة كرة السلة حتى أصبحت في عداد المنتخب الوطني.. ولم تكن اللعبة الوحيدة التي مارستها، فقد كنت في عداد المنتخب الوطني بكرة اليد، والأولى على محافظة "القنيطرة" بكرة الطاولة والشطرنج والجري (100-200-400 م)، ومن ثم انتقلت لملاعب من نوع مختلف.. ملاعب الصحافة الرياضية».

لا بدّ من أب روحي لأي عمل ناجح، وهنا في "الرياضية" هناك أمّ اسمها "مها بدر"، فهي تمتلك حس القيادة اللطيفة، وبها حولت العاملين في الجريدة أسرة واحدة

  • كيف ثبّتت "مها بدر" أقدامها في عالم الصحافة الرياضية؟.. وما مدى العوائق والصعوبات التي واجهتها؟
  • في مكتبها بحريدة الرياضية

    ** «بدأت العمل في الصحافة الرياضية منذ عام 1979 حتى الآن، والذي ساعدني بالاستمرار هو أنني كنت لاعبة رياضية في أكثر من لعبة وأعرف قوانين معظم الألعاب، أيضاً عملت في موقع قيادي كعضو مجلس مركزي للاتحاد الرياضي العام، وعضو في قيادة اتحاد شبيبة الثورة لفترة طويلة، وهذا يعني أنني أعرف تماماً الإمكانيات البشرية والمادية التي بين أيدينا ومطلعة على الأنظمة والقوانين، لأن أهم مسألة في العمل الإعلامي هي المعرفة لدقائق الأمور، وتأتي بعدها موهبة الكتابة التي ربما منحني الله جزءاً منها».

  • ما الفرق بين صحفي رياضي قادم من لعبة رياضية ما، وبين آخر مهتم بالرياضة فقط، دون أن يمارسها بشكل حقيقي؟
  • الإعلامية مها بدر

    ** «الفرق كبير وشاسع بين صحفي أمضى حياته في الملاعب لاعباً وعاش حياة اللاعبين وأحاسيسهم ومشاعرهم، وعانى معهم ما عانوه، وفرح معهم بلحظة الانتصار وقضى حياته في مهاجع اللاعبين يسمع أنفاسهم وقد يدخل إلى أحلامهم، وبين صحفي شاءت الأقدار أن يكتب في الرياضة وهو ليس رياضياً، ومع أنني استثني البعض الذي تعب كثيراً على نفسه وعمل كثيراً كي يدخل الرياضة بشكل احترافي ونجح نجاحاً كبيراً لأنه رفض أن يكون صحفياً لعنوان أو مقابلة لا يدخل في سراديب مهنته بشكل كامل، وقد يكون أحد هؤلاء الصحفي "مالك حمود" الذي لم يلعب كرة السلة لكنه الآن أهم الصحفيين الذين يكتبون في هذا المجال ويعتبره الكثير من اللاعبين الأب الروحي لهم».

  • ما الرؤيا الإعلامية التي تعمل "مها بدر" في ضوئها؟ وما الخصوصية التي يتمتع بها الإعلام الرياضي السوري عن غيره في البلاد المجاورة والعالم؟
  • الصحفيان غانم محمد ويونس المصري

    ** «الصدق مع الذات أولاً وعدم الكتابة في أي موضوع لا أعرف كل تفاصيله، ولا أكتب إلا بعد أن أشكل وجهة نظر قادرة على الدفاع عنها، في الوقت الذي أعترف فيه بخطئي إن أخطأت، وأعتبر من يصحح لي فكرة بأنه يساهم في زيادة معرفتي وعدم بقائي أسيرة وجهة نظر ثبت عدم صحتها، وهذا الأمر ليس بالضرورة أن أكتسبه من صحفي أو قيادي فقد يفعل ذلك مجرد قارئ يطرح وجهة نظره بمنطق وموضوعية... أما الخصوصية التي يتمتع بها الإعلام الرياضي السوري عن غيره فهي باعتقادي أن الإعلام السوري أضحى أكبر بكثير من الرياضة السورية وخاصة في الفترة القريبة الماضية».

  • هل صحيح أن انتشار جريدتكم (الرياضية) يعد انتشاراً حتمياً نابعاً من شعبية الرياضة وخاصة كرة القدم.. وليس نابعاً من رؤيا الجريدة وتميزها؟
  • ** «من الاثنين معاً فنحن لا ننكر شعبية اللعبة ولا ننكر حاجة السوق إلى العديد من الصحف الرياضية، ولكن في الوقت نفسه فإن صحيفتنا تملك أسماء هي من أهم الأسماء في الساحة الإعلامية الرياضية، وعاهدت نفسها أن تكون نبض الشارع وإن لم تصل إليه تماماً حتى الآن فهذا لأن المسألة تحتاج لزمن أكبر، كما عاهدت نفسها على المصداقية التي قد يختلف معها البعض لكنها نابعة من قرار صادق ومؤتمن عليه ولكل وجهة نظره في مسألة من المسائل تأخذها "الرياضية" كلها بعين الاعتبار إلا إذا كانت غير منطقية على الإطلاق».

  • هل تعتقدين أن الواقع الرياضي المتراجع يساعد الإعلام الرياضي على النجاح والانتشار أكثر من الواقع الرياضي الناجح؟
  • ** «لا طبعاً.. ونحن عشنا هذه المسألة تماماً، فعندما يكون الواقع متردياً يحجم الناس عن المتابعة، كما الفريق الذي يخسر ويحجم جمهوره عن الحضور في الملاعب، والواقع الرياضي الجيد ينعش العمل في كل مكان وخاصة الإعلام الذي هو المرآة الحقيقية له في كل الأحوال».

  • أين تكمن البصمة الحقيقية للإعلامية "مها بدر" في الإعلام الرياضي السوري؟ وهل هناك قفزات أو مراحل مررت بها؟
  • ** «البصمة الحقيقية لا أحددها أنا إنما الذين يتابعون كتاباتي وعملي، وأرجو أن أكون فعلاً قد بصمت ولا أقول هذا الكلام من باب التواضع ولكنها حقيقة مشاعري، لأنني أساساً أخاف القارئ وأترقب وجهة نظره بشكل دائم.. وما أعتبره مراحل في حياتي أو نقاط علام هي ترؤسي للقسم الرياضي في جريدة "تشرين" بداية الثمانينيات وتأسيس جريدة "الاتحاد" ضمن المجموعة التي ترأسها المرحوم الإعلامي الكبير "عدنان بوظو"، وقيامي مع مجموعة من الإعلاميين القديرين بإصدار صحيفة "الرياضية" ومن ثم ملحق "تشرين" الرياضي».

  • كيف تفسرين ترؤسك لجريدتين متنافستين (الرياضية- وملحق تشرين)؟ ألا تخشين أن تفقد الأولى قراءها بعد فترة، خاصة إذا ما أخذنا سعر الجريدتين بعين الاعتبار؟
  • ** «عملي الأساسي في صحيفة "تشرين" فهي الحاضن الأساسي لي وما ستطلبه مني سأفعله، ولكن لا أعتقد أن نجاح صحيفة يؤثر على الأخرى لأن الشارع الرياضي يحتاج إلى عدد أكبر من الصحف والمجلات الرياضية وهي تؤدي حتماً إلى منافسة لصالح القارئ.. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن ملحق "تشرين" الرياضي غير متخصص بالخبر، لأن تشرين اليومي هو الذي يقوم بهذه المهمة، لذلك حتى الآن ليست هناك أية مشكلة على الإطلاق، بل العكس أدى ذلك إلى تنافس سيطور الصحيفتين بالتأكيد».

  • كيف تقرأ "مها بدر" حاضر الرياضة السورية؟ وهل هناك فسحة للتفاؤل ترينها في المستقبل القريب؟
  • ** «بصراحة لست متفائلة بحاضر الرياضة السورية لأن المشكلة فيها ليست بتغيير الأسماء فقط، إنما بالمنظومة بشكل عام، وإن لم تتحدد هوية المنظومة ومستلزماتها في ظل الاحتراف، وإن لم تتحدد المسؤوليات والصلاحيات لكل الجهات المعنية بالرياضة فإنه لا أمل يرتجى في ظل منظومة كهذه، ويأتي التفاؤل فقط بأننا نسمع أن ثمة تغييرات جوهرية ستحصل في القادمات من الأيام ونتمنى ألا تطول».

  • هناك من يراك امرأة حازمة وصارمة إلى درجة أطلق عليك لقب "المرأة الحديدية"، ما رأيك؟.
  • ** «بصراحة لم أسمع بهذا اللقب من قبل، ولا أجد أنني صارمة لأنني مؤمنة أن العمل الإعلامي عمل جماعي، ولكن ربما أكون قادرة على تنظيم العمل واستيعاب العاملين فيه، وأحاول أن أصحح الخطأ قبل وقوعه وإن وقع أحاول معالجته بطريقة مرنة كي لا يتأثر مجمل العمل به، وإن لم ينجح كل ذلك فلابد من قرار يعيد الأمور إلى نصابها السليم ولا أخجل من الاعتذار إن لم أوفق، وبات غالبية من أعمل معهم يعرفون ذلك تماماً، لذا فنحن في "الرياضية" فعلاً وليس قولاً فقط أسرة واحدة، قد يشذ أحدنا عن القاعدة وهذا وارد حتى في الأسر العادية».

    ومن هذه النقطة بالتحديد انطلق سؤالنا حول ما تتمتع به السيدة "مها بدر" من صفات تجعلها قادرة على إدارة فريق إعلامي رياضي، والوصول به إلى بر النجاح، وأتتنا الإجابة ممن خبروا خطواتها وشخصيتها وكان أولهم الأستاذ "غانم محمد" محرر في "الرياضية" حيث قال: «أعتقد أن سر نجاح "مها بدر" هو قدرتها على احتواء جميع من يعملون معها، وحسن إدارتها للمتناقضات وتباينات الآراء بهدوء وروية وبشكل يحقق مصلحة الفريق، كما أنها لا تعمل لمرحلة محددة ومحدودة وبرهاني على ذلك هو التحدي الذي واجهته في الأعداد الأولى من "الرياضية" حيث راهن الكثيرون على فشلها وعدم استمراريتها، ولكنها استمرت رغم كل الصعوبات».

    الصحفي "يونس المصري" قال: «لا بدّ من أب روحي لأي عمل ناجح، وهنا في "الرياضية" هناك أمّ اسمها "مها بدر"، فهي تمتلك حس القيادة اللطيفة، وبها حولت العاملين في الجريدة أسرة واحدة».

    وهذا ما أكده "غيث حرفوش" محرر في "الرياضية" وأضاف: «نادراً ما تجد مديرك في العمل مستمعاً جيداً لكل مشاكلك حتى الشخصية منها، وهذا ما نعيشه مع الإعلامية "مها بدر" وهي صاحبة شخصية مرحة جداً، ولكن أثناء العمل لا مجال للتهاون والعبث، بصراحة إنها تملك شخصية قيادية لا تستطيع سوى أن تهابها».

    من الجدير بالذكر أن الإعلامية "مها بدر" نالت عدة جوائز: منها في مهرجان الشباب العربي في ليبيا عام 1975 وجائزة الصحفيين العرب في القاهرة عام 2008، وتكريم من الاتحاد العربي للصحافة الرياضية في الأردن عام 2007 كأول رئيسة تحرير لصحيفة رياضية في الوطن العربي، إضافة لتكريمها على المستوى المحلي في العديد من المناسبات.. وهي مشجعة لنادي "ريال مدريد" الإسباني ولكنها تحترم ما يقدمه "برشلونة" في السنوات الأخيرة، وعاشقة للسيليساو البرازيلي منتخب السامبا.. أما على الصعيد العائلي فهي أم لابنتين "لارا" تحمل إجازة في الأدب الانكليزي، و"راميا" مهندسة كمبيوتر وتدرس الإعلام حالياً.

    وافتها المنية بتاريخ 23 تشرين الثاني 2013 عن عمر يناهز 57 عاماً