لم يمت فهو مازال بينهم، لأن الشهيد لا يموت فذكراه تظل حاضرة طالما عجلة الحياة تدور. ولأن الحياة والأمل يبقى دائماً لأن الطفولة موجودة، كان لوجود ابنه "مجد" ذلك الطفل الذي تربى في عائلة والده الشهيد "أحمد حمود" والذي غدا اليوم طبيبا اختصاصيا في طب العيون، دور في التأكيد "أن من خلف لم يمت" فهو نسخة أصيلة من والده الهادئ الشجاع.

تقول السيدة "صالحة حمود" "أم هايل" والدة الشهيد لمدونة وطن "esyria": «في العام 1974 احتلت قريتنا "حرفا" لمدة تجاوزت تسعة أشهر ذقنا فيها كل أنواع العذاب والقهر من جيش العدو وأعماله المخزية، أقلها أنه فرّق بين العائلات وأصبح الولد لا يستطيع رؤية أهله، وأتذكر جيداً كيف تشتتت عائلتي بين القرية ومدينة دمشق، وكنا نضطر إلى المشي تحت جنح الظلام لنتمكن من رؤية أحد الأولاد في قرية "المقروصة" التي تبعد عن قريتنا مسافة 5 كم، وعندما عرف العدو بذلك عاقبنا وحاصر البلد من كل الجهات.

لا أحد يصدق فرحتنا عندما دخل جيشنا العربي السوري إلى القرية، عندها خرج أهالي القرية رجالاً ونساءً وأطفالاً يستقبلون الجنود الأبطال على الرغم من أن الحرب لم تنته بعد، استقبلوا الجنود برش الأرز وبالزغاريد وبحلقات الدبكة، إنها لحظات تاريخية محفورة بالذاكرة لا يمكن للسنين أن تمحوها من عقولنا وذاكرتنا

كان ابني “أحمد” يخدم في إحدى القطعات العسكرية على خط الجبهة الأول التي هاجمت العدو الإسرائيلي من جهة "سحم" الجولان، وكان له شرف الاستشهاد على تراب جولاننا الغالي على قلوبنا جميعاً، فرِحت عندما سمعت بأن الكتيبة التي يخدم فيها “أحمد” هي أول طلائع الجيش السوري التي دخلت أرض الجولان، لأن الشهداء والأبطال يكون موقعهم في المقدمة دائماً، واستشهد “أحمد” دفاعاً عن الوطن وفي سبيل تحرير الأرض ومنها قريتنا التي تحررت بفضل بطولات جيشنا وتضحيات الشهداء، ولم أعرف بخبر استشهاد ابني إلا بعد انتهاء الحرب، لم أحزن لأن الشهيد أبو مجد زف عريساً وشهيداً للحرية، ولتبقى أرضنا شامخة، وحراماً على أعدائنا».

صالحة حمود- والدة الشهيد

وتضيف والدة الشهيد بالقول: «لا أحد يصدق فرحتنا عندما دخل جيشنا العربي السوري إلى القرية، عندها خرج أهالي القرية رجالاً ونساءً وأطفالاً يستقبلون الجنود الأبطال على الرغم من أن الحرب لم تنته بعد، استقبلوا الجنود برش الأرز وبالزغاريد وبحلقات الدبكة، إنها لحظات تاريخية محفورة بالذاكرة لا يمكن للسنين أن تمحوها من عقولنا وذاكرتنا».

"نزيهة حمود" أخت الشهيد تتذكر شقيقها قائلة: «الله يرحم التراب إلي ضمو"، أخي “أحمد” شهيد الواجب والوطن مثله مثل الكثيرين من شهداء سورية الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل عزة الوطن وكرامته "ليش في أجمل من أنو يموت الإنسان وهوي يدافع عن أهلو وأرضو"، أخي “أحمد” استشهد في حرب تشرين التحريرية، ولكنه ما يزال حيا بيننا وذكراه لا تفارقنا في سهراتنا وجلساتنا، وأمي دائمة الحديث عنه وعن أخلاقه الكريمة وخاصة عندما يأتي ابن أخي الدكتور مجد لزيارتنا فتجد والدتي تنظر إليه وكأنها ترى في وجهه وجه والده لأنه كثير الشبه بأبيه وحنون مثله، واليوم يكنى بـ "أبو “أحمد”".

نزيهة حمود- أخت الشهيد

بدوره عبر "مشاري حمود" شقيق الشهيد عن شعوره بالفخر لاستشهاد أخيه، قائلاً: «سميت ابني البكر “أحمد” على اسم عمه الشهيد البطل الذي قاتل الأعداء ببسالة واستشهد في المواجهات الأولى التي دارت بين جيشنا الباسل وبين جيش العدو الإسرائيلي المحتل لأرضنا، الجولان لنا ونحن مستعدون للتضحية من أجل تحرير كل ذرة من ترابه الغالي ولأننا من أبناء الجولان لا نرضى إلا أن نكون في الصفوف الأولى وفي الخندق الأول من الجبهة التي لا تبعد سوى بضعة أمتار عن قريتنا التي قدمت الشهداء وحارب فيها الأهالي إلى جانب جيشنا في حرب تشرين التحريرية، وأتذكر كيف كانت تتهاوى طائرات العدو على مقربة من بيوت القرية، كنا نراها تحترق وتسقط على الأرض كتلة من حديد ورماد».