لم يكن "الجولان" غائباً عن فكر الراحل "جورج عيسى" الذي ترعرع في كنف بيئة مثقفة تملك شغف العلم وحب المعرفة، فبات مولعاً بالقراءة والبحث عن التاريخ والأدب والفلسفة والآثار، وقضايا الشعر وتحقيق المخطوطات التي كان جزء كبير منها عن أرضه المحتلة.

"هاجم حجير" ابن "الجولان" ـ قرية "خسفين" صديق الراحل "جورج عيسى" تحدث لمدوّنةِ وطن "eSyria" بتاريخ 1 أيار 2020 عنه فقال: «صقلت طبيعة "الجولان" الساحرة فكره بطابع مختلف عن أقرانه حيث تلقى تعليمه في بداية حياته في مدارس "القنيطرة"، وكان مثالاً للطالب المجد، وينظر إلى العالم والبيئة المحيطة نظرة المتفحص العارف لكل جزئية من جزئيات الحياة، لأنه أدرك أن العالم بحدّ ذاته عبارة عن حالة جمع عملاقة، وكان يتكلم عن واجب ترك الأثر المناسب في الحياة الثقافية لأنه يؤمن بأن الثقافة رسالة يجب أن نؤديها بأمانة مطلقة، والحياة الثقافية ضفاف ومشارب متعددة، تتجلى في الرواسب المعرفية وتراكمها، فنحن البشر نؤلف تقاطع طرق لجميع الحركات الثقافية التي تنطلق من محطة العمق إلى الجمع والفرز والتحليل والتدوين والتحقيق، والثقافة هي حياة الشعوب كلها، إذ كان الراحل "جورج عيسى" يتحدث عن هذه القضايا بلغة فلسفية رحبة بعيدة كل البعد عن التعقيد والتقعير، كونه درس العلوم الفلسفية وهي بوابة العلم.

لعل آثار "الجولان" كانت هدفه الأساسي لأنه شعر بالخطر الداهم الذي يهدد بنية التراث المادي ولا سيّما بعد عدوان "حزيران" للعام 1967، واحتلال العدو الصهيوني لمرتفعات "الجولان"، وقد عمل بشكل ميداني على دراسة الآثار الجولانية الموجودة في متحف "دمشق"، وحلل رموزها وفندها، كما قام بتوثيق بعض الأماكن الأثرية الموجودة في الأماكن المحررة، ودرس واقعها وحللها بشيء من الدقة والحرص، كما أفرد بعض الأبحاث المهمة لمواقع الآثار السورية في الجانب المحتل، وكيف تقوم سلطة الاحتلال الإسرائيلي بتشويه وتزوير هذه الآثار من خلال خلق واقع جديد لها، ووضع بعض الرموز والإشارات التي تشير إلى تاريخها المزيف، بالإضافة إلى المحاولات المستميتة لتسجيل بعض هذه الآثار والمواقع الأثرية من خلال سعيه مع المنظمات الدولية التي ترعى الشؤون الثقافية، وكذلك من خلال إصدار بعض الطوابع البريدية التي تحمل في مفرداتها بعض الأماكن الأثرية

عمل مدرساً في مدارس محافظة "القنيطرة"، وكان يخرج عن المنهاج أحياناً ليحدث طلابه عن "الجولان" جغرافياً وتاريخياً وآثاراً بأسلوب فلسفي مشوق، كان موسوعة متنقلة يعمل بصمت دون ضجيج، ولديه مكتبة ضخمة ومتنوعة في منزله.

"هاجم حجير"

طاف في عمله بين المصادر والمراجع كما يطوف بين الرسوم والنقوش الموجودة على الآثار، ليقوم بتحليل مفرداتها، وكان دائماً يقول: (الحياة تدفعنا إلى الطواف في حقول المعرفة، ثم تدفعنا أيضاً إلى الطواف في ذواتنا، وإن ذواتنا نفسها تطوف فينا).

لهذا كانت الذات عند "جورج عيسى" متغيرة أبداً فهي تجوب الآفاق، وتعتلي سطوح المعرفة، ونحن نكتب لأننا ندرك ما نكتب من علوم، فالمرء متباين على أي حال باعتباره إنساناً، ولكنه بالنهاية يحتاج إلى توجيهات كي يسمو فيما يكتب وينقد ويحلل ويحقق، ولعل هذه الجوانب كلها دفعت "جورج عيسى" إلى التفكير في قضايا مهمة، وهو الباحث والمحقق في جوانب التراث الثقافي بشقيه المادي الملموس وغير المادي غير الملموس».

"جورج عيسى عيسى"

وأضاف: «لعل آثار "الجولان" كانت هدفه الأساسي لأنه شعر بالخطر الداهم الذي يهدد بنية التراث المادي ولا سيّما بعد عدوان "حزيران" للعام 1967، واحتلال العدو الصهيوني لمرتفعات "الجولان"، وقد عمل بشكل ميداني على دراسة الآثار الجولانية الموجودة في متحف "دمشق"، وحلل رموزها وفندها، كما قام بتوثيق بعض الأماكن الأثرية الموجودة في الأماكن المحررة، ودرس واقعها وحللها بشيء من الدقة والحرص، كما أفرد بعض الأبحاث المهمة لمواقع الآثار السورية في الجانب المحتل، وكيف تقوم سلطة الاحتلال الإسرائيلي بتشويه وتزوير هذه الآثار من خلال خلق واقع جديد لها، ووضع بعض الرموز والإشارات التي تشير إلى تاريخها المزيف، بالإضافة إلى المحاولات المستميتة لتسجيل بعض هذه الآثار والمواقع الأثرية من خلال سعيه مع المنظمات الدولية التي ترعى الشؤون الثقافية، وكذلك من خلال إصدار بعض الطوابع البريدية التي تحمل في مفرداتها بعض الأماكن الأثرية».

"محمد فياض الفياض" الباحث في التراث الشعبي وابن "الجولان" يقول: «"جورج عيسى" قامة ثقافية تركت بصماتها في الحقل الثقافي السوري، ومن أعماله المطبوعة والمهمة كتاب بعنوان "شيخ المصورين العرب يحيى بن محمود الواسطي"، طبع في "بيروت" عام 1996، و"الواسطي" كان أحد أهم الفنانين المصورين الذي عرفتهم الحضارة العربية، ومن أفضل فناني العرب قدرة على التعبير كمصور وملون ورسام منمنات. بالإضافة إلى كتاب بعنوان "الآثار والمواقع الأثرية في الجولان"، صدر عام 2012 عن اتحاد الكتاب العرب ضمن سلسلة الدراسات، وهو من القطع الكبير ويقع في 227 صفحة، وقد بين في هذا الكتاب أنه أتت إلى "سورية" في العصر الحديث ولأول مرة بعثات أجنبية فرنسية وإنكليزية وألمانية بغية التنقيب في بعض المواقع الأثرية وذلك في أواخر القرن التاسع عشر كان منها ذلك المسح الأثري لمنطقة "الجولان" الذي قام به المهندس الألماني "غوتليب شوماخر" لصالح الجمعية الألمانية لاستكشاف الأرض المقدسة عام 1883.

كتابه "الآثار والمواقع الأثرية في الجولان"

ولديه العديد من الأبحاث في مجال الشعر والأدب والثقافة والفلسفة والتحقيق والآثار، ويعد من أهم المراجع الأثرية المتعلق بـ "الجولان"».

الجدير بالذكر أن "جورج عيسى عيسى" من مواليد "القنيطرة" عام 1935، حصل على الإجازة في الآداب والعلوم الإنسانية – قسم الفلسفة ودبلوم التربية العامة، وتوفي عام 2012.