يعتمد العامل الاقتصادي على عنصرين أساسين هما الموارد الطبيعية والمواد البشرية والتفاعل بين هذين العنصرين هو السبب المباشر في التطور الاقتصادي أي إعطاء القدرات الاقتصادية الكامنة دفعاً جديداً، و"الجولان" بحكم تكوينه الجغرافي والجيولوجي وندرة المعادن وصناعته المتواضعة أضفى على اقتصاده الطابع الزراعي الرعوي من جانب ومن جانب آخر الطابع التجاري.

يقول الأستاذ "محمد فياض الفياض" أمين تحرير مجلة "الحرفيون" التي تصدر عن الاتحاد العام للجمعيات الحرفية وهو ابن قرية "سكوفيا" في الجولان المحتل لموقع eQunaytra: «الحرفة والصناعة هما مصدر الكسب التي يجيدها الشخص من تجارة أو زراعة أو عمل يدوي معين سواء أكان صناعة أم خدمات أخرى كالحمالة أو السقاية، وقد يدخل فيها الأعمال كتعليم القراءة أو احتراف الطب أو غير ذلك مما يختص الشخص بصنعه ويدر عليه المال، حيث إن "الجولان" يفتقر إلى الثروات الباطنية باستثناء المياه الحارة والكبريتية "بعين النقيب" وعيون "الحمة" الأربع وكذلك أحجار ومواد البناء الطبيعية، وتكاد ثرواته الطبيعية تقتصر على مياهه وتربته ومناخه واستثمارها من قبل سكانه لذا قام اقتصاد "الجولان" على الزراعة وتربية الحيوانات بالدرجة الأولى وكانت نسبة العاملين فيهما عالية تصل إلى 63% من مجموع السكان العاملين، لكن الأراضي المزروعة فعلاً لم تكن تتجاوز /40/ ألف هكتار من أصل /107150/ هكتاراً صالحة للزراعة، بالإضافة إلى / 17500/ هكتار من المراعي، والزراعة بعلية باستثناء /2147/ هكتاراً مروية، وتحتل زراعة الحبوب المركز الأول في قائمة المحاصيل الزراعية.

كنا نقوم بطحن الحبوب وحفظها وصنع الخبز عن طريق الصاج وغرف الطين القديمة المعروفة بالتنور، وتجفيف بعض المنتجات الزراعية الثمرية كالتين والعنب والمشمش وكانت بعض النساء في الجولان يعملن على تطريز الثياب يدوياً وتحضير الأقمشة التزينية، حيث كان بعضهن يسوق منتجاته محلياً، لتساهم في زيادة الدخل الاقتصادي للمنزل بجانب الرجل

كما ينتج "الجولان" الذرة والقطن والخضر المختلفة أهمها البواكير التي تزرع في الأنحاء الدافئة في منطقة "البطيحة" وفي القرى القريبة من بحيرة "طبرية" وتدر زراعتها أرباحاً مجزية، وتنتشر في "الجولان" زراعة الأشجار المثمرة أهمها الكرمة والتفاح والكرز في الأنحاء الشرقية، ثم الزيتون وكذلك الحمضيات والموز في الأنحاء الغربية والجنوبية الدافئة».

الأستاذ "محمد فياض الفياض"

وتابع "الفياض" حديثه في نفس السياق بالقول: «وقد اشتهر "الجولان" بتربية الأغنام والأبقار وحيوانات العمل التي تراجعت أعدادها بعد دخول الآلة إليه، كما ازدهرت فيه تربية الدواجن والنحل، بالإضافة إلى حرفة صيد السمك من بحيرة "طبرية"، أما الصناعات فهي قليلة مقارنة مع المحافظات الأخرى، وتشمل صناعة مواد البناء والطحن وتصليح الآليات، بالإضافة إلى صناعات غذائية يدوية مثل عصر الزيتون والعنب وصناعة الألبان وصنع السجاد والبسط والألبسة الصوفية المحلية، كذلك اقتصرت التجارة على تبادل محدود للمنتجات الزراعية محلياً، وكان مربو المواشي يصدرون العجول إلى فلسطين».

أما عن الحرف المتوافرة في "الجولان" فيقول "الفياض": «ومن الحرف التي كانت متأصلة في "الجولان" الصناعات الحرفية الخاصة بالقطاع أو النشاط الزراعي، إذ امتلك الإنسان الجولاني رؤيته الخاصة للطبيعة وتكيف معها، وقد امتلك تدريجياً أدواته التي سهلت عمله ووفرت له الوقت، كما ساعدته في إنجاز أعمال مضاعفة، ومن أهم تلك الأدوات المستعملة ما يتعلق منها بالعمل الزراعي، وقد أسهمت المرأة إلى جانب الرجل في تطوير العمل، وقد ابتكر الإنسان في هذه المنطقة أدوات مكنته من التعامل مع أرضه وبذر الحبوب، فصنع النير والسكة الخشبية والحديدية وعود الفلاحة والأدوات الأخرى الخاصة والتي مازال الفلاح التقليدي يستعملها، لقد صنع الإنسان القديم كل ما يمكن أن يساعده في تسهيل عمله، فقام بصناعة النورج الذي بواسطته يتم دراسة الحبوب وكان إلى جانب ذلك أن صنع آلة لتفريق السنابل المدروسة عن غيرها كما صنع المذراة التي بواسطتها يتم فصل الحبوب عن التبن ومن ثم صنع المكاييل وغير ذلك من آلات كانت قد استعملت في العمل الزراعي.

"الشاعوب"

كما أبدع الإنسان في "الجولان" في ابتكار وصناعة الآلات التي يحتاجها في منزله وقد تفنن في ذلك ومنها على سبيل المثال لا الحصر المقاعد الخشبية- الكراسي- هودج العروس- المحمل الذي يستعمل لنقل الأموات إلى أماكن الدفن- بعض الخزن الخشبية التي توضع بها الأدوات المنزلية- وكذلك الأبواب والشبابيك والصناديق الخشبية- والجرن بشكليه الحجري والخشبي.

كذلك كان هناك عدد من الحدادين يصنعون سكك المحاريث، والمناجل، والأقفال، وبضع محلات لتصليح الساعات والأجهزة الكهربائية، وبضعة نجارين لنجارة الجدران ومشارب الماء، وكذلك بعض الحرفيين الذين يهتمون بغزل ونسج شعر الماعز لصنع مختلف أجزاء الخيمة، وكذلك الذين يعملون اللباد للبدو /اللبابيدية/ وكذلك الذين يعملون في دباغة الجلود ويصنعون الفراء /فرواتيه/ ومنهم أيضاً من كان يعمل في خياطة الملابس وصنع الأحذية وخاصة أحذية القرويين البدو والتي يصنع نعلها من إطارات السيارات القديمة، هذه الصناعات التي صنعها الإنسان عبر رحلته الزمنية الطويلة كان قد عبر بواسطتها عن رؤيته الفنية وعن كيفية علاقاته مع الطبيعة، وكيف استغل تلك العلاقة لتسهيل وتيسير حياته ولتأمين حاجياته وطرق معيشته».

المطرزات في الجولان

وذكر "الفياض": «لقد كان لهذه الأشكال الحرفية دور أساسي في حياة الإنسان، صحيح أن الفن كان بسيطاً بساطة خبرة صانع هذه الحاجات، إلا أن هذه الصناعات ذاتها قد شكلت القاعدة الأساسية لكل الأعمال الفنية المجردة الأخرى، خاصة أن مفهوم الصناعة في الماضي كان ذاته ينطبق على مفهوم الحرفة ويقترن بها، ومنها الحرف الفنية التي يقترب مفهومها مما نطلق عليه اليوم التربية الفنية أو الأشكال الفنية».

السيد "علي الصالح" من أبناء "الجولان" يقول: «الجولان منطقة زراعية بامتياز لذلك كان أغلب سكان الجولان يعملون في الزراعية وتربية الحيوانات، بالإضافة إلى تجارة المنتجات الزراعية والحيوانية، حيث كان اهتمام الإنسان في الجولان صنع وابتكار كل ما يلزم ليساعده في انجاز عمله في الأرض والزراعة، فكنا نصنع الشاعوب الذي يساعدنا في مواسم الحصاد، وقمنا بصنع السكك الخشبية للحراثة على الحمار وكل ما نحتاجه».

السيدة "نعمة الأحمد" من أبناء "الجولان" تقول عن عمل نساء "الجولان": «كنا نقوم بطحن الحبوب وحفظها وصنع الخبز عن طريق الصاج وغرف الطين القديمة المعروفة بالتنور، وتجفيف بعض المنتجات الزراعية الثمرية كالتين والعنب والمشمش وكانت بعض النساء في الجولان يعملن على تطريز الثياب يدوياً وتحضير الأقمشة التزينية، حيث كان بعضهن يسوق منتجاته محلياً، لتساهم في زيادة الدخل الاقتصادي للمنزل بجانب الرجل».