شغفه بالخط العربي، وولعه بفن التصوير الضوئي، جعلاه يبدع بأعمال فنية متميزة جمعت بين عدسته وريشته، ليقدم لوحات حروفية مشغولة بحرفية عالية وممزوجة بتدرجات وألوان الطيف، وحصد من خلالها جوائز عدة؛ وهو ما مكّنه من نقل خبرته وتجربته إلى الأجيال بكل محبة.

«الفن هو الرسم والدقة في التعبير بحروفيات الخط العربي، والخط مخلوق له روح وطاقة كامنة لا يدرك سرّها إلا عاشقه»، هذا ما بدأ به حديثه الفنان والمصور "محمد جلال شيخو" عندما التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 11 شباط 2018، وعن بدايته مع هذا الفن يقول: «حبي للفن ولد في داخلي موهبة أحببت تنميتها، وخصوصاً أنني منذ الصغر كنت متابعاً لأعمال الفنان "ممتاز البحرة"، التي كانت تنشر في مجلة "أسامة" وغيرها، وتأثرت بها كثيراً، وكانت بداياتي بالرسم، فشاركت بعمر 12 عاماً بمسابقة للرسم في جمهورية "الصين الشعبية"، وحصلت على جائزة فيها، كما استهوتني اللافتات التي كانت تعلّق في شوارع الحارة التي كنت أسكن فيها، وخصوصاً أنها كانت تكتب بالخط اليدوي بمادة الدهان على أقمشة بيضاء، وكنت أجلس ساعات طويلة لأمتع نظري بسحر الحرف وليونته، وأراقب الخطاطين بكل شغف لأتعلم من فنهم الراقي، لدرجة أنني بدأت تقليدهم، فأحضرت ملقط الغسيل وقمت بوضعه في المحبرة، وبدأت رسم الحروف بطريقة بسيطة على أوراق دفاتر المدرسة. وفي السبعينات، تعرفت إلى الخطاط "أحمد المفتي"، الذي قدم لي الكثير من معرفته وثقافته، وأغنى تجربتي بهذا المجال، وقد أهداني أيضاً أدوات الخطاط في ذلك الوقت (كالقصبة التي يكتب بها، ومحبرة صغيرة، وحرير)، إضافة إلى أنني اطلعت على كراس الخطاط "هاشم البغدادي"، الذي كان مرجعاً مهماً لمعظم الخطاطين العرب، واطلعت على تجارب المدرسة الإيرانية بخطها (النستعليق)، والتركية بخطوطها (الديواني، والرقعة، والثلث، والجلي الديواني، والإجازة)؛ وهو ما مكنني من إتقانها وإضافة اللمسات الجمالية إليها، وخصوصاً أن الخط العربي يمتلك روحاً سامية تحلق في ملكوت الكون لتبدع شذرات بصرية، وتنشر عبقها في كل أنحاء اللوحة ويدل على موضع معين يجسده الفنان بطريقة فنية ومبتكرة، إضافة إلى أن الكثيرين من الفنانين حاولوا الاستفادة من إمكانيات الحرف العربي، لما يتمتع به من جماليات وإمكانيات تعبيرية، فهناك أعمال خطية مباشرة تجد أنها أعطت شكلاً متطوراً للحرف العربي؛ إذ تضمنت نصوصاً متنوعة، فمنها: الأقوال الصوفية، والشعر، والحكم، والعبارة الدينية».

الفن هو الرسم والدقة في التعبير بحروفيات الخط العربي، والخط مخلوق له روح وطاقة كامنة لا يدرك سرّها إلا عاشقه

ويضيف: «من خلال أعمالي أسعى للوصول إلى إنتاج تكوينات وتشكيلات فنية تجمع ما بين الخط العربي وتكويناته والصور الضوئية، لتنتج عملاً فنياً مبتكراً يأخذ عناصره الفنية الضوئية والتشكيلية في فن الخط من فن العمارة الإسلامية وغيرها من الزخارف الدمشقية القديمة ومشاهد الحياة اليومية التي تلتقط بعيني الثانية، إضافة إلى أن ما يجمع بين الصورة الضوئية ولوحة الخط هو الإيقاع الرشيق وشبه الموسيقي، الذي يترجم ما يحمله لنا في جعبته من أصالة وثقافة بصرية، فاللون مخلوق ساحر يحاول الفنان من خلاله أن يعبر عن مكنوناته وهواجسه عبر العمل الفني الذي يقوم بإنجازه ويحمل في طياته معنى اللوحة من دون قراءة الكلمات، حيث يجري التركيز في الأعمال الحروفية على استخدام اللون وتدرجاته التي تعبر عن الفرح والحزن، وما يحمله الفنان من مشاعر، خاصة أن الحرف العربي يمثل ثقافتنا وحضارتنا، ويمتاز بقابليته للمد والضغط وإمكانياته التعبيرية والجمالية ذات الإيقاع الجميل القابل للحياة، إضافة إلى أن اللوحات المصورة والتشكيلية تعمل على تنمية الذائقة البصرية والفنية لدى المشاهد، ويمكن أن تقدم للجمهور المحلي، وتكون سفيراً للفن نحو دول العالم كله».

من أعماله التصويرية

ويتابع: «التصوير فن قائم بذاته، ويقف إلى جانب الفن التشكيلي من حيث التكوين الجمالي للأشياء بهدف إبراز المعنى أو الفكرة المراد إظهارها من خلال العمل الفني، إضافة إلى أن الصورة الضوئية هي عملية إبداعية خاصة بالتغيير الإيجابي والارتقاء الابتكاري، لكن عين المصور هي الأساس في تأطير الصورة وإنتاجها وتشكيلها بصرياً لتكون عنصر جذب لعين المشاهد، فحبي للتصوير جعلني أقتني أدوات التصوير، كالكاميرا، وأحماض التحميض، وأوراق الطباعة، وجهاز لتكبير الصور وتصغيرها. ولتطوير مهارتي بالتصوير، اطلعت على مجلة "فن التصوير"، وكتاب "عبد الفتاح رياض" لتقنيات الطبع والتحميض؛ وهو ما مكنني من اكتساب معرفة فنية وعلمية لفنون التصوير، وحاولت أن أتعمق بالفن أكثر، فدرست السيناريو، ومن خلال عملي كمدرّس في معهد الفنون التطبيقية، حاولت أن أنقل تجربتي وخبرتي إلى طلابي، وتحفيزهم على زيادة قراءتهم وثقافتهم، ومحاولة التجريب والاطلاع على المدارس الفنية لتنمية ملكاتهم ورفد أحاسيسهم للوصول إلى اللوحة الفوتوغرافية، ليكون عملهم نتيجة خبرة وعلم وفن».

ويضيف: «إن كل ما يحمل الجمال يأسرني ويشدني لتصويره، وخاصة الحالات الإنسانية التي لها وقع وتأثير حسي ومعنوي بالمشاهد، إلى جانب الطبيعة وتنوعها وتفاصيلها الكثيرة، إضافة إلى التقاط صور للمساجد والمقامات، وما تحويه من زخارف وجمال معماري لإظهار جمالها وتقديم صورة توثيقية لهذا الفن الإسلامي المميز، وتوثيقه لحفظه من العبث والتدمير، كما أنني أحاول التقاط الصورة الصحيحة بكل مفرداتها التقنية والفنية، وتتم معالجتها بأسلوب بسيط مع المحافظة على الجانب الغني وجوهر العمل بأسلوب واقعي ولمسات جمالية».

حروفيات من أعماله

الخطاط "أكسم طلاع" حدثنا عنه: «تقع أعمال الفنان "جلال شيخو" في المساحة المتاحة من فن تجويد وصناعة الكتابة من دون الولوج إلى المغامرة الغرافيكية التي تحمل صفة الخصوصية والتجلي، إلا أن بعض التجارب تخطو نحو تأكيد فرادتها، وفي الوقت نفسه لا تبتعد عن تلك الروحية التي تمتلكها حروفياته من الأصالة المحافظة على أصول وقواعد الخط العربي، كما أنه جعل الباب موارباً أمام التجارب الحروفية الجديدة، مع الحفاظ على القواعد الأساسية. وما يميز الفنان "جلال شيخو" شغفه بفن الخط العربي، فهو يجتهد في ممارسته ومتابعة آثار أعلامه ومحاكاة آثار الأساتذة الكبار، حتى أضحى من الذين يشار إليهم في مشهد هذا الفن في "سورية"، فضلاً عن أنه أستاذ تعليم الخط في أكثر من مكان في "دمشق"، فهو فنان مثابر، يتميز بحس العاشق الباحث، وله مكانته المحببة بين أقرانه؛ لما يملكه من دماثة في الطبع وعذوبة التجربة والمحاولة المثابرة».

يذكر أن الفنان والمصور "محمد جلال شيخو" من مواليد "القنيطرة"، عام 1962، خريج كلية الفنون الجميلة، وخطاط بالمؤسسة العامة للكتب المدرسية، ومدرّس في المعهد المتوسط للفنون التطبيقية، والمعهد المتوسط للآثار والمتاحف، ورئيس مجلس إدارة نادي التصوير الضوئي ما بين عامي 2003-2008، وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، وعدة لجان تحكيم فنية. أقام العديد من المعارض الفردية بالتصوير الضوئي والخط العربي في "قونية" و"اسطنبول" في تركيا، وحاز الجائزة الفضية بالتصوير الضوئي في "ألمانيا" عام 2004، والجائزة الثالثة بمسابقة "الكويت" للتصوير الضوئي عام 1996، وجوائز عدة من وزارة الثقافة، ونادي فن التصوير الضوئي بالمركز الثقافي الأميركي في "تركيا"، أشرف على العديد من ورشات العمل مع عدة دول، مثل: "الولايات المتحدة"، و"فرنسا"، و"سويسرا"، و"بريطانيا"، وألمانيا"، و"تركيا".

من أعماله التصويرية بالأبيض والأسود