فنان يمتاز بحسّ مرهف وأداء فني عالٍ، أبدع برسوماته في التعبير عن حبه وتعلّقه بالحرف العربي الذي اختاره كعنصر جمالي للوحاته، فمن تداخل الخطوط والألوان والحروف بعضها مع بعض بكل دقة ورقي تولد اللوحة بين يديه.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان "جمال نهار" بتاريخ 6 آب 2017، وتحدث عن بدايته مع الخط العربي بالقول: «بدأ انجذابي إلى فن الخط في مرحلة الدراسة الابتدائية، وفي المرحلة الإعدادية أصبحت أقلّد كتابة معظم ما يقع بين يدي من نماذج خطية، كعناوين الكتب والصحف، وكان حصولي على نسخة من كراسة "قواعد الخط العربي" للخطاط الكبير "محمد هاشم البغدادي" بداية مرحلة جديدة في علاقتي مع هذا الفن الرفيع، فعكفت على تقليد كتاباته، والتعلّم منها بحماسة وشغف كبيرين، وكنت أقارب ما أتعلّمه مع ما يقع أمام بصري من لافتات خطية في الأماكن العامة لكبار الخطاطين الدمشقيين، وفي مقدمتهم: "ممدوح الشريف"، و"بدوي الديراني"، و"حلمي حباب"، و"عبدو صلاحي"، وكنت حريصاً على حضور معارض الخط العامة منها والخاصة، وقد دفعت بي الحماسة لاحقاً إلى زيارة بعض الخطاطين المعروفين في "دمشق"، ومنهم: "محمد القاضي"، و"أحمد الباري"، و"زهير زرزور"، و"زهير منبني"، و"محمد قنوع"، و"غسان لطفي"، و"مصطفى النجار"».

فنان مبدع بكل ما تعنيه الكلمة، لديه خبرة كبيرة ولوحاته جميلة ومميزة، يستعمل الحرف بشكل جميل ومتناسق ليقدم لوحة فنية تشكيلية معتمدة على الحرف العربي، كما ينتقي الألوان بطريقة رائعة ويستعملها ببراعة لافتة، والتناسق اللوني في لوحاته يخطف الأبصار والألباب

وأضاف عن علاقته الحالية مع الحروف، وفكرة بناء اللوحة: «فن الخط العربي بالنسبة لي حالة جمالية وجدانية لا تبارحني، وهذا ما يعدّ محفزاً لي كي أتدرّب من دون انتظام على كتابة الحروف والعبارات، وقد تولد فكرة اللوحة خطية كانت أم حروفية، وأحياناً قد تأتي فكرة اللوحة من قراءة كتاب أو آية قرآنية أو حديث شريف أو حكمة عامة، وفي المجال الحروفي قد تأتي بداية اللوحة من نزعة شعورية داخلية غير واضحة المعالم، فأبدأ تنفيذياً تركيب حروفي خطاً ولوناً يسير من دون تخطيط إلى أن ينتهي بناء اللوحة».

لوحة "الشهداء"

وعن الخطوط والدلالات الفكرية الموجودة في لوحاته، يقول: «أغلب أنواع الخطوط العربية المعروفة قابلة للتشكيل البصري الكوفي، فأكثر أنواع الخط التي أستخدمها في لوحاتي: "الثلث"، "الديواني"، "الديواني الجلي"، "النستعليق الفارسي"، ويأتي استخدام نوع الخط وفقاً لفكرة اللوحة.

أما ما يتعلق بالدلالات الفكرية، فإنها تتوزع على فرعين: الأول يظهر في الدلالات الأدبية للكلام المخطوط والمركب في تكوينات وتشكيلات بصرية تتموضع في مساحات متناغمة على سطح اللوحة، وأغلب الأحيان يكون للألوان حضور موظف فيها، ومنها مثلاً لوحة "الشهداء" التي استخدمت فيها الألوان المناسبة لمعنى الشهادة، كالأحمر الذي يوحي بمعنى التضحية، والأزرق السماوي الذي يوحي بمعنى الرفعة والسمو. أما الفرع الثاني، فهو المجرد من المعاني الأدبية، مكتفياً بالإيحاءات البصرية المتناغمة بين الخط واللون».

لوحة "الجولان داري"

وعن الأعمال التي تركت أثراً خاصاً في داخله لكونه ابن "الجولان"، يقول: «"الجولان" أرض الآباء والأجداد، حيث يعدّ بالنسبة لي البيئة التي عشت فيها طفولتي المبكرة قبل أن أهجّر منه، ويصبح جزءاً محتلاً من وطن عزيز اسمه "سورية"، لهذا يعدّ "الجولان" بالنسبة لي قضية لا تبارح الوجدان، وقد حاولت التعبير عن هذا الحضور في عدد من اللوحات الرائعة التي أعتزّ بها كثيراً، إحداها تحمل عنوان: "الجولان أرض البطولة والشهادة"، وأيضاً لوحة "الجولان داري".

وحول تكوين فكرة اللوحة وتداخل شكل الحرف العربي، يضيف: «هناك تلازم ما بين الحرف وأي فكرة، فكما تختار كلماتك في كتابة قصيدة تختار حروفك في رسم اللوحة، فالحرف هو القصيدة واللوحة، وأكثر أعمالي الخطية والحروفية تنطلق من شكل الحرف العربي حسب قواعده التي تحدثت عنه، ووصلت إلى ذروة تطورها، وأظنّ أن إتقان قواعد الخط الأساسي في بناء اللوحة الحروفية كما هو أساسي في إتقان استخدام الألوان والأدوات وباقي تقنيات العمل الفني، إضافة إلى وجود علاقة بين اللون المستخدم والفكرة التي يريد الفنان إيصالها، لكن أحياناً قد يتجرد العمل التشكيلي الحروفي من أي فكرة ويكون التكوين بما يتضمن من حروف وألوان غاية جمالية بصرية بحدّ ذاتها، وهنا تأتي براعة الفنان في استخدام ألوانه بما يعبر عن ذاته من جهة، وبما يتناسب مع الذوق العام الذي يتوجه إليه من الجهة المكملة».

الفنان التشكيلي "نعيم شلش"

وتابع: «برأيي إن التداخل في التراكيب الخطية والحروفية أمر يتعلق بالحالة الجمالية البصرية للتعبير عن ذات الفنان من جهة، والتواصل الجمالي البصري مع المتلقي من جهة أخرى، إضافة إلى أن المفتاح لقراءة اللوحة بالدرجة الأولى هو الحسّ الإنساني بوجه خاص والثقافة العامة بوجه عام؛ فهما مفتاح قراءة أي لوحة».

وعن أهم المعارض التي شارك فيها، قال: «أول أنشطة العرض كانت في أيام الشباب عام 1981، في معرض مشترك مع الصديق الفنان والإعلامي "علي عزيز بلال" في المركز الثقافي العربي في "القنيطرة"، وفي عام 1983، شاركت في معرض لفناني "القنيطرة" في "دمشق"، وبسبب النجاح اللافت للمعرض؛ تم اقتراح جعله متجولاً في جميع المحافظات، وكنت مرافقاً في تجواله، كما شاركت في "ملتقى الجولان" الأول للرسم والنحت، الذي أقيم في مدينة "القنيطرة" المحررة عام 2002، وكان لي مشاركات في المعارض التي كانت تقيمها وزارتا الداخلية والدفاع، وعلى الصعيد العربي والدولي، شاركت عام 2002 في "معرض طرابلس" الدولي، إضافة إلى المشاركة في معظم المعارض التشكيلية التي تقيمها وزارة الثقافة، ومعارض اتحاد الفنانين التشكيلين، وقد حصلت على عدة شهادات تقدير محلية ودولية».

واختتم حديثه بالقول: «الحرف العربي هو بحدّ ذاته لوحة فنية، وهو مرنٌ وطيّع تستطيع أن تشكل منه أشكالاً فنية غير محدودة، صحيح أن عدد الحروف العربية محدود، لكن الطاقات الجمالية الكامنة في هذه الحروف لا حدود لها، وقد أثبت ذلك جميع المبدعين من الخطاطين على مرّ الزمن، ويثبت ذلك أيضاً جميع الفنانين الحروفيين المعاصرين الذين نهلوا من القيم الجمالية والتعبيرية للحرف العربي، وما زالوا ينهلون منه حتى الآن، وتجربتي واحدة من هذا المسار.

وما أريد إيصاله من خلال لوحاتي التشكيلية الحروفية ليس رسالة واحدة، بل مجموعة من الرسائل المتداخلة، التي أوجزها بأن الخط العربي إحدى إيقونات ذوقنا الجمالي، والحروفية بمعناها الشامل ظاهرة فنية جمالية معاصرة تثبت مقدرة العقل والذوق الجمالي العربي على مواكبة العصر، بل تتعدى ذلك إلى قيادة الذوق الجمالي العالمي نحو منابع نقية وصافية للجمال والفن».

الفنان التشكيلي "نعيم شلش" الرئيس السابق لفرع نقابة الفنون الجميلة في "القنيطرة"، قال: «فنان مبدع بكل ما تعنيه الكلمة، لديه خبرة كبيرة ولوحاته جميلة ومميزة، يستعمل الحرف بشكل جميل ومتناسق ليقدم لوحة فنية تشكيلية معتمدة على الحرف العربي، كما ينتقي الألوان بطريقة رائعة ويستعملها ببراعة لافتة، والتناسق اللوني في لوحاته يخطف الأبصار والألباب».

الجدير بالذكر، أن الفنان "جمال نهار" من مواليد قرية "كفر حارب" عام 1958م، عضو نقابة الفنون الجميلة، وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين العرب، وحالياً يشغل منصب رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين "فرع القنيطرة"، عمل مدرّساً لمادة الرسم في الثانويات الرسمية، ودرس الخط العربي للمعلمين والمعلمات، أعماله مقتناة من قبل وزارة الثقافة وبعض الجهات الرسمية في الدولة.