جرت على جنباته أشرس المعارك للدفاع عن "الجولان" ضد الغزو الصهيوني الكبير، وعلى الرغم من استخدام كل الأسلحة الثقيلة والطيران، وزحف المدرعات التي وصل طول أرتالها إلى عدة كيلو مترات، إلا أن العدو تعرض لخسائر مدوية باعترافاته، فكان "تل الفخار" ملحمة بطولية لا تقارن.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 1 نيسان 2018، التقت المعمّر "علي حسن هزيمة"، الذي حدثنا عن الموقع بالقول: «"تل الفخار" إحدى قرى "الجولان" المحتلة والمدمرة من قبل العدو الإسرائيلي، وتقع شمالي "الجولان"، إلى الجنوب من "بانياس"، وغربي "زعورة" و"عين فيت". تطل على سهل "الحولة"، وتشرف على خط "التابلاين" النفطي القادم من "السعودية"، وتعد مع تلها من أهم التحصينات القوية للجيش السوري قبل عام 1967. ولأهمية التل الاستراتيجية كان هدفاً للقوات الصهيونية الإسرائيلية عندما غزت "الجولان" في حرب "حزيران"، وعدّته بوابة "الجولان"، وإن الوصول إلى هذه النقطة الحساسة مسألة حياة أو موت؛ إذ قال أحد كبار الضباط الإسرائيليين آنذاك عندما تمكنت "إسرائيل" من احتلال هذا الموقع: (إن "إسرائيل" سيطرت على كامل "الجولان"، وباتت حدودها آمنة من الطرف السوري). والحقيقة التي يجب أن تُذكر هي أن الجيش السوري دافع عن هذا الموقع بشدة».

"تل الفخار" أحد مواقع الجبهة السورية، يكاد يكون غير مكشوف للناظر إليه من الأرض المحتلة، لقد قتل وجرح أمامه عدد كبير من الجنود الإسرائيليين خلال المعارك العنيفة التي دارت في التاسع من حزيران 1967

ويتابع الحديث عن المعركة: «دارت في هذا التل معركة دامت ست ساعات، وكان يقود المعركة الملازم أول "أسعد بدران"، حيث تكبد فيها الجيش الإسرائيلي أكثر من ثلاثين قتيلاً وسبعين جريحاً، ثم ارتفع عدد القتلى إلى أكثر من سبعين، وتم تدمير العديد من المدرعات المعادية، لكن العدو الصهيوني استخدم سلاح الطيران، وقنابل "النابالم" الحارقة، ولولا هذا الدعم اللوجستي لما استطاع احتلال هذا التل. وقد جُرح الملازم "أسعد بدران" وهو يدافع عن هذا المكان العزيز من بلاده.

موقع "تل الفخار" على خريطة الجولان

واعترف العدو بالخسائر التي تكبدها، وجاء هذا الكلام على لسان "إسحاق رابين"، الذي قال: (لقد استعمل جنودنا كل مهارتهم وشجاعتهم كي يشقوا لأنفسهم الطريق في شبكة الطرق الجبلية التي تصل تحصينات السوريين الذين كانوا يبدون غير مبالين بالطوفان الناري الذي كان ينهال عليهم، وقد جرى القتال بالسلاح الأبيض). في حين ذكر "دافيد اليعازر": (إذا ما زرتم مستشفى "رامبام" ستسمعون الكثير عن هذه المعركة، فقد نشبت معركة بالأيدي في ذلك المكان، وقتال بالأكف والسكاكين والأسنان، وأعقاب البنادق)».

وقد جاءت على ذكر هذه المعركة عدة صحف أجنبية وإسرائيلية، مثال ذلك ما كتبه أحد الصحفيين الأميركيين "تيرانس سميث"، في صحيفة "نيويورك تايمز" في 26 حزيران 1967، يصف تلك الملحمة بالقول: «"تل الفخار" أحد مواقع الجبهة السورية، يكاد يكون غير مكشوف للناظر إليه من الأرض المحتلة، لقد قتل وجرح أمامه عدد كبير من الجنود الإسرائيليين خلال المعارك العنيفة التي دارت في التاسع من حزيران 1967».

من معركة تل الفخار

وكتبت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية مطولاً عن معركة "تل الفخار"، وذلك في عدد 4 آب 1967، فقالت: «لقد عرف السوريون أهمية هذا الموقع، واهتموا بحمايته، وكان يحمي سفوحه الغربية "تل العزيزيات" الواقع على الحد الأمامي، وموقعي "برج بابل" و"البحريات" من الخلف، كما كان يحميه من الشمال "تل أحمر"، وخلفه يقع موقعا "زعورة" و"عين فيت" المحصنان. كان على رأس الرتل الذي هاجم التل لواء مدرع مشكل من سلسلة طويلة من الدبابات والعربات المدرعة، امتدت على طول عدة كيلومترات من مدخل "كفار سولد" وحتى سفوح التل، وخلف الدبابات تحركت الناقلات المدرعة التي تحمل وحدات المشاة من "لواء جولاني" الذي أوكلت إليه مهمة مهاجمة "تل الفخار". بدأت الهاونات السورية قصفها بدقة نادرة، وكانت نيرانها كثيفة ومتواصلة، وأصبح الالتفاف من خلف التل مستحيلاً، وكانت إصابات المدرعات كبيرة، وصدر أمر إلى النقيب "أهرون" أن يتقدم في الطليعة ومعه سبع ناقلات مدرعة، لكنها أصبحت ثلاث ناقلات فقط بعد لحظات، فاضطر الجنود إلى مغادرتها والالتجاء إلى الأرض، وبعد ذلك تفرعت القوات المهاجمة إلى محورين في محاولة للالتفاف على "مجنبتي" الموقع الشمالية والجنوبية. وقد دارت المعركة في الجزء الشمالي من التل بضراوة، وفي بحر من الدماء، حيث سقط قتلى كثيرون؛ وهو ما اضطر قائد الوحدة إلى طلب النجدة، فتقدمت مصفحة فيها جماعة مشاة كاملة للنجدة، لكن الجنود أصيبوا جميعاً، وقتل منهم ثلاثة في الحال».

"كامل محمد علاء الدين" من مواليد عام 1926، قضى خمسة أعوام من حياته في قرية جانب "التل"، قال: «يبلغ ارتفاع هذا التل نحو 452م، وهو عبارة عن أكمة جبلية ذات رأسين شمالي وجنوبي متدرج من جهة الشمال نحو الجنوب، ويشرف على خط التابلاين النفطي، وخلف هذا الخط يوجد موقع "برج بابل". و"تل الفخار" منطقة موحشة لا يوجد فيها سوى الصخور البارزة والأشجار الحراجية الكثيفة البرية، ولا يعيش فيها سوى الحيوانات المفترسة، مثل: الذئاب، والضباع، والأفاعي، وغير ذلك.

المعمر "علي حسن هزيمة"

ويُقال إن العموريين قبل 3000 عام قبل الميلاد حكموا هذه المنطقة حتى جاء "الآراميون"، إذ كان العرب فيما مضى يطلقون اسم "الجولان" على جبل يقع في "بلاد الشام"، وقد كانت هذه المنطقة تابعة إلى دولة "الغساسنة"، وفي فترة الانتداب "البريطاني" كانت تُعدّ هذه المنطقة تابعة له، إلا أن بريطانية تنازلت عنها للفرنسيين؛ وهو ما جعلها ضمن حدود الدولة السورية».

ويضيف: «يعود "تل الفخار" إلى البدايات المبكرة المؤكدة لإعمار "الجولان"، والكشف على مواقع استقرار سكاني إلى العهد "الكنعاني"، وقد استمر هذا الإعمار عبر جميع العصور التاريخية حتى يومنا هذا، عاش "الجولان" في أثنائها فترات مد وجزر سكاني، بل وهجر، ثم إعادة استيطان آخر، وإعماره في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ثم هُجّر سكانه عام 1967، وتم إنشاء مستعمرات صهيونية بلغت أكثر من 40 مستعمرة.

وقد سمي "تل الفخار" بهذه التسمية نسبةً لوجود "حرفة الفخار" القديمة التي كانت تمارسها الحضارات، لأنها كانت حاجة المجتمعات كلها، وتؤكد ذلك اللقى الأثرية التي وجدت في المنطقة من قطع فخارية تعود إلى أحقاب متعددة من الحضارات التي سكنت المنطقة».