ولد في "دمشق"، لكن جذوره الضاربة في "الجولان" ما زالت تعصف في خياله. تحلّى بهندسة الصبر الجميل، وتجلى نتاجه بأشكال بديعة القسمات، متقنة الهيئة والصّنعة، عميقة المعنى، تراه يكتب بقلب مملوء بحبٌّ يضاهي شفيف النور في غلس الليالي.

الفنان "عاصم نواف الرهبان" ذو المواهب المتعددة، التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 شباط 2018، فتحدث عن نشأته: «لم أولد في "الجولان" حيث جذور الأجداد، لكنني تعلمت لغة الانتماء، وهو ثقافتي الواسعة التي أستمد منها فني، وأرضه متأصلة في الأعماق. لم أنكر يوماً جذوري، لكنني ولدت في "دمشق" عام 1985، وبين أحضانها ترعرت، ومن "سكوفيا" في "الجولان" المحتل إلى "دمشق" تمتد أصولي، درست في مدراس "دمشق"، وتخرجت في كلية الفنون الجميلة، قسم الرسم والتصوير عام 2014.

إنني أعتز بما جادت به قريحته الفنية المشرقة في أعماله المتدفقة روعة، التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتمتاز بتحبير فائق الدقة والإتقان، وتصوير لغوي بديع الأركان، وأنا أنتظر منه ما لم تشاهده عين، أو خطته يد أو قلم

كنت في الخامسة من عمري عندما شغفت في طبع العبارات والكتابات التي أراها مزخرفة، وكان أخي الأكبر سناً من هواة جمع الأقلام، وكلما يستهويني أحد الأقلام، أبدأ تقليد ورسم العبارات، مع أنني لم أكن أعرف الكتابة، فلفتت طريقة تقليدي للكتابات نظر أخي، وفي كل مرة كنت أكتب فيها ينظر إلى طريقة رسمي للكلمات، فأخبر والدي بذلك، ومن هنا بدأت أسرتي تشجيعي على متابعة هذه الموهبة؛ وأذكر بعد أن أتقنت القراءة والكتابة، أهداني والدي كتاباً بعنوان: "قواعد الخط العربي" لـ"هاشم البغدادي"، وبدأت قراءته لأنهل منه قواعد هذه الأشكال البديعة من الخطوط التي كانت تلفت نظري دائماً».

أحد أعمال الفنان بالخط الديواني الجلي

يتابع "الرهبان" الحديث عن مواهبه المتعددة: «في مسيرتي كان الرسم والحرف والكلمة، أقاليمي الثلاثة التي تشكل إيقاع لوحاتي، وإلمام الخطاط بالفن التشكيلي، وتذوقه للعبارة التي يختارها في لوحاته تتيح للناظر مساحة من التأمل والتخيل، فكان اهتمامي بالخط وفنه السبب في صقل موهبتي، وأصبحت من عشاق الرسم، والعكس بالعكس؛ فعند تخرجي في الكلية، تابعت مسيري في فن الخط العربي، إضافة إلى ما امتلكته من مهارات الرسم فيها، وعرضت موهبتي على الخطاط الكبير "عدنان الشيخ عثمان"، فأُعجب بمهاراتي الخطيّة، وتبناني فنياً منذ عام 2014 وحتى الآن، ولم أكتفِ بذلك، فشدتني الزخرفة النباتية وما تحمله من مضامين فائقة الروعة؛ لأهوى العمل بها، وتصبح جزءاً من فني أيضاً».

وعن أنواع الخطوط التي يكتبها، قال: «تستهويني الخطوط التي تُظهر شخصية الفنان، أو تلك التي يستخدم فيها الفنان تكوينات فنيّة ويبرزها جمالياً، كالخط "الديواني" الجلي، الذي هو الأقرب إلى نفسي، ويغلب على قسم كبير من أعمالي، وهذا لا يعني أنني لا أحب باقي الأنواع، فلدي الكثير من الأعمال بخطوط "الثُلث" الجلي، و"التعليق"، و"المعلّى"، و"الديواني". وفي كل خط من هذه الخطوط لدي حسّ وذوق مختلف عن الآخر، فقد قمت بعمل مميّز لأحد المراكز التابعة لوزارة التعليم العالي بخط "الثلث"، هذا الأسلوب الذي يُعدّ قد انقرض منذ زمن، وقمت أيضاً بأعمال الزخرفة الجدارية لبعض المراكز بـ"دمشق"، وحالياً أعمل مدرساً للخط العربي في مشروع "بكرا إلنا" لتدريب الأطفال في نادي "المحافظة"، إضافة إلى عملي كخطاط؛ إذ أقيم دورات تدريبية في الخط العربي».

خط الشكتسة

وعن المعارض التي شارك فيها، قال: «كانت لي عدة مشاركات خطيّة في الكثير من المعارض، منها المعرض السنوي الذي يُقام في كل عام من قبل وزارة الثقافة في "دمشق"؛ إذ إنني على مشاركة متواصلة سنوية منذ عام 2005 وحتى عام 2017. وأيضاً شاركت في عامي 2010-2011 بالمعرض الذي أُقيم بمناسبة "اليوم العالمي للغة العربية"، وفي عام 2015 بمعرض "اليوم العالمي للكتاب"، وكانت المشاركة الرائعة في الملتقى الدولي الأول للخط العربي والزخرفة الإسلامية في "بيروت" عام 2016. كما قمت بالمشاركة في العديد من ورشات العمل في عامي 2013-2014 في الورشات التي أُقيمت في "اليوم العالمي للطفل"، و"يوم السياحة"، وآخرها في "الأسبوع العالمي للمساجد" في "التكية السليمانية". أنا لا أرى أن للفن نقطة نهاية، فلا يوجد شخص وصل إلى اللا محدود منه، فهو فن مبني على علم، وعندما وصلت إلى مرحلة أسرار الحرف، اكتشفت أنني لم أصل إلى ما أصبو إليه بعد».

الخطاط "أدهم فادي الجعفري" أحد المقربين من الفنان "عاصم"، قال عنه: «هو فنان مبدع يسير بخُطى واثقة علمية في طريق الفن، وما اكتسبه في جامعته جعله يرتقي فنياً وتقنياً في مجال عالم الخط العربي، ليدير أعماله التي يحبها بحرفية الفنان الأكاديمي. يعمل على أعماله بصبر وحب ليسمو بها إلى الأفضل، بل لا يألو جهداً في منح هذا العمل ساعات طويلة في سبيل الارتقاء به، فهو يحاكي في أعماله أئمة هذا الفن الذين كان لديهم الصبر الطويل والأناة في إنجاز الأعمال الخالدة. وعند إمعاني النظر في أعماله، أرى فكرة متقدمة تسمو بروح دافئة لأداء معنى إيجابياً واضحاً يريد إيصاله إلى الناظر، فيستقر في خلده أحاسيس ذات معانٍ سامية».

الفنان أدهم فادي الجعفري والفنان عاصم في أحد المعارض المشتركة

الفنان الخطاط "عدنان الشيخ عثمان"، قال عنه: «إنني أعتز بما جادت به قريحته الفنية المشرقة في أعماله المتدفقة روعة، التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتمتاز بتحبير فائق الدقة والإتقان، وتصوير لغوي بديع الأركان، وأنا أنتظر منه ما لم تشاهده عين، أو خطته يد أو قلم».