أغنيات "الحوْرَبة" شعبية هدفها التحضير والتحريض والهياج حتى الصراخ، كانت تُغنى عندما تحتدم الصراعات بين عشيرتين أو قبيلتين وتعلو الأصوات كثيراً إلى أن يتحول هذا الصراع إلى نوع من أنواع القتال العنيف.

الباحث "محمد فياض الفياض" في حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 أيلول 2017، قال: «الأغنية المحوربة جزء من الحرب، وفصل مهم من وقت المعركة، تنطلق الأصوات فيها كالسهام، لها ألحان وأنغام متتابعة نلمس فيها ألفاظاً تنسجم مع حالة القتال، أصوات لا حد لها تصب في أعماق الروح وتشد السواعد والأقدام على أنغام "المنجيرة أو المجوز"، وتهتز الأكتاف، وأحياناً يساهم الرقص مساهمة مباشرة باحتفالية أغنية "الحوربة"، فـ"الحوربة" عراك في الروح إن كانت حربية أو حروبية كما تسمى، أو "حوربة" للأعراس».

كلمة "الحوربة" أتت من الثلاثي حرب بمعنى طعن، كما جاء في معجم الوسيط، ومن معاني هذه الكلمة: (أحرب الرجل النخل لقحه بالحرب)؛ أي الاستعداد للحرب في اللغة، أما في المصطلحات الشعبية، فإن معناها الاستعداد للحرب بأغانٍ وكلمات يغلب عليها الطابع الحربي والقتالي والحماسي الذي يجهز للحرب، ويحث المقاتلين على القتال

يضيف "الفياض": «كلمة "الحوربة" أتت من الثلاثي حرب بمعنى طعن، كما جاء في معجم الوسيط، ومن معاني هذه الكلمة: (أحرب الرجل النخل لقحه بالحرب)؛ أي الاستعداد للحرب في اللغة، أما في المصطلحات الشعبية، فإن معناها الاستعداد للحرب بأغانٍ وكلمات يغلب عليها الطابع الحربي والقتالي والحماسي الذي يجهز للحرب، ويحث المقاتلين على القتال».

الباحث "محمد فياض الفياض"

أوقات غناء "الحوربة" كما أشار إليها "الفياض": «تبدأ حين تتفاقم الأمور وتصل إلى حدود معينة في النفوس قد تكون عالية، ويكثر الأخذ والرد والكلام والتهديد والتهديد المقابل، ومنها الرشق بالأصوات العالية ورفع الأيدي المتوعدة والمهددة، ثم الحركات داخل ساحة معينة أو ميدان ما، وأحياناً تجتمع مجموعة تكون في أقصى حدود توترها وتشترك في هياجات عالية لا يوقفها شيء، وتبدأ أغانيها الحوربية التي تهز الفضاء، فهذا يحمل عصا طويلة، وذاك خنجراً، وذاك يحمل "منساساً" والآخر فأساً، وآخر يحمل مجرفة، وذاك يحمل عموداً ومقلاعاً، أما الآخر، فلا يحمل شيئاً، لكنه يحمل صوتاً راعداً يبرق ويرعد ويشد بكل جسده، ولايقف ويرفع جسده ويقفز في الهواء، ويعاود القفز بأغاني "الحوربة"».

يتابع "الفياض": «من الشواهد على أغنيات "الحوربة"، التي وردت في كتاب "الأغاني الشعبية في الريف السوري" للباحث في التراث الشعبي السوري "محمد خالد رمضان"، أغنية محوربة من قرية "جبا" في "الجولان"، تقول:

"حوربة" الأعراس

"ويلو يللي كايدنا... يا ربي ويل

ما بيخلص من أيدينا... ولو حافو(1) سهيل(2)

الباحث "محمدخالد رمضان"

ويلو ما بيعرف ماضينا... ما نحنا السيل

ويلو ياما تجلينا... وما فينا زغيل(3)

ويلو ونحنا طلينا... عالمايل ميل(4)"

راوي هذه أغنية من قرية "جبا" المرحوم "يونس الأسعد"، وهي أغنية محاربة متوسطة الطول فيها تهديد ووعيد، وأن هذا العدو ويل له منا إذا طلناه؛ لأنه لا يستطيع مطاولتنا ولن ينجو منا ومن أيدينا، ولو حاول الوصول إلى نجم "سهيل" فلن يحميه منا أبداً، فماضينا مملوء بالانتصارات وكسب المعارك، وهو لا يعرف أننا السيول العارمة، وها نحن نتجلى ونبرق ولا يوجد بيننا خائف أو واقف عن رد الأعداء، ونحن إذ نطل على المعارك، فنحن نطل ونحيط بالأعداء إحاطة كاملة، إحاطة لا يستطيعون النفاذ منها، ونطل وندفع بهم حتى يستسلمون.

وشاهد آخر من قرية "خان أرنبة" في "الجولان" من الحوربة تنحو المنحى ذاته، رواها الراوي المرحوم "حسين يونس"، وتقول:

"نحنا السباع ونحنا الهلالهل(5)... ونحنا المنايا والكواهل(6)

نحنا نمورة ما منهاب... لا من تلة ولا من سناسل(7)

ونحنا الرجال اللي عالباب... ما فينا ولا واحد مايل

ومنهجم هجمة قبايل... عدونا عن حالو جاهل"

في هذه الأغنية يكثر الوعد والوعيد والفخر، والأغنية القصيرة ملأى بأفكار الهجوم والنصر وعدم الخوف من العدو، بل إخافته ودحره، وإن هجومنا هجوم رجل واحد؛ فلا أحد يتأخر عند الهجوم، ولا أحد يتخلى عن موقعه أبداً.

"حوربة" أخرى من قرية "مسحرة" في "جولان" رواها الراوي "محمد الخطيب"، وتقول:

"يا الله يا خيي يا الله... نهجم عالظالم يا الله

وسيوفنا بأيدينا... ما منخاف إلا من الله

ورماحنا بأيدينا يا الله... والنصر من عند الله"

أغنية محوربة مهيجة للنفوس والوجدان، فهي تتحمس وتحمس وتشد الهمم وتعدّ عدوها هو الظالم الذي يجب الفوز عليه، وستفوز عليه بقوة الله وقوتها وسيوفها ورماحها.

هذه بعض الشواهد عن محوربة الحرب والقتال، أما عن محوربة الأعراس، فمن قرية "بانياس" في "الجولان" المحتل، شاهد ثري بالمعاني رواه الراوي "مفيد عساف" قائلاً:

"هذا عريس الحبايب... ولعريسي سلموني

وأنا برص للعريس... وبغنيلو عاليغبوني

وبغنيلو هالدلعونا... لعيونو اللي لا يموني

شوفو حصانو كيف بيمشي... وشوفو سيفو هوني هوني"

هذه الأغنية مشبعة بالشفافية والفرح ومغمورة بآيات السرور للعريس، وتبدأ بمخاطبة العيون التي ترى العريس كيف يتمايل، ثم تطلب ألا تلام العشيقة في حبها للعريس؛ فهو عريس لكل المحبين والعاشقين، وبعدها تقول إنها ستغني للعريس أغاني "اليغبوني والميجانا والدلعونا". ومازالت بعض أغاني "الحوربة" تُغنى حتى وقتنا الحاضر في الأفراح والأعراس والأعياد، وهي ملأى بنشوة الحب والفرح، وتضفي روحاً جديدة».

(1) حافو: أي رعاه.

(2) سهيل: النجم المعروف.

(3) زغيل : خطأ.

(4) عالمايل ميل: أي على كل محيط.

(5) الهلاهل: الذين يطلون.

(6) الكواهل: المجربون.

(7) سناسل: جمع سنسال، وهو الجدار العالي.