اختارت فنّ النحت على الخشب، واستعملت الأدوات الخطرة بلا خوف أو تردّد. أحبّها أساتذتها وتوسموا فيها خيراً؛ لأنّ هذا الفنّ يحتاج إلى قدرات عالية من خيال واسع، وخفّة يد، ودقة في البصر، وتوازن بين عمل العقل والعين واليد.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنانة التشكيلية "سيماف حسين" بتاريخ 24 حزيران 2017، وقالت عن بدايتها مع الفن: «أنا شابة طموحة مازالت تشقّ طريقها، تخرّجت في المعهد التقاني للفنون التطبيقية، قسم النحت، وبعد أن أصبحت قادرة ومتمكنة من العمل، لم أتوقف عن تطوير عملي الفنّي الذي ابتدأته في باحة منزل، وصمّمت على تحقيق الهدف الذي طالما رسمته منذ انغماسي بالفن التشكيلي، حتى بدأ الحلم يتحول إلى حقيقة عندما أصبحت لي ورشتي الخاصة، وبدأت أعمالي الخاصة».

كانت "سيماف" من أبرز الطلاب، تطلب المعلومة بإصرار حتى تستفيد بأكبر قدر ممكن، وأكثر ما يميّزها الهاجس الكبير في داخلها؛ الفن من أجل الفن، وليس مجرد شهادة تنالها من هذا المعهد التقاني فقط

وأضافت "سيماف": «لم أكن مهووسة منذ الصغر بالفن أو الرسم، ولم يكن الفن من اهتماماتي، لكن عندما قادتني درجاتي في الشهادة الثانوية إلى هذا الاختصاص، لم أتردّد أبداً، وتأثرت بالفن، وخاصة النحت، إلى أن اكتشفت أنّ هذا المكان هو الذي يجب أن أكون وأحيا فيه».

العمل الذي شاركت فيه بمعرض الربيع

وعن اختيارها فنّ النحت على الخشب، قالت: «النحت على الخشب من الفنون النابضة بالحياة، وقد عرفته البشرية منذ أن برى الإنسان لأول مرة الخشب بأداة حادة، وهو ما يُعرف أيضاً بفن "الأويمة" (وتعني حفر النقوش والرسومات على الخشب)، ويشبه كثيراً فنّ تنظيم الفسيفساء؛ لذا أرى أن النحت على الخشب بعثاً للحياة فيه، أجعله يتكلم بتجسيمه إلى أشكال المخلوقات الإنسانية ليمثّل في كل قطعة إحساساً من أحاسيس البشر.

لكل فنان مدخل خاص للتعبير عن واقعه الخارجي، وللمحيط علاقة وطيدة بالإبداع، أنا أستوحي فني من الإنسان ذاته، الذي هو سرّ كوننا، ومن التكامل بين الرجل والمرأة في الحياة».

الفنان وضاح سلامة

وتابعت "سيماف": «الخشب هو المادة الأولى للفنان لعميلة النحت، ونوعه يجب أن يتمتع بالقوة والرصانة والخلو من العقد الخشبية، كخشب شجر الجوز أو أشجار الغابات التي تحمل تقوساً جميلاً.

الطابع الغالب على أعمالي مجسمات للمرأة؛ لأنني أرى في المرأة حياة، وهذا ليس لأنني أنثى ومنحازة إلى العنصر النسائي، لكن لأن المرأة تبعث الحياة أينما وُجدت، وأيضاً لدي "ماكيتات" تمثّل الرجل والمرأة أيضاً، فهما عنصران متكاملان، وما أريد طرحه من خلال أعمالي هذه، المشاعر التي تسكن الإنسان من فرح وحب وسعادة، وأن أنقل الناظر إليها إلى عالم آخر مملوء بالإيجابية بعيداً عن الواقع».

أول عمل

وعن الأعمال التي تركت أثراً خاصاً في داخلها، قالت: «عملي الأول كان بعد تخرّجي عام 2013، وهو عبارة عن "ماكيت" مصغر لامرأة، تم تحويله إلى تمثال حجري في ملتقى "إبداعات شبابية" الذي شهد أول مشاركة لي في معرض، وتم اقتناء العمل المذكور.

أعدّ هذا "الماكيت" طفلي المدلل؛ لأنه بالفعل ترك وقعاً خاصاً في داخلي، لكونه أول تجربة كاملة تمكنت من خلالها أن أعرف كيف أبدأ مسيرتي، كما أن هناك "ماكيتاً" لامرأة شابة رشيقة ومنطلقة تستعد لاستقبال الحياة، حاولت من خلاله أن أخرج ما في داخل "سيماف"، فهو يشبهها لكونها منطلقة، وتم اقتناء هذا العمل من قبل اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، فرع "دمشق"».

وعن أهم المعارض التي شاركت فيها، قالت: «شاركت في العديد من المعارض، منها الفردية، ومنها الجماعية والمشتركة، وأول معرض هو "ملتقى إبداعات شبابية للنحت على الخشب" عام 2013، والمعرض الجماعي "إشراقة أمل" عام 2014، ومعرض "إيقاعات شبابية" في المركز الثقافي بـ"أبو رمانة" عام 2014، ومعرض "نحت على الخشب" في "يوم الخشب العالمي" في "الآرت هاوس" عام 2014 أيضاً، ومعرض "تحية لشهداء قوى الأمن الداخلي" في "صالة الشعب" عام 2016، وأخيراً معرض "الربيع السنوي"، الذي يُقام كل عام في المركز الثقافي العربي في "التجارة"، عام 2016».

واختتمت "سيماف"حديثها بالقول: «القراءة والبحث عن الموضوع الذي أختاره قبل تنفيذه هو الأهم، ولأنني في بداية مساري الفني؛ أحاول دائماً الاستفادة من الخبرات السابقة، وأوظفها في أساليب مختلفة تماماً. النجاح في قاموس حياتي الفنية هو الرضا عن نفسي في الرسالة التي أحاول إيصالها؛ وهو أن أقدّم أقصى ما لديّ، حتى وإن لم يكن كاملاً».

الفنان "وضاح سلامة" رئيس قسم النحت في المعهد التقاني للفنون التطبيقية، وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين، ومدرّس الفنانة "سيماف"، قال: «كانت "سيماف" من أبرز الطلاب، تطلب المعلومة بإصرار حتى تستفيد بأكبر قدر ممكن، وأكثر ما يميّزها الهاجس الكبير في داخلها؛ الفن من أجل الفن، وليس مجرد شهادة تنالها من هذا المعهد التقاني فقط».

وأضاف "سلامة": «استطاعت "سيماف" أن تختار أسلوباً رائعاً تنقل من خلاله أفكارها البسيطة، وتعطي للمتلقي انطباعاً عن الراحة البصرية، وكنت من المشرفين على مشروع التخرج الخاص بها لكونها تحمل أهم صفات الفنان الحقيقي، ولإصرارها على المتابعة بهذا الفن على الرغم من صعوبته، فهي كانت تستخدم أدوات النحت من صاروخ الجلخ والصاروخ الرأسي ومنشار الخشب الكهربائي بكل سلاسة ومن دون خوف أو تردد، وبثقة عالية جداً، وجديّة في العمل؛ وهذا ما جعلني أقف بكل احترام وتقدير أمام هذه الحالة الفنية الرائعة، فهي من النحاتات القلائل القادرات على الاستمرارية وإنتاج أعمال فنية رائعة تغني الحركة التشكيلية بها».

الجدير بالذكر، أنّ الفنانة "سيماف حسين" عضو اتحاد الفنانين التشكيليين، من مواليد قرية "المنصورة" في "الجولان" المحتل، عام 1991.