الأدب الاجتماعي والوطني والقومي والعاطفي ملتصق بالوجدان ومؤثّر، ويترك بصمتَهُ في حياة الناس وذاكرتهم، خاصة عندما تجود به قريحة مربٍّ مثل الشاعر "فؤاد عماد" الذي أعطى للأجيال من علمه، وحفظوا ما خطه قلمه.

الأستاذ "محمد صقر" موجه تربوي، أحد طلاب الشاعر "فؤاد عماد" قال عنه: «غالباً ما كانت قصائده تعبر عن الجوانب الوجدانية والنفسية والروحية، فكانت متصلة بتجاربه وملونة بلونها، وقد غلبت العفوية والصورة البسيطة الجميلة، وعرف أسرار اللغة وأهميتها، فسخرها في قصائده سواء أكانت تلك القصائد مقفاة أم زجلية، لمسنا ذلك من خلال عمله في السلك التربوي في كافة المراحل التعليمية، وخلال مشاركاته في المناسبات الوطنية والقومية والاجتماعية، ومما تم نشره على صفحات الصحف».

بدأت نظم الشعر خلال المرحلة الثانوية أو قبلها بقليل، ونشرت بعض قصائدي على صفحات الصحف المحلية، ولأن الشعر برأيي هو ترنيمة البلبل ونوح الورق، وخرير الجدول، وهو غلبة النور على الظلمة، والحق على الباطل، فقد استوطنني الشعر.. حتى تماهيت فيه وتوحّدنا

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 7 نيسان 2014 زارت الشاعر المربي "فؤاد يوسف عماد" في منزله في قرية "بقعسم" على سفوح جبل الشيخ، واستعادت معه شريط ذكرياته وتجربته الشعرية، فقال: «بدأت نظم الشعر خلال المرحلة الثانوية أو قبلها بقليل، ونشرت بعض قصائدي على صفحات الصحف المحلية، ولأن الشعر برأيي هو ترنيمة البلبل ونوح الورق، وخرير الجدول، وهو غلبة النور على الظلمة، والحق على الباطل، فقد استوطنني الشعر.. حتى تماهيت فيه وتوحّدنا».

الشاعر فؤاد عماد في شبابه

وأضاف: «نوّعت في الموضوعات والقوافي، وحملت جانباً من الهم الإنساني وفرح الانتصارات، كما تطرقت إلى العادات السيئة نابذاً لها والعادات الإيجابية مرسخاً وموطداً، ففي قصيدة عن تشرين وانتصاراته بعنوان "تشرين يخاطب السلام" قلت:

"تيقظ طال نومك يا سلام........ وترنو نحو يقظتك الأنام

مع قلمه وقرطاسه

أتعرفني أنا تشرين أدعو........ أنا فجرٌ إذا حــل الظلام..".

وكتبت إلى "سورية" المجد والحضارة والعروبة، مفتخراً بانتمائي إليها، قصيدة "أنت عربي" قلت فيها:

في لحظة تأمل

"من لم ير فوق الثرى أهرامنا..... أو لم تعد تروي له ذي قار

إنا لنا مجد الورى من يعرب....... حتى يقيــم الساعـة القدّار"».

وتابع "عماد" واصفاً تجربته الشعرية وتأثيرها في طلابه: «بحكم عملي في السلك التربوي، حاولت إبعاد طلابي عن التدخين بالنصح شعراً، لقناعتي بمضار هذه العادة، وغدر السيجارة للإنسان، فقلت قصيدة بعنوان "هل تحب الغادرة؟!":

"ظننتك بلسماً يقصي شجوني..... وخلاً لم تخــب فيـه ظنـونـي

وهبتك همتي بربيع عمري..... حضنتك في الوريد وفي جفوني

سأقطع كل ما أغواني فيك...... لأنك من طبـاعـك أن تخــوني...".

ولأن الشمس لا تحجب بغربال، مهما طال الزمن، ولا بد للحقائق أن تتكشف مهما وضع عليها من المساحيق، قلت في قصيدة "الشمس لا تحجبها سحابة":

"أتسأل كيف ينتثر الضباب...... عن الشمس وينشقّ الحجاب؟!

يقيناً للحقيقة قد وصلنا......... فما للخير والشر اقتراب...."».

وكان للبيئة التي يعيش فيها الشاعر حصة من أشعاره، ولا سيما أنها تتميز بجمالها وخضرتها ومياهها العذبة، فقد تحدث عن الجداول والكروم والفجر، والشمس والجبل، مصوراً الناس فيها وهم يخلدون كل إلى غايته وأعماله مع طلوع الفجر، فيقول في قصيدة "غادة الجبل" عن قريته "بقعسم":

"أثواب عرسك تزهو وهي أربعة..... في كل فصل بها الرحمن أغناك

يا بسمة في مدى الأيام فاتنة...... لولا الخطيئة، من ذا الاسم سمّاك؟".

كتب الشاعر "العتابا والميجانا والقراديات والزجل"، ونظم أكثر من ستمئة بيت فيها، استجاب لطلبنا في الحديث عنها، فقال: «تنوعت أشعاري الشعبية بين الغزلي والوجداني والعاطفي والوطني والقومي أيضاً، ومنها ما يحمل الموعظة والعبر، والفخر والاعتزاز بالانتماء إلى بلدي، ومما قلت في ذلك:

"بأحاديثك ما بين المزح والجد.... وذكرك صحبة البيات والجد

كلامك في حنايا القلب والجد.... سرور وعطر بنغمة وطرب".

وقلت في الموعظة والحكمة ليداري كل منا موقفه من الجهل والجهّال:

"لا تتبع جاهل وتحمد عمالو..... عقلو ما بيتأمن ع مالو

جهلو بكل تفكيرو عمى لو.... ماشي ع العتم والرشد غاب"».

الشاعر الشعبي "سليم حسون" قال فيه: «هو أحد الذين أثروا بقصائدهم الأدب، حيث أضاف إلى الشعر في منطقته قصائد اجتماعية ووصفية دلت على جمال بيئته وروعتها، فتغنى بقريته، وكانت كلماته منتقاة بدقة تدل على إتقانه لأدوات اللغة، كما أنه حافظ على النظام العمودي المتوارث للقصيدة، وحرص على أوزان البحور الشعرية وتفعيلاتها، ما يدل على حُسن العلاقة التي كوّنها بين الكلمة والمعنى والهدف الذي يريده من وراء القصيدة».

المحامي "مروان عماد" أحد أصدقاء الشاعر، قال: «لوّن القصيدة بألوان مختلفة عما ألفناها، حيث كانت له ولأصدقائه مبارزات شعرية ولا سيما الشعبية منها، التي كانت تضفي على الجلسة الابتسامة والمرح، وتصنع جواً اجتماعياً قل نظيره، كما كان يصور في تلك القصائد الابتسامة والفرح والحزن والعنفوان والفخر، كما ترك ذكريات طيبة لا تنسى بين أوساط طلابه، وشكل سمعة طيبة لحسن اهتمامه بهم وطيب معاملته لهم، فكان لهم بمنزلة الأب، فرأى بينهم المهندس والمحامي والمعلم والطبيب».

يذكر أن الشاعر "فؤاد عماد" من مواليد قرية "بقعسم" في جبل الشيخ عام 1938، حصل على الشهادة الابتدائية عام 1954، كما حصل على أهلية التعليم الابتدائي عام 1962، عمل مدرساً لفترة طويلة، ثم سجل في جامعة "دمشق" قسم اللغة العربية وآدابها، وحمل أول إجازة جامعية على مستوى القرية، بعد مشوار طويل تحدى فيه الظروف الصعبة، وهو يجيد الخط العربي وفنونه.