"شكيب أبو جبل" ابن "مجدل شمس" ليس مثل الملايين من الناس، عمل بعيداً عن الأضواء ورسم مقدمات جميلة لأحداث جليلة في المستقبل.

مدونة وطن eSyria بتاريخ 8/7/2008 أي قبل حوالي خمس سنوات زارت السيد "شكيب" وسألته عن عمله السري فاستذكر قائلاً: «بعد أن عدت في 18/2/1969 من الوطن "سورية" إلى "الجولان" العربي السوري المحتل، وسلمت نفسي الى الحاكم العسكري في بلدة "مجدل شمس" ونجحت في اجتياز اختبار الكذب أثناء التحقيق معي لمدة ثلاثة أشهر، وأطلق سراحي، بدأت العمل من خلال تشكيل شبكة من المجندين الموثوق بهم، فجندت ولديّ "يوسف وعزات" وكثيراً من أقاربي ومعارفي، وقمت بتوزيع الأدوار والمهمات على كل فرد من المجموعة، وقسمتهم إلى مجموعة عملت في مرصد "جبل الشيخ" طوال ثلاث سنوات ومجموعة أخرى عملت في "قناة السويس" في "مصر" الشقيقة على "خط بارليف" ومجموعة ثالثة عملت على الجبهة السورية، وتوزعت مهمات عملنا المختلفة ما بين "الأردن وفلسطين"، وتم تكليف عدد من الرفاق لجمع الصحف العبرية التي تصدر عن الكيان الصهيوني وكان يتم إرسالها يومياً الى الوطن الأم "سورية».

تم إطلاق سراحي والإفراج عني في 28/6/1984 إثر عملية تبادل للأسرى بين "سورية" و"إسرائيل"، وأقمت في "جرمانا"، ثم انتخبت عضواً لمجلس الشعب عن محافظة "القنيطرة" لمدة (12) عاماً، وقلدني رئيس الجمهورية وسام الجمهورية من الدرجة الرفيعة تقديراً لأعمالي النضالية

اعتقال "أبو جبل"

وعن اعتقاله قال: «في ليلة 27- 28 كانون الثاني عام 1973 انطلق المناضل "عزات أبوجبل"- ابني- حاملاً بريداً ومعلومات عن قوات الاحتلال الإسرائيلي تتضمن 62 تقريراً عسكرياً و18 مجلة وجريدة وعدداً من التقارير المصورة، انطلق من البيت في "مجدل شمس" برفقة ابن عمه "هايل حسين أبو جبل" في الساعة التاسعة مساءً، وكانت الأمطار تهطل بغزارة، وتوجها إلى "سورية"، وعلى مقربة من نهر "المغيسل" شرق "مجدل شمس" اصطدما مع كمين إسرائيلي، فاستشهد "عزات" واعتقل ابن عمه "هايل"، وبعد ست ساعات من استشهاد "عزات" ودون أن نعلم بما حصل، داهمت مجموعة كبيرة من قوات الاحتلال الإسرائيلي بيتي وقامت بعمليات التفتيش الدقيق وتم اعتقال 64 مواطناً من قرى "الجولان" المحتل منهم أبناء شقيقي "حسين أبو جبل- هايل أبو جبل- عارف أبو جبل- عادل أبو جبل- فوزي أبو جبل"، كما اعتقلوا أولاد عمي السبعة وشقيق زوجتي إضافة إلى ابني "يوسف"، وقد تمكنت ابنتي الدكتورة "كاميليا أبو جبل" من الهرب من الاعتقال وتوجهت إلى "سورية"».

شكيب أبو جبل يتقلد الوسام

بعد الاعتقال تعرض المناضل "الجبل" إلى جبل من التحقيقات ومورس عليه جميع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي في محاولة فاشلة لكسر إرادته ولكن دون جدوى، استمرت مدة التحقيق مع "أبو جبل" بعد اعتقاله ثلاثة أشهر وأربعة عشر يوماً كان يستمر التحقيق فيها بمعدل 15- 18 ساعة يومياً- حسب قوله- وتعاقب على استجوابه 60 محققاً من كبار ضباط المخابرات الإسرائيلية "الموساد"، وحكم عليه بالسجن لمدة 30 عاماً، وتنقل في أثناء اعتقاله الذي دام قرابة 12 عاماً إلى معظم السجون الإسرائيلية.

طريقه إلى الحرية

وعن إطلاق سراحه يقول: «تم إطلاق سراحي والإفراج عني في 28/6/1984 إثر عملية تبادل للأسرى بين "سورية" و"إسرائيل"، وأقمت في "جرمانا"، ثم انتخبت عضواً لمجلس الشعب عن محافظة "القنيطرة" لمدة (12) عاماً، وقلدني رئيس الجمهورية وسام الجمهورية من الدرجة الرفيعة تقديراً لأعمالي النضالية».

أحد أعماله الفنية

وعن "شكيب أبو جبل" تحدث مختار الجولان "عصام الشعلان" قائلاً: «ولد المناضل "شكيب أبو جبل" في شهر آب عام 1925 في قرية "الرامة" في "فلسطين" المحتلة، واطلق ذووه عليه اسمه تيمناً بالمجاهد الكبير شكيب وهاب أحد مجاهدي الثورة العربية في العام 1916، وانتقل إلى بلدة "مجدل شمس" مع والده بعد سنتين من ولادته، التحق بمدارس البلدة وكان متفوقاً في مادتي الرسم والجغرافية.

اثناء الحرب العالمية الثانية عمل في خدمة الجيش الأردني، في منطقة "غزة" و"يافا"، ثم في منطقة "الكاظمية" في العراق، ثم عاد الى سورية في العام 1946 بعد ان ترك الجيش الاردني. في العام 1953 انضم الى اجهزة المخابرات السورية وعمل في منطقة الجولان ولبنان حتى تاريخ انفصال الجمهورية العربية المتحدة بين سورية ومصر، وتم تسريحه من فرع المخابرات بعد استلام الانفصاليين الحكم في سورية، وعاد الى "مجدل شمس" للاهتمام باراضيه ومزروعاته، حيث تم تكليفه كقائد لمجموعة من الدفاع المحلي..

من تأبينه في المجدل

بعد ثورة 8 آذار عام 1963 طُلب الى قيادة فرع الجبهة تجديد عمله في قسم مكافحة الجاسوسية، وفي الحادي عشر من حزيران 1967 غادر الجولان باتجاه دمشق بعد تأكده ان اسرائيل وضعت يدها على عدد كبير من الوثائق والتقارير الخاصة بفرع المخابرات. وبقى في دمشق حتى عودته في 18/2/1969 اثر تنسيق امر عودته مع المخابرات السورية، واستطاع خلال مكوثه في دمشق من دخول الجولان المحتل اكثر من 63 مرة لاستلام تقارير في مقاومين داخل الارض المحتلة من بينهم ابنائه "يوسف" و"عزات". وفور الإعلان عن عودته اعتقلته السلطات الإسرائيلية في القرية وخضع الى تحقيق متواصل من قبل المخابرات الإسرائيلية التي اعتبرته صيداً ثميناً، حتى الافراج عنه بعد ثلاثة اشهر اقتنع خلالها المحققون انه ليس عميلاً سورياً. ونجح في مهمة خداع الإسرائيليين.

رسم في السجن لوحات ورسومات كثيرة وصلت إلى درجة عالية من الإتقان، وأكثر ما رسم المزهريات، وكان يقدم لكل سجين يفرج عنه صورة لمزهرية، وفي سجن "جنين" رسم حوالي 250 لوحة أرسل معظمها إلى الأهل والأصدقاء في بلدة "مجدل شمس" ما زالت معلقة في البيوت.

أقام معرضاً للوحاته الفنية في المركز الثقافي العربي في "دمشق"، ومنح "أبو جبل" بطاقة عضو عامل من اتحاد الفنانين التشكيليين، ومن أشهر لوحاته: "الأمومة- الفتاة- النسر- البراءة- الطبيعة في الجولان- الشمعدان"، وله كتب عديدة منها: "مذكرات أسير عربي في سجون الاحتلال، اثنا عشر عاماً في سجون الاحتلال الصهيوني، تضحية، معاناة".

أقام المناضل "شكيب أبو جبل" في بيته في بلدة "جرمانا" وكله أمل ويقين بعودة "الجولان" إلى الوطن الأم "سورية"، وإذا كتب لك أن تعرف المناضل "شكيب أبو جبل" فلا بد لك أن تعرف جبلاً من الرجولة والبطولة».

بعد أن نشرت هذه المادة الثلاثاء 15/7/2008 توفي المناضل "شكيب أبو جبل" يوم الجمعة 7/11/2008، أي بعد أربعة أشهر تقريباً.

كتب عنه موقع "العرب وصحيفة كل العرب" الإلكتروني يوم تأبينه: «وصل موكب الراحل الى موقع "عين التينة" المطل على مسقط رأسه في الجانب المحتل من الجولان، حيث القيت عدة كلمات وداعية للفقيد من جانبي الخط الفاصل بين الجولان والجولان، وضم الموكب عدداً من السادة أعضاء مجلس الشعب ولجنة دعم الأسرى والأسرى المحررين، وممثلي محافظة "القنيطرة" ومدينة "جرمانا" و"دمشق"، اضافة الى بناته وأحفاده وجيرانه وأصدقائه، والقى مختار "جرمانا" كلمة تأبينية تعدد مناقب الراحل، ومن الجزء المحتل في الجولان ألقيت عدة كلمات، منها كلمة النائب "محمد بركة" سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساوة، وكلمة ابناء الجولان التي قدمها الدكتور "علي ابو عواد" وكلمة آل الفقيد قدمها ابن الفقيد السيد "يوسف ابو جبل"، وفي ختام هذه التظاهرة الانسانية الجولانية تم دفن الراحل في مزرعته في موقع "عين التينة" المكان الذي حمل اسراراً، لحكايات جولانية لربما يأتي ذاك اليوم التي يرويها صناعها وأبطالها الى الاجيال الناشئة من الابناء».

وكتب عنه د. "اسكندر لوقا" في جريدة الثورة السورية بزاوية "آراء" يوم الأربعاء 12/11/2008: «وأنا أقرأ قبل بضعة أيام، نبأ رحيل المناضل (شكيب أبو جبل) أحد الشخصيات الوطنية في بلدنا، وهو أحد مؤسسي الحركة الوطنية في جولاننا المحتل كما نعلم، ارتسمت أمام ذاكرتي البصرية صورته، وإن رحيله عن ثلاثة وثمانين عاماً، لا يعني الرحيل التقليدي إن صح التعبير، إنه رحيل الكيان البشري بالجسد لا بالفكر ولا بالحضور الدائم في الذاكرة الجمعية لأبناء وطنه... ويبقى اسم "شكيب أبو جبل" عنواناً عريضاً في صفحات كتاب التاريخ الذي نزهو به اليوم، كما كنا نزهو به دائماً مستذكرين ما قدمه أبطال مقاومة المستعمر والمحتل لأرضنا عبر السنوات الفائتة كافة، وبكل معاني التقدير والوفاء لذكراهم».