«بعد الانتهاء من قطاف موسم العنب، ومع اقتراب فصل الخريف، يبدأ الناس بقطف ما تبقى من العنب، لأخذه الى المعصرة، حيث للدبس طقوس وتقاليد، يحن إليها الناس من عام الى آخر».

بحسب كلام السيد "حسن صالح" في حوار مع موقع eQunaytra (يوم السبت 11/10/2008) وأضاف: «كان والدي يأخذني معه الى معصرة العنب، او ما اعرفه بمعصرة الدبس، حيث يجتمع الناس، لعصر مواسمهم من العنب، وسط عادات جميلة، وسهرات تمتد حتى ساعات الصباح. يقضيها الناس في الأحاديث عن الموسم، كما كانت تسود تلك اليالي على ضوء القمر او إضاءة النار بواسطة الحطب، على أنغام وغناء النسوة والرجال، ينشدون ببعض الأهازيج والأغاني الشعبية التي تختصر موسم عصير الدبس. وكثيرا ما كانت تقام حلقات الدبكة الشعبية، ويقوم بعض الشباب بالعزف على الشبابة او المجوز، وعندما يحل التعب بالجميع، يعزف على الناي. سقى الله أيام زمان وتلك الأيام، صحيح لم تكن حلقات الدبكة مثل ما هي عليه اليوم، ولكن كان لها طعم ولون غير شكل. الناس كانت بسيطة ويحب بعضهم بعضاً، كنا ننتظر انتهاء عصر احد الفلاحين من الدبس، لنبدأ بتناول الدبس طازجاً وساخناً، مع خبز التنور المشروح، وبعض الطحينة. وفي بعض الأحيان تقوم إحدى النسوة بإحضار حبات البطاطا والبصل، من اجل شوائها على نار الحطب، في المعصرة، لنتناولها مع خبز التنور واللبنة. ومن بعض المقالب المضحكة التي كنا نفتعلها مع بعضنا بعضاً، تلك المزحات الخفيفة ومنها على سبيل المثال، نتفق مع بعضنا من اجل قيام احد الناس الموجودين على المعصرة، بدعوة الآخرين لتناول العشاء على ضوء نار المعصرة، فكنا نباغته ويذهب احدنا الى منزله ويأتي ببعض الطيور من الدجاج، ويقوم بذبحها ومن ثم شيها على النار من دون معرفة صاحب الدعوة الذي سرعان ما يكتشف اللعبة بعد تناول وجبة طعام العشاء، او بعد عودته الى المنزل في اليوم الثاني».

يتم اقتطاع كمية متفق عليها من الناس من الدبس، إضافة الى مبلغ من المال للنزلة، او "الحلة" الواحدة يقدر بمبلغ 500 ليرة سورية، مع العلم أن كمية المازوت التي يستهلكها العمل، تقع على عاتق صاحب العصر، مع أنها شغله متعبة وتحتاج الى الخبرة والصبر وتحمل لسعة النيران، ولكنها تبقى ممتعة ولها نكهة مميزة وحلوة

وعن طريقة صنع "دبس العنب" تحدث السيد "حسن علم الدين" صاحب معصرة الدبس قائلاً: «يقوم الفلاح بقطف إنتاجه من العنب، ويحضره الى المعصرة، ويقوم بتنظيفه من الأوساخ، والعنب الفاسد، ومن ثم يضعه في "جرن" العصر، المخصص لعصر ماء العنب، ويضيف إليه القليل من تراب "الحوارة" الابيض، الذي يساعد على ترسب الشوائب في وقت قصير، ثم يعبأ في اواني خاصة، ويوضع على النار "بالحلة" ويتم غليه لساعات، بعدها ينقل الى وعاء كبير ويترك حتى اليوم الثاني، حتى تترسب الشوائب ويتم تنقيته بشكل تام. في هذه الأثناء يضع احد الفلاحين حصته من العنب ويقوم بعصرها، لتستمر الحكاية على هذا المنوال. في الصباح يوضع مغلي العنب من جديد على النار ويبقى يحرك بشكل مستمر، وينظف في هذه الأثناء من العصير الذي يتبخر او ينقى بواسطة آلة خاصة، حيث يرفع من "الحلة"، تستغرق عملية غلي العنب حوالي الست الى سبع ساعات تقريباً، عند الانتهاء من مرحلة الغليان يضيف بعض الناس بعض أوراق نبات "العطرة" الى الدبس من اجل إعطائه مذاق ونكهة خاصة، ويعبأ في جرار من الفخار او في اواني معدنية او بلاستيكية».

حسن علم الدين

ويبين السيد "ابو اديب صالح" أن أيام زمان كان الناس يحضرون الدبس، على نار الحطب، الذي يحضرونه من الحرش، أما اليوم فقد تم الاستغناء عن الحطب باستخدام الموقدة التي تعمل على مادة المازوت.

وبحكم تجربته الطويلة مع عصر العنب، يبين السيد "حسن علم الدين" انه يمكن الحصول على كيلو من الدبس الصافي من خلال عصر أربعة الى خمسة كيلوغرامات من العنب، وذلك بحسب نوع العنب، وهنا يذكر أنه لا يجوز عصر العنب الأسود، لان دبسه يكون شديد السواد، ويجمد بسرعة، لذلك فهو غير مرغوب في الأكل، ولذلك يتم قطف العنب الابيض والأحمر للدبس فقط، أما العنب الأسود فيتم الاستفادة منه في صنع النبيذ وتعتيقه، وتشتهر منطقة "جبل الشيخ" بصنع نبيذ العنب، ولا سيما قرى "حرفا وحينه وحضر والحلس وطرنجة وجباثا الخشب واوفانيا".

حسن صالح

وعن أجرته التي يتقاضاها على العصر يقول: «يتم اقتطاع كمية متفق عليها من الناس من الدبس، إضافة الى مبلغ من المال للنزلة، او "الحلة" الواحدة يقدر بمبلغ 500 ليرة سورية، مع العلم أن كمية المازوت التي يستهلكها العمل، تقع على عاتق صاحب العصر، مع أنها شغله متعبة وتحتاج الى الخبرة والصبر وتحمل لسعة النيران، ولكنها تبقى ممتعة ولها نكهة مميزة وحلوة».

"سلمان تقي الدين" الذي انتهى لتوه من عصر محصوله من العنب، أوضح أنه ينوي الاحتفاظ بقسم من الدبس، كمونة للشتاء وطعام لذيذ يتناوله مع فطوره، وينوي بيع القسم الأكبر من الدبس، وهو غير مستعجل على حد تعبيره لعمليات البيع، لأنه ينتظر أن يرتفع سعر الدبس، عن اسعار العام الماضي، وقد اخبره بعض الناس، الذين سبقوه في عصر محصولهم، بان سعر كيلو الدبس يباع بملغ 175 ليرة سورية، ومع ذلك فهو يفضل الانتظار، على التفريط بالموسم، وينتظر فصل الشتاء لأن الناس تقبل على شراء الدبس، لتناوله، لما له من فوائد صحية كثيرة منها، انه يمد الجسم بالحرارة، التي ينشدها كل شخص منا يسكن منطقتي "القنيطرة وجبل الشيخ" المشهورة بأمطارها وثلوجها وبردها الشديد.

سلمان تقي الدين

بدورها عبرت السيدة "سعاد" وهي ربة منزل، عن رضاها عن موسم الدبس لهذا العام، وأضافت: «تعلمت من والدتي وبعض السيدات أفضل الطرق التي تستخدم في حفظ دبس العنب، بشكل يحفظه من التلف والفساد. وقد تعودت بفعل التجربة المتكررة على مدى السنوات الماضية، من وضع كمية من أوراق نبتة "العطرة"، وتحريكها مع الدبس، لأنها تعطيه نكهة طيبة وعطرية، تفتح الشهية، وبعد العودة الى المنزل، أقوم بإحضار غصن من أشجار التين، من اجل تحريك ومزج الدبس، بشكل يومي لمدة تتجاوز الأسبوع، الغاية من تحريك الدبس بغصن التين، إعطاء اللون الأشقر للدبس، وتخفيف لونه الأسود او الأحمر، فالبعض يفضله أشقر. إضافة الى أنني أضع الدبس في جرار من الفخار، لان هذه الجرار هي من اسلم الطرق لحفظ الدبس، وتساعد على تخليصه من كمية الماء المتبقية، وتساعد على عملية الإسراع في تجميد وتماسك الدبس مع بعضه بعضاً، في حين يفضل البعض وضع الدبس في اواني من البلاستيك، او في وعاء معدني، وذلك بحسب كمية الدبس».