معطيات اجتماعية وسكانية وتاريخية استشفها التاريخ من رحلات بعض الهواة المغامرين من دول غربية متنوعة قصدوا إقليم "الجولان" طمعاً منهم بزيارة الأراضي المقدسة في المشرق العربي.

عن تلك الرحلات تحدث الدكتور في العلوم الجغرافية، الأستاذ "عادل عبد السلام" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 تموز 2018، قائلاً: «في جو مشحون بالتحولات والمنافسات الكبرى، ازدادت رحلات المستشرقين والرحالة الأوروبيين بعد حملة "نابليون بونابرت" على "مصر" و"فلسطين" مع نهاية القرن الثامن عشر، إذ أيقظت هذه الحملة أحلام الأوروبيين بالعودة إلى الأراضي المقدسة، بعد نحو خمسة قرون من نهاية الحرب الصليبية وخروجهم منها مدحورين، في هذه الفترة التي كانت السلطنة العثمانية تمر بأحلك أوقاتها، بعد أن استحكمت الفوضى بولاياتها، فراح المستكشفون البريطانيون يجوبون أصقاع الأراضي المقدسة وهم يرسمون الخرائط وينقبون عن الآثار ويدرسون أحوال السكان، ومن بين تلك الأراضي أراضي "الجولان"، كما أن مستكشفين مغامرين من دول غربية أخرى، بدؤوا يتسللون إلى بلدان المشرق العربي، وذلك بدافع المنافسة والمواكبة للهجوم الاستكشافي الإنكليزي، وهم يتنكرون بأزياء أهل البلاد، وينتحلون أسماء عربية، ويتحدثون بلهجات محلية أقرب إلى الركاكة، لكنها لا تثير الكثير من الشكوك».

في عام 1810، مرّ برحلة إلى منطقة "بانياس والحولة" في شمال "الجولان" و"القنيطرة"، ومن خلال هذه الرحلة استشف مجموعة معطيات، منها أن منطقة "بانياس" والمناطق المجاورة لها كانت تتبع لـ"حاصبيا"، وأن قرية "فيق" والمناطق المجاورة لها تتبع لـ"بشالك عكا"، أما "القنيطرة"، فكانت خربة هجرها سكانها عندما عبرتها جيوش الدولة العثمانية المتجهة إلى "مصر" عام 1799، لكنه أشار إلى سورها المتين وخانها ومسجدها الواسع، وتبعية الكثير من القرى التابعة حالياً لمحافظة "درعا" إلى "الجولان"، مثل: "نوى، وتسيل، وعابدين، وزيزون"، وغيرها

يضيف "عبد السلام": «أول رحلة إلى أراضي "الجولان" كانت للرحالة الألماني "أولريخ كاسبر ستيزن" في الشهر الأول من عام 1805، فقد بدأ "ستيزن" رحلته من "جيفير" إلى "فينيا"، ثم سار إلى "بوخارست" وعبر "البلقان" إلى "استانبول"، ومن هناك إلى "آسيا"، فـ"حلب"، وبقي فيها ستة أشهر تعلم فيها العربية كتابةً ومحادثة، بعدها تابع مسيره إلى "دمشق"، وبدأ رحلته إلى "جبل الشيخ" "الحرمون" ومنابع نهر "الأردن" في "الجولان"، وانتحل فيها شخصية طبيب يُدعى "موسى الحكيم"، فهو أول أوروبي منذ الحروب الصليبية يزور الأقاليم الواقعة شرقي بحيرة "طبرية" و"وادي الأردن"، واستخلص في رحلته المعطيات التاريخية والجغرافية والسياسية والاجتماعية المتعلقة بـ"الجولان" قبل قرنين، وتبين أن هذه المعطيات كانت موجودة في "الجولان" قبل الاحتلال "الإسرائيلي" له عام 1967، وقد ذكر قبائل وعشائر العرب والتركمان فيه، وأن أمير عشيرة "الفضل" هو "حسن الفاعور"، ووصف دقائق حياتهم، وتحدث عن قرى "عين قنية، وزعورة، وعين فيت، والغجر"، وعشيرة "الويسية" التي صادفها ترعى مواشيها في جنوب بحيرة "الحولة"، ثم انتقل إلى عشيرة "التلاوية" في "البطيحة" وقصة الثأر بينهم وبين عشيرة "الويسية"، وأيضاً عرب عشيرة "المناظرة"».

الباحث "محمد الفياض"

أما عن الرحالة "جون لويس بوركهارت" في آذار عام 1809، الذي غادر "إنكلترا" إلى "مالطا" ليتعلم ما يتيسر له من العربية، حتى تمكن من التنكر كتاجر مسلم هندي في "سورية"، فيقول: «في عام 1810، مرّ برحلة إلى منطقة "بانياس والحولة" في شمال "الجولان" و"القنيطرة"، ومن خلال هذه الرحلة استشف مجموعة معطيات، منها أن منطقة "بانياس" والمناطق المجاورة لها كانت تتبع لـ"حاصبيا"، وأن قرية "فيق" والمناطق المجاورة لها تتبع لـ"بشالك عكا"، أما "القنيطرة"، فكانت خربة هجرها سكانها عندما عبرتها جيوش الدولة العثمانية المتجهة إلى "مصر" عام 1799، لكنه أشار إلى سورها المتين وخانها ومسجدها الواسع، وتبعية الكثير من القرى التابعة حالياً لمحافظة "درعا" إلى "الجولان"، مثل: "نوى، وتسيل، وعابدين، وزيزون"، وغيرها».

وعن رحلة "إربي" و"ومانغلز" يقول: «لقد شجعت أخبار رحلات "بوكهارت" رحالة ومستكشفين إنكليز على القدوم من جديد إلى الأراضي المقدسة، فقام ضابطان من البحرية البريطانية، وهما "تشارلز ليونارد إربي" و"جيمس مانغلز" برحلة استكشافية إلى ضفتي "الأردن" في طريقهما إلى "مصر" و"النوبة"، وسجل لهما قصب السبق في اكتشاف بحيرة "فيالا"، كما زارا "بانياس وسهل الحولة والحمة" في جنوب "الجولان"، وقد لُوحظ في نصوصهما حول "الجولان" حضور كبير للمؤرخ اليهودي "جوزيفيوس"، وغياب شبه تام لأي معلومات عن السكان والأحوال الاجتماعية، باستثناء ينابيع "الحمة"، فلم يكن هدفهما استكشاف تاريخ وآثار الأراضي المقدسة والاطلاع على أحوال أهلها، بقدر ما كان بحثاً عن طرق تجارية تعزز الهيمنة الاستعمارية الإنكليزية على الطرق التجارية الواصلة إلى "الهند"».

الدكتور "عادل عبد السلام"

أما عن الرحلات التبشيرية، فقال الباحث "محمد الفياض" وابن "الجولان": «من أشهر المستكشفين المبشرين الذين زاروا "الجولان" ودرسوا آثاره عالم اللاهوت "إيلي سميث" والدكتور "تومسون" والدكتور "إدوارد روبنسون"، فقد أصدر "روبنسون" كتاباً تحت عنوان: " أبحاث كتابية في فلسطين والأقاليم المجاورة لها"، ضمن فيه وقائع رحلته برفقة "سميث" إلى "فلسطين" والمناطق المجاورة لها عامي 1838-1952، ومن علماء الجيل الثاني من علماء الآثار الكتابيين "التوارتيين" الأميركي العالم "سيلاه ميريل" الذي قصد "الحمة" و"فيق"، وقد كان من أشد المعارضين للاستيطان اليهودي الزراعي الذي بدأ الانتشار في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، فقد ركز "ميريل" برحلته على منطقتي "الحمة" و"فيق" لأنه يعدّهما مسرحاً لوقائع تاريخية كبرى في التاريخ اليهودي المزعوم، الذي يستمد مادته من الكتاب المقدس بوجه رئيس، فتجده يتحدث عن تاريخ قرية "فيق" التوراتي متجاهلاً الكمّ الكبير من النقوش العربية التي يمر عليها مرور الكرام، وعموماً فقد غاب الإنسان عن دراسة "ميريل" في جنوب "الجولان" وحضر التاريخ التوراتي».

الجولان قبل الاحتلال