من بين عشرة أشخاص أبوا الرحيل عن أرض "الجولان" وأصبحوا شواهد على همجية الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، المرأة المتأصلة "وداد ناصيف"، التي بقيت في "القنيطرة" بعد تهجيرها من "الحمة" في "الجولان" المحتل.

"فياض كريم الفياض" ابن وأحد سكان "الجولان" قبل عام 1967م، وعضو قيادة فرع الحزب في "القنيطرة" لعام 1970، في حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 12 كانون الأول 2017، تحدث عن معرفته بها، وقال: «الراحلة "وداد ناصيف" من العائلات العريقة في "فلسطين"، قابلتها وتعرفتها عام 1960 عن طريق "أمين الرفاعي" الذي كان مشرفاً معها على ينابيع "الحمة"، وقد استأجر والدها "الحمة" وينابيعها من حكومة الانتداب الإنكليزي في "فلسطين" لمدة 99 عاماً قبل عام 1948، وفي العام ذاته بقيت "الحمة" بيد "سورية"، واستمرت عائلة "ناصيف" باستثمار الينابيع، إذ شيدت أبنية متعددة على أطراف الينابيع وفندق وفيلات لاستقبال الزوار، وبعد أن قام الاحتلال الإسرائيلي باحتلال قرية "الحمة" عام 1967، تم تهجير "وداد ناصيف" مع زوجها ووالدتها إلى مدينة "القنيطرة" بالقوة، وعندما التقيتها قالت لي إن الصهاينة قد نقلوها مع والدتها العاجزة وزوجها المريض بسيارة عسكرية وأجلسوهم خلف صناديق ذخيرة، وعندما بدأت السيارة الصعود إلى مرتفعات "الحمة" انهالت عليهم الصناديق وتسببت بعدة رضوض في أجسادهم، وتم وضعهم في بيت بمدينة "القنيطرة" يعود لأحد سكانها المهجرين بالقوة».

لا يتسنى لنا سوى تشبيه "وداد" بأخواتنا من مقاتلات العرب "خولة" و"الخنساء"، فقد شهد تاريخ "الجولان" امرأة متجذرة متشبثة بالأرض التي ترعرت في ربوعها، وقد ذُكر لها عدة شهادات، من بينها شهادتها بشأن تدمير مدينة "القنيطرة" من قبل قوات الاحتلال في كتاب "القنيطرة المدينة الشهيدة"، إذ قالت فيه: (كان يوجد في المدينة أحد عشر جرافة، لكنهم استدعوا تعزيزات أخرى لإنهاء مهمتهم، وكانت المنازل الصغيرة تقع بعد الضربة الأولى، أما المنازل الكبيرة المؤلفة من طابقين فأكثر، فكانوا يبنون مدارج للجرافات حتى تستطيع الوصول إلى الطوابق العلوية، لقد دام عملهم هذا الجاد والنشيط عدة أيام)

يضيف "الفياض": «كانت "وداد" مثقفة تتقن ثلاث لغات أجنبية، إضافة إلى اللغة العربية، ومخالطتها للنخبة المثقفة التي كانت في منزلها أكسبها بعض المعلومات في التاريخ والطب والفلسفة وعادات المجتمع، إذ حاول العدو الصهيوني عن طريق الحاكم العسكري أثناء الاحتلال لمدينة "القنيطرة" استقطابها، لكنه فشل لأنها كانت تتمتع بحس قومي ووطني عالٍ متأصل في عروبتها، وعندما شعر الحاكم العسكري بقدراتها الفكرية، أمر الجنود بعدم الاقتراب منها ومجادلتها خوفاً من مقدرتها على الإقناع والتأثير فيهم، وعندما بدأ العدو الصهيوني تدمير كامل مدينة "القنيطرة"، وقفت أمام الحاكم العسكري وعلا صوتها بالقول: (ما تفعلونه عمل همجي وبربري، وستكون نهايتكم كما تفعلون بهذه المدينة، وإنكم لن تفهموا التاريخ يوماً، وقد سبقكم النازيون، ولكل ظالم نهاية كنهايتكم)، فقام الحاكم بطردها من المكان، وبقيت في "القنيطرة" حتى التحرير، وكانت دائماً تقول: (لن أغير ملابسي حتى تعود قرية "الحمة" أو أعود إلى "القدس" الشريف)».

كتاب "القنيطرة المدينة الشهيدة" الذي دون شهادة "وداد ناصيف"

يقول "الفياض": «عندما كانت الوفود الأجنبية والعربية تزور المدينة المحررة، كانت تُدعى "وداد" للحضور، وشرح معاناتها وما فعله العدو الصهيوني بـ"القنيطرة"، إذ كانت لديها قدرة على مخاطبة عقول الأوروبيين والأميركيين وإقناعهم، وفي بعض الأحيان كانت تُبكي بعضهم بأسلوبها المقنع وبلغتهم، وعندما قامت حرب "تشرين" التحريرية عام 1973، سقطت إحدى القذائف السورية على مدينة "القنيطرة"، فحاول الحاكم العسكري الصهيوني استفزازها بالقول: (هذه قذائف السوريين تتساقط عليكم، ولم يرحموكم)، فكان ردها: (هي قذيفة واحدة قد سقطت وأخرجت لنا نبعاً من الماء لنشرب منه بعد أن قطعتم الماء عنا). وعندما توفيت والدتها قام العدو الصهيوني بإعلام شقيقتها الموجودة في "إيطاليا" وإحضارها إلى مدينة "القنيطرة" في محاولة لكسب ودها، لكنهم فشلوا أيضاً، فقد كانت تعرف نواياهم السيئة، بعدها أُصيبت "وداد" بالمرض وتم نقلها إلى المستشفى، فقمت بزيارتها وكانت بحالة سيئة، وقد أدركت موتها، فقالت لي: (أوصيك ألا يتم دفني إلا في مدينة "القنيطرة" الشهيدة، وإذا عادت قرية "الحمة" يوماً أو "القدس" الشريف، فقط أعلم والدي بنقل جثماني إلى هناك)، فقد كان والدها يعمل كابتن طيار، وأوصت أيضاً أن يتم توزيع محتويات منزلها على الأسر التي عاشت معها في "القنيطرة"، وقد تم ذلك من قبل المحافظة، وعند وفاتها تم تشييع جثمانها بموكب مهيب شارك فيه محافظ "القنيطرة" آنذاك وقيادة فرع "القنيطرة" لحزب البعث العربي الاشتراكي والمنظمات الشعبية ورجال الدين الإسلامي والمسيحي لكونها تعتنق المسيحية، وحشد كبير من جماهير ومديرو المحافظة، ودُفنت في مدينة "القنيطرة"».

الباحث "عدنان قبرطاي" ابن حي "القبرطاي" في مدينة "القنيطرة"، قال: «لا يتسنى لنا سوى تشبيه "وداد" بأخواتنا من مقاتلات العرب "خولة" و"الخنساء"، فقد شهد تاريخ "الجولان" امرأة متجذرة متشبثة بالأرض التي ترعرت في ربوعها، وقد ذُكر لها عدة شهادات، من بينها شهادتها بشأن تدمير مدينة "القنيطرة" من قبل قوات الاحتلال في كتاب "القنيطرة المدينة الشهيدة"، إذ قالت فيه: (كان يوجد في المدينة أحد عشر جرافة، لكنهم استدعوا تعزيزات أخرى لإنهاء مهمتهم، وكانت المنازل الصغيرة تقع بعد الضربة الأولى، أما المنازل الكبيرة المؤلفة من طابقين فأكثر، فكانوا يبنون مدارج للجرافات حتى تستطيع الوصول إلى الطوابق العلوية، لقد دام عملهم هذا الجاد والنشيط عدة أيام)».

المعمر "فياض كريم الفياض"
الباحث "عدنان قبرطاي"