يعتبره النقاد الأوروبيون حتى اليوم " رائد المدرسة السورية في الشعر الهيلينستي"، آمن طوال حياته وشعره بأن الإنسان أخو الإنسان أياً كان لونه ودينه وعرقه فكان مثالاً ناصعاً لعالمية السوريين وأخلاقهم وآدابهم.

تذكر المصادر وفي مقدمتها الموسوعة العربية الشاملة أن ميلياغروس MELEAGROS ولد عام 140 قبل الميلاد من أب يوناني مقيم وأم سورية من المدينة، في مدينة " آتيس" واسمها السابق "غادارا" وهي حالياً مدينة "أم قيس" نقطة اتصال سورية بفلسطين والأردن، وقد اهتم والده بتعليمه أصول الفلسفة "الكلبية" وهذه الفلسفة تقوم على المساواة بين البشر وحب الخير والانفتاح على الآخر، وتقديس العلم وقد ظهر تأثير هذه المدرسة في كتابه الأول "ربات البهاء" الذي خرج به في مدينته الأم.

إذا كنت سورياً فلا عجب في ذلك، فكلنا نسكن وطناً واحداً هو العالم

ويتحدث الدكتور "إحسان هندي" في كتابه "شعراء سورية الهلينستيين" عن الشاعر "ميلياغروس" فيقول: «وبعد إصدار كتاب "ربات البهاء" ارتحل ميلياغروس من مدينة غادارا إلى مدينة صور، حيث عاش مرحلة الحياة الشبابية العابثة، اللاهثة وراء اللذات.

غلاف كتاب ميليا غروس بالانكليزية

وأصدر في مدينة صور كتابه الثاني "قصائد حب الشباب"، ويحتوي ثلة من القصائد التي تتغنى بالحب، وبجملة من الصبايا الفاتنات اللواتي تعرّف عليهن الشاعر في هذه المدينة».

ويضيف الدكتور "هندي": «وبعد إقامة ميلياغروس عدة سنوات في مدينة صور، رغب بالمزيد من الشهرة، فشدّ الرحال إلى مدينة أثينا، ولكنه ولسبب لا يزال مجهولاً غير وجهته إلى جزيرة "كوس COS" (إحدى الجزر اليونانية الآن)، التي اختارها كمقر نهائي لقضاء بقية حياته فيها.

تمثال للشاعر ميلياغروس

وفي جزيرة كوس هذه تعرف ميلياغروس إلى كثير من النساء، وذكر أكثر من عشرة أسماء لمعشوقات له في قصائده، ولكننا نعتقد بأنه لم يرتبط عاطفياً إلا باثنتين منهن فقط، وهما "هيليودورا Heliodora" التي عاجلها الموت في عزّ شبابها، و"زينوفيلا Zenophile" التي كان لها من العشاق عدد أكبر من أن يتحمله ميلياغروس، ولهذا فإنه لم يرتبط بالزواج بأي من هاتين الصبيتين، وقضى عمره عازباً حتى توفي وهو في الثمانين من عمره، حوالي عام 60ق.م».

كان شاعرنا يتقن ثلاث لغات هي الآرامية واليونانية والفينيقية، وقد ساعدته هذه اللغات إضافة إلى الفلسفة التي تعلمها في موطنه الأصلي في جعله مواطناً عالمياً، يتحدث الدكتور "محمد إبراهيم" من كلية الآداب بجامعة تشرين لموقع مدونة وطن eSyria بتاريخ 19/5/2013 عن أهم ميزات شعر "ميلياغروس" فيقول: «من قراءة النصوص القليلة التي بقيت للشاعر وهي 140 مقطوعة شعرية فقط من مجمل ما كتب، نجد أن الصفة الإنسانية تغلب على مجمل نصوصه وكان ينظر إلى الآخر أياً كان منبته على أنه مساو له وند في الوجود وليس في الثروة ولا الجاه، ويبرز ذلك جلياً عند قراءة النص الذي طلب أن يكتب على شاهدة قبره فهو يطلب من الجميع إلقاء السلام عليه لكونه إنساناً فقط وليس لأنه من أي جنسية».

قرية غادارا اليوم على الحدود السورية الأردنية

ويؤكد الدكتور "إبراهيم" أن الشعر الذي كتبه ميلياغروس مازال صالحاً للقراءة حتى اليوم لأنه شعر سلسل من النوع الغنائي والقصير، وميلياغروس هو من ابتكر هذا النمط الذي يسمى بالأبيجرام Epigrammes وهي قصائد لا يتجاوز طولها أربعة عشر بيتاً من الشعر، وقد قلده في ذلك كبار شعراء الرومان والفرنسيين والإنكليز.

من أهم ما كتب شاعرنا كتابه الموسوم بعنوان "الإكليل STEPHANOS"، كما يقول الدكتور "هندي": «والذي كتبه بعد أن وصل إلى سنّ النضج حوالي عام 100ق.م، أن يخلّد أسماء الشعراء اليونان والهيلينستيين الذين جاؤوا قبله أو عاصروه، حيث اختار لكل منهم قصيدة شهيرة، ثم رتب هذه القصائد بحسب الحرف الأبجدي اليوناني الذي تبدأ به أولى كلماتها. ويعد بالتالي أول من ابتدع فكرة "الأنطولوجيا الشعرية" وهي مختارات شعرية متنوعة».

كما عبر عن فلسفته الساخرة من الحياة وتأثره بالتيار "الأبيقوري"، وذلك من خلال تكليفه للنحات (ارابيوس) بكتابة بعض العبارات الفلسفية الوجدانية باللغة اليونانية ونقشها على لوحة حجرية ووضعها على قبره بعد مماته، حيث وجدت هذه الكتابة باللغة اليونانية على مقربة من قبره وهذا نصها:

«فإذا كنت سورياً، أيها العابر فقل عند قبري (سلام: SALAM)

وإن كنت فينيقياً قل (أودوني: AUDONI)

وإن كنتَ يونانياً قل (خايريه: KHAIRE)

وتقبّل مني التحية

التي يردّها طيفي إليك». / (الترجمة للدكتور إحسان هندي)

وأخيراً من العبارات التي لا تزال حية لشاعرنا السوري العظيم عبارته هذه: «إذا كنت سورياً فلا عجب في ذلك، فكلنا نسكن وطناً واحداً هو العالم».