رغم قصر هذا الطريق النسبي إلا أنه استمر عبر التاريخ ممراً هاماً يصل بين نبع "بسنادا" ومخازن الغذاء والكساء في قرية "بكسا" ومدينة "اللاذقية" الفينيقية ومن ثم الرومانية جنوباً وصولاً إلى شواطئ "أوغاريت" شمالاً.

سُمي هذا الطريق باسم طريق "القبو" حديثاً كما يقول السيد "مجتبى غانم" من أهالي "بسنادا" لمدونة وطن “eSyria” بتاريخ 8 كانون الثاني 2014: «بسبب انخفاض مستواه عمّا يحيط به، فهو يجري في وادٍ منخفض تتربع على جانبيه تلال الزيتون والحمضيات، وقد أمّن له هذا الانخفاض حماية من اعتداءات قُطاع الطرق أو الأشقياء أو غيرهم، وتُطِل عليه عدة تلال بحسب الرواية الشعبية وقد تواجدت عليها نقاط دفاعية بقيت بعض آثارٍ منها، أحدها يوجد في منطقة "الشيخ هلال" ويقع بين "بكسا" و"بسنادا" وهو يُطِل على كامل الطريق».

بسبب انخفاض مستواه عمّا يحيط به، فهو يجري في وادٍ منخفض تتربع على جانبيه تلال الزيتون والحمضيات، وقد أمّن له هذا الانخفاض حماية من اعتداءات قُطاع الطرق أو الأشقياء أو غيرهم، وتُطِل عليه عدة تلال بحسب الرواية الشعبية وقد تواجدت عليها نقاط دفاعية بقيت بعض آثارٍ منها، أحدها يوجد في منطقة "الشيخ هلال" ويقع بين "بكسا" و"بسنادا" وهو يُطِل على كامل الطريق

يحمل الطريق اسمه بعد أن يخرج من قرية "بسنادا"، وهذه القرية تقع شمال شرق "اللاذقية" الحالية بنحو "5"كم، ويوجد في وسطها (قرب الساحة كالعادة) نبع ماء عمره يتجاوز ثلاثة آلاف عام وما زال يتدفق إلى اليوم، وقد ورد ذكره في رحلات المستكشفين الأجانب إلى المنطقة، كما يذكر ذلك الباحث "جمال حيدر" في كتابه: "اللاذقية وأهم المعالم الأثرية والسياحية"، ويبدو أن النبع كان محطةً للتزود بالمياه إبانَ العهد الروماني في "سورية" حيث بني النبع على الطراز الروماني وفق حديث نفس الباحث.

على الطريق خان "القبو" في بسنادا

بعد خروجه من "بسنادا" يمر الطريق بعد نحو نصف كيلومتر خارجها بخان يطلق عليه اسم "خان القبو"، وتبلغ مساحته ما يقارب خمسمئة متر مربع ويضم عدداً كبيراً من الغُرف وتعود مُلكيته إلى "آل نصري" منذ أكثر من مئة عام، وبقي يستخدم كمحطة استراحة وتزود بالمؤن وإطعام الأحصنة والجمال حتى مطلع القرن الماضي، يذكر الباحث "ميشيل مقدسي" في حديثٍ سابقٍ له أن بناء المدن ومحطات الاستراحة (الخانات كما تسمى إلى اليوم) يَخضع لعوامل كثيرة أبرزها قدرة القوافل على السير نهاراً مسافةً تبلغ نحو عشرة كيلومترات ومثلها مشياً للإنسان الطبيعي في الظروف الطبيعية دون تعب كبير.

وبتقدير المسافة التي يبعدها خان "القبو" عن مركز مدينة "اللاذقية" والبالغة عشرة كيلومترات نستنتج وجود خان آخر داخل المدينة (وهي كثيرة) أهمها وأقربها إلى حديثنا خان "الدخان"؛ وهو حالياً المتحف الوطني في "اللاذقية" وهو يحقق شرط بناء أماكن الاستراحة على هذا الطريق أو الطريق الخارج من المدينة القديمة إلى أوغاريت، وقد أعاد الرومان وصله بطريق "القبو" لكونه الشريان الرئيسي للوصول إلى خارج "اللاذقية" والمتابعة إلى "أنطاكية" عاصمة "سورية" القديمة.

إلى قرية "بكسا"

يمر الطريق عبر مساره اليوم بالعديد من البيوت والبساتين المزروعة بالحمضيات والزيتون قديم العمر، ويبلغ متوسط عمر أشجار الزيتون عليه أكثر من مئة عام وفق حديث للدكتور "سمير نصير" دكتور في جامعة "تشرين" كلية الزراعة قسم زراعة الزيتون، ويلاحظ الدكتور "نصير" أن نسبة الزيت في ثمار الزيتون بهذه المنطقة عالية وتبلغ 12% من إجمالي كتلة ثمار الزيتون.

يدخل الطريق بعد ذلك إلى قرية "بكسا" القرية التاريخية القديمة من أسفلها صاعداً مروراً بمزرعة "وطى جبرو"، و"بكسا" هي إحدى نقاط الاستيطان البشري القديمة اكتشفت فيها أدوات استعملها الإنسان القديم ويعود تاريخ الاستيطان فيها إلى ما لا يقل عن 70 ألف عام، ويعني اسمها كما يقول المطران "متى روهم" في المجلة البطريركية: "بيت الكساء"؛ حيث إن حرف الباء هو "بيت"، وكسا من السورية القديمة (السريانية) معناه "الكساء"، وقد ذكرت "بكسا" في حوليات "أوغاريت" كمخزن للحبوب التابعة إلى مملكة أوغاريت مع "سيانو" و"جابلا".

الطريق إلى مزرعة وطى جبرو

في داخل "بكسا" يتجه الطريق إلى معاصر الزيتون القديمة التي اختفت آثار أغلبها فلم يبق منها سوى (الباطوس القديم)، ويمر بالساحة الرئيسية للقرية، كما يمر بعدد من البيوت القديمة جداً، ويمر بنفس المنطقة التي اكتشفت فيها أدوات الاستيطان البشري القديمة.

يتغير اسم الطريق بعد أن يخرج من "بكسا"، ويتابع إلى قرية "القنجرة" القريبة وهي إحدى القرى الملحقة بمملكة أوغاريت أيضاً، ليصل في آخر الأمر إلى أوغاريت وقد ضاعت ملامحه تحت أشجار الزيتون والحمضيات، وفي بعض الأحيان وأثناء الفلاحة يجد بعض المزارعين حجارة رملية منحوتة هي من بقايا رصف الطرقات الشائعة أثناء العهد الروماني.

يمكن الوصول اليوم إلى الطريق من "بسنادا" نفسها فلم يتغير المسار منذ آلاف السنين، كما يمكن الوصول إليه من مدينة "اللاذقية" باتجاه نهاية منطقة "الدعتور" والمتابعة شمال شرق الطريق العام، كذلك يمكن الوصول إليه من "كرسانا" و"القنجرة" عدا الوصول إليه من قرية "بكسا" نفسها.