بطل في لعبة فرضها عليه والده في سن الخامسة، يمتلك قبضة حديدية تنتج بلكماتها ميداليات ذهبية، أثناء النزال يشبهه متابعوه بالفنان الذي يقدم عرضاً مسرحياً يمتع الجمهور، إنه الملاكم السوري "محمد غصون".

يقول عنه البطل السوري ومدرس التربية الرياضية "أحمد زيدان": «"محمد غصون" فنان الحلبة، إنه يمتلك مرونة وانسيابية أثناء النزال توحي للمتابع؛ وكأنه يشاهد فناناً يمثل مشهداً مسرحياً مبدعاً».

"محمد غصون" فنان الحلبة، إنه يمتلك مرونة وانسيابية أثناء النزال توحي للمتابع؛ وكأنه يشاهد فناناً يمثل مشهداً مسرحياً مبدعاً

بطل العالم الملاكم السوري الشاب "محمد غصون" حل ضيفاً على مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 29 نيسان 2014 في حوار حول مسيرته الرياضية الغنية بالإنجازات، "غصون" قال إنه لم يختر هذه اللعبة التي أبدع فيها، وإنما فرضها عليه والده عندما كان في سن الخامسة، وبدأ يتدرج فيها وحصد أولى ألقابه على مستوى الجمهورية في سن التاسعة، وتابع اللعبة رغبة منه في إرضاء والده حتى سن الثالثة عشرة حينما حقق ذهبيتي الجمهورية آنذاك؛ وبدأ يحب اللعبة وشرع في حصد البطولات والألقاب.

سيد الحلبة

انطلق "غصون" من نادٍ ريفي يديره والده في قرية "عين الشرقية" قضاء "جبلة" قد لا يكون هذا النادي على مستوى عالٍ من التجهيزات، لكنه على مستوىً عالٍ من حيث الأبطال الذين تخرجوا فيه، وعنه يقول: «هو نادٍ صغير بحجمه كبير بفعله لا تتعدى مساحته 24 متراً، كنت ومازلت أتدرب فيه وأستغل موقعه الريفي لأخرج وأتدرب تحت الشجرة ووسط الطبيعة، فالنادي الريفي أثرَّ في أكثر من نوادي المدينة، التدريب فيه يشهد منافسة شديدة بين الأبطال الذين تخرجوا فيه، وعلى رأسهم 4 أبطال آسيويين هم إخوتي وإلى جانبهم 30 بطلاً جمهورية، هذا وحده يعطيك دافعاً إلى الأمام، ويخلق رابطاً أبدياً بينك وبين حجارته وأدواته».

ما هي إلا فترة قصيرة حتى لمع نجم هذا الملاكم القادم بقوة إلى الساحة، وبدأت الأندية تخطب وده وفي مقدمتها نادي "الجيش" الذي التحق به "غصون" في مرحلة الشباب، وانضم حينها إلى معسكر "تركيا" المغلق، ومنه عاد للمشاركة في بطولة الجمهورية للرجال، واستطاع نيل الميدالية الذهبية رغم صغر سنه، ويقول عن هذه التجربة: «نادي "الجيش" يوضع في المرتبة الثانية بعد والدي من حيث المساهمة في وصولي إلى منصات التتويج، حيث أمَّن لي الكثير من المعسكرات الخارجية والمكافآت الشهرية الضرورية لأي لاعب».

مع زوجته في مشهد للذكرى يوم عرسه

من ذهبية الجمهورية أبحر "غصون" مسرعاً إلى ذهبية العرب، وعن هذه الرحلة يقول: «بعد انتهاء بطولة الجمهورية استدعيت من المنتخب الوطني للمشاركة في بطولة العرب للشباب؛ التي كانت تستضيفها "مصر"، وقد جمعني اللقاء الأول مع ملاكم تونسي تفوقت عليه بنتيجة (27-7)، ومن ثم أطحت بالبطل الأردني وانتقلت وتابعت مسيرتي إلى النهائي لألتقي صاحب الأرض الملاكم المصري في لقاء جميل وممتع حققت الفوز فيه من الجولة الثانية عبر الضربة المؤثرة، ونلت الميدالية الذهبية للعرب في فئة الشباب».

بعد ذهبية العرب شعر "غصون" بأهمية ما فعله والده تجاهه: «كانت فرحة كبيرة بالنسبة لي، كم شكرت والدي حينها لأنه كان يجبرني على التدريب، وقلت: الآن عرفت لماذا كان يقسو علي ويجبرني على التدريب، حتى إنني لم أعد أتدرب إلا تحت إشرافه، ومع سماعي لعزف النشيد الوطني أثناء التتويج بدأت عيناي تصبو إلى ذهبية آسيا للشباب خصوصاً بعد أن دنا مني مدرب المنتخب المصري، وقال لي: "أنت ستصبح بطل العالم، وسيكون لك مستقبل رائع في الملاكمة"».

في البرازيل

حلم آسيا ما لبث أن أصبح حقيقة مع مشاركة "غصون" الأولى في دورة الألعاب الآسيوية في "الصين" 2011، التي لفت خلالها الأنظار إليه منذ اللحظات الأولى عندما أطاح بالبطل الكازخستاني، وانطلق نحو الذهب كموجة بحر هائجة، يقول "غصون": «أول مفاجأة حققتها في البطولة عندما أطحت بالمرشح الأبرز لنيل الذهب البطل الإيراني صاحب ذهبية آسيا وذهبية الألعاب الآسيوية سابقاً، وبعد هذا اللقاء أدركت أنني أصبحت على بعد خطوة من ملامسة الذهب ودخلت إلى المباراة النهائية مع الخصم الهندي بكل هدوء، وتمكنت من الفوز عليه (8-1)، وتحقيق الميدالية الذهبية الوحيدة لـ"سورية" في البطولة، وكذلك الذهبية الوحيدة للعرب».

بعد نيله ذهبية آسيا وتقديمه مستوى عالياً بدأ المنافسون ينسحبون من مواجهته الواحد تلو الآخر؛ حيث أحرز ذهبية بطولة البقعة الأردنية بسبب انسحاب خصومه، وكذلك حصل في بطولة الجمهورية للرجال، إلا أن "غصون" تابع مسيرته وعاد من جديد إلى التتويج بعد منافسات شديدة عندما حقق ذهبيتي بطولة كازخستان وآسيا في "كوريا الجنوبية".

لم يهدأ الملاكم السوري صاحب القبضة الحديدية حتى أنتجت قبضته ذهبية العالم في "البرازيل" عندما فاز بلقب بطولة العالم العسكرية في العام 2011، إلا أن الرحلة مستمرة نحو بطولة العالم للرجال.

يفتخر "غصون" بأن الملاكمة السورية في تألق مستمر، ويقول: «إنها اللعبة الشعبية الأرقى، وهي تنقذ "سورية" رياضياً في معظم البطولات، حيث إن لاعبيها دائماً ما يحصدون الذهب، لكنها كلعبة لا تأخذ حقها ولا حتى ربع حقها».

"غصون" الذي منح الملاكمة جل وقته منحته -حسب قوله- محبة الناس والثقة بنفسه: «لم أكن أخشى الخصوم مهما كانت أسماؤهم لامعة بما فيهم الملاكمون الإيرانيون طوال القامة أو حتى الروس والإيطاليون أصحاب الخبرة والاحتكاك الدائم، واستطعت أن أتغلب عليهم وأنتزع منهم أهم الميداليات».

المجد الذي صنعه "محمد" لنفسه لا يبتعد عن مجد عائلة "غصون" ككل، هكذا يرى بطل الفنون القتالية المختلطة "طارق سليمان"، ويقول "سليمان": «عرفته منذ المراحل الأولى لممارستي الرياضة، أذكر جيداً كيف كانت تسري الملاكمة في عروقه كيف لا وهو ينحدر من عائلة كلها ملاكمة منزلهم أشبه بمنصة تتويج، فهذه العائلة ارتبط اسمها بالملاكمة، وأي مجد يحقق فرد من أفرادها يكون جزءاً من أمجاد العائلة ككل.

لقد بذل "محمد" جهداً كبيراً وها هو الآن يتحول إلى اسم عريق في عالم الملاكمة، ليس فقط في آسيا وإنما في العالم».

فيما يرى شقيقه البطل "علاء الدين غصون" أن شقيقه "محمد" لا يلعب الملاكمة من أجل الفوز فقط، ويقول: «إنه يلعب من أجل المتعة، فهو يستمتع على الحلبة ويمتع الجمهور وحتى خصومه، لديه قوة جسدية كبيرة ويمتاز بخصر مرن وثقة عالية بالنفس، كما أنه يلعب بأكثر من طريقة خلال النزال، وبإمكانه مواجهة ملاكمين من مدارس مختلفة والتفوق عليهم، وقد استفاد كما استفدنا جميعاً من جو المنافسة حتى داخل المنزل وبين الإخوة الذين يلعبون جميعاً الملاكمة».

الملاكم الشاب يجد بيئة حاضنة له في قريته "عين الشرقية"، حيث يقول "علي ديوب"، وهو من أبناء القرية: «نهتم كثيراً به في القرية، ونتابعه رغم أننا لسنا رياضيين، إلا أنه الفخر والاعتزاز بنجاحاته، أعرف جيداً مدى الجهد الذي بذله حتى وصل إلى هنا، حيث كنت أتابعه أحياناً كيف يمارس أقسى التمارين، وأنظر إلى شعلة الإصرار والتحدي التي تشع من عينيه.

وفي الوقت ذاته كنت ألمس تواضعه وتهذيبه العالي في التعامل مع الآخرين».

جدير بالذكر أن أرشيف الملاكم السوري البطل يعج بالميداليات الذهبية محلياً، وعربياً، وعالمياً.