هي الدار الروحية المسيحية لأرثوذكس "اللاذقية"، والمبنى الأثري اللاذقاني الذي يعود تاريخ بنائه إلى قرون خلت يعتقد أن أقدمها القرن السادس الميلادي.

تقع الدار في حي "القلعة" وسط مدينة "اللاذقية" ويتم الوصول إليها عبر زقاق صغير يبدو كأنه كان مدخلاً للحي القديم، وهي مقر رأس الكنيسة الأرثوذكسية على مستوى المحافظة؛ ومن هنا تأتي أهميتها الروحية بحسب القائد الكشفي "سمير صدقني" الذي التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 24 شباط 2014، ويقول: «في هذه الدار يقيم مطران "اللاذقية" منذ زمن بعيد ومن ثم فهي المبنى الروحي والمرجعي لأرثوذكس المحافظة، كما أنها المكان الذي لطالما لجأ إليه الفقراء والمحتاجون للحصول على المعونة أو المساعدة، وعبر العصور أعطت ضمن استطاعتها كل من طرق الباب بعيداً عن أي حسابات أو انتماءات».

تاريخ بنائه غير معلوم على وجه الدقة، لكن يرجح أنه يعود إلى الفترة الفرنجية، ويقدر عمره بنحو 800 عام

ويضيف: «وبناء الدار يمنح السعادة لقاصديه، وقد أصبح مع الوقت يقدم خدمات إدارية للرعية، منها حالياً المحكمة الروحية للأرثوذكس».

بهو المطرانية

تاريخ هذا البناء غير مثبت بشكل موثق، بحسب رئيس دائرة آثار اللاذقية "جمال حيدر"؛ الذي يقول: «تاريخ بنائه غير معلوم على وجه الدقة، لكن يرجح أنه يعود إلى الفترة الفرنجية، ويقدر عمره بنحو 800 عام».

ويصف الدار قائلاً: «تتألف المطرانية من عدة غرف ذات زوايا غير منتظمة، مسقوفة بعقود متصالبة ومبنية من الحجر الرملي ذي القطع الصغير، ولها مدخلان: الأول يؤدي إلى البهو الرئيس، والآخر خارجي يؤدي إلى الحديقة، وقد تم ترميمها حديثاً».

المطرانية من الخارج بعد أن طرأ عليها تعديلات

على الرغم من أنه لا معلومات دقيقة حول تاريخ بناء الدار لكن يُرجح الأب "أليكسي نصور" أنه يعود إلى الفترات اللاحقة للفتح العربي، حيث لا يزال غير مؤكد مكان الدار الأسقفية في الفترة السابقة للفتح، كما أن الدار هذه لم تكن كنيسة في السابق وإنما وُجد فيها ككل دور المطرانية كنيسة صغيرة الحجم يصلي فيها المطران والكهنة.

ويستشهد الأب "نصور" في ترجيحه لتاريخ بناء المطرانية بالأحجار التي بُنيت بواسطتها، والتي تعود إلى مراحل زمنية مختلفة، ويقول: «بعضها من القرن السادس الميلادي والدليل على ذلك النقوش الموجودة عليها؛ التي تعود إلى تلك الفترة، إضافة إلى وجود ساكف باب (عتبة) عليه نقش الصليب السوري - البيزنطي؛ الذي يعود إلى تلك الفترات الزمنية (قرن 5-6)».

واجهة الكنيسة

ويضيف: «الدراسة العلمية الهندسية تُفيد بأنها بُنيت على مراحل متعددة وشهدت أكثر من حقبة عمرانية وأنها توسعت وتقلصت في مراحل لاحقة أخرى متأثرةً بالظروف الأمنية السائدة، حيث تشير واجهة الكنيسة الداخلية إلى ذلك الأمر، من خلال نمطها المعماري الذي ساد أثناء الفترة الصليبية، كما أنها عرفت ترميمات عديدة في فترات زمنية مختلفة خاصة أن "اللاذقية" تقع ضمن منطقة زلزالية ناشطة».

كل الدلائل التاريخية وخاصة مخطوطات المطرانية تشير إلى أن هذا البناء حافظ على كونه داراً أسقفية ومقرّاً لأبرشية "اللاذقية" خلال الاحتلال العثماني لـ "سورية"، وقد تركت تلك المرحلة آثارها على المبنى من خلال عقود البناء (القناطر) الموجودة في أكثر من مكان في الدار، لكن وكما تأثرت المطرانية بمرحلة الاحتلال العثماني عمرانياً كان لها أثرها الاجتماعي والمدني في تلك المرحلة؛ حيث شهدت وبحسب الأب "نصور" اجتماعات ولقاءات محلية للأهالي على مختلف مشاريعهم، ولعبت دوراً وطنياً فكانت مركزاً لانطلاق العديد من الأعمال والمشاريع الوطنية.

كما أنه -أي مبنى الدار- كان مركز انطلاق للكثير من الشخصيات الدينية المسيحية نحو العالم، ويقول الأب "نصور": «عاشت فيها وانطلقت منها عشرات الشخصيات الدينية المسيحية التي ساهمت في بعث النهضة الكنسية والروحية في بطريركية "أنطاكية" وسائر المشرق للروم الأرثوذكس في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ومن أهمهم مطران "اللاذقية" "ملاتيوس الدوماني الدمشقي" الذي أصبح فيما بعد أول بطريرك عربي بعد حقبة البطاركة اليونان (1724-1899)، و"جراسيموس مسرة اللاذقي" مطران "بيروت"، و"صموئيل استبريان اللاذقي" مطران "صيدا" و"صور"، و"غريغوريوس جبارة اللاذقي" مطران "حماة"، و"نيفن سابا اللاذقي" مطران "بعلبك" و"زحلة"، وغيرهم الكثيرون».

جدير بالذكر أن هذا المبنى الذي يحمل أهمية تاريخية كبيرة يحتضن "إنجيل الفاروس" وهو إنجيل فريد من نوعه على مستوى العالم، ويعود إلى فترة مابين القرن الحادي عشر- الثاني عشر.