أُطلق على هذا النبع اسمان غريبان، الأول اسم نبع "شورب" والثاني "عين المجنونة"، وكلاهما متداولان في القرية التي تحتضن النبع وهي "بسنادا" من قرى "اللاذقية".

يقع النبع في جنوب "بسنادا" على الطريق القديم الذي كان سابقاً أحد مداخل القرية وصولاً إلى أوتوستراد الثورة حديث الإنشاء نهاية الثمانينيات، ويستمد مياهه كما يذكر "مجتبى غانم" أحد سكان "بسنادا" ومن الجيل العتيق فيها، خلال حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 أيلول 2015، من نبع "بسنادا" الرئيس إضافة إلى مصادر أخرى قريبة كما يبدو؛ فهو يخرج من سفح تلة تشكل مع تلة ثانية كتلة القرية كلها.

تم تهجين أنواع محلية مع أنواع مستوردة؛ حيث حصلنا على أنواع تتميز بكبر حجم الحبة إضافة إلى مستوى الحلاوة المرتفع

يضيف "غانم": «يغذي نبع "بسنادا" القديم هذا النبع عن طريق قنوات داخلية لا يعرف موقعها بالتحديد، وفي فصل الشتاء كان النبع ينفجر بغزارة ولعله بسبب ذلك سمي باسم "المجنونة"، أما تسميته بعين "شورب" فلا نعرف لها سبباً إلا أن الأقدمين كانوا يستخدمون الاسمين تداولاً، ولعل الأمر يتعلق بطريقة الشرب منه؛ حيث لا بد من الانحناء وصولاً إلى مياهه العذبة مع الاستناد إلى طرفي المدخل والشرب باستخدام الرأس بدلاً من الغرف باليدين كما هو متداول».

مجتبى غانم

يتميز النبع بوجود حجر مستطيل يحجز المياه خلفه يبلغ طوله نصف متر يوازيه حجران مستطيلان بارتفاع متر تقريباً، وفوقهما حجر طوله أكثر من متر، وبذلك تكون واجهة النبع معمارياً مربعة الشكل تشبه الحرف "بي" اليوناني، أما في الداخل فيستمر البناء بنفس الطريقة لمسافة قصيرة، حيث تظهر المياه من عمق الأرض وتتجمع قبل أن تخرج من فتحة بين الحجر الأساسي.

يعود تاريخ إنشاء النبع بشكله الراهن إلى العهود الفينيقية والرومانية، فهذا النمط المعماري البسيط والسهل الاستعمال لا يختلف كثيراً عن النمط المعماري للنبع الأم، نبع "بسنادا"، كما أن هناك عدة دلائل أثرية على قدم استيطان المنطقة؛ منها العثور على مقابر فينيقية قريبة من النبع قبل سنوات، يذكر الباحث الأثري "جمال حيدر" في كتابه "الأمكنة الأثرية والسياحية في اللاذقية" أن مياه النبع الأم كانت تستجر عبر قنوات حجرية تجري تحت الأرض لمسافات طويلة وتسقى منها مدينة "اللاذقية"، كما أن مياه هذه الينابيع تميزت بعذوبتها وشفائها للأمراض وفق القول الشعبي، ويذكر هنا أن الجنرال الفرنسي "شارل ديغول" قد حمل معه إلى "فرنسا" من مياه هذه الينابيع عند زيارته لـ"اللاذقية" أواخر الأربعينيات.

العين على غوغل إيرث

تبلغ غزارة المياه شتاء حداً يكفي لتجميع المياه في فصلي الربيع والصيف لسقاية المزروعات في تلك الأنحاء، وفي الوقت الذي تخف فيه المياه في نهاية الصيف والخريف فإنه يبقى هناك ما يكفي لسقاية المزروعات وتعبئة المنازل بالمياه الصالحة للشرب حتى وقتنا هذا.

تزرع في أنحاء منطقة النبع مختلف أنواع المزروعات الصيفية والخريفية، ومنها الخضراوات والأشجار المثمرة والفواكه والزيتون، وأبرز الفواكه هنا "الأكدنيا" التي تثمر باكراً وتتميز بجودتها العالية وكبر حجم ثمارها إضافة إلى مقاومتها للأمراض، يقول المزارع "علي زمار" وهو صاحب تجربة ثرية في زراعة الأكدنيا في المنطقة: «تم تهجين أنواع محلية مع أنواع مستوردة؛ حيث حصلنا على أنواع تتميز بكبر حجم الحبة إضافة إلى مستوى الحلاوة المرتفع».

صورة عامة للمنطقة

تطورت المنطقة المحيطة بالنبع إلى منطقة سكانية في الأوقات الأخيرة، فتم بناء عدة محاضر سكنية، إلا أن الناس حافظوا على النبع قيد الاستخدام، ولو بوجه أقل مما كان سابقاً حيث كان النبع محط رحال الشباب والصبايا للقاء والحديث وتعبئة المياه والاتفاق على تفاصيل الأعراس؛ وهو ما خلدته الأغاني الشعبية في المنطقة، تقول إحداها:

"الفيا يا بنية الفيا... وع العان تعبي مويّا

اتفضل شربلك شربي... من إيدي يا عينيّا"؛ (من تراث المنطقة، العان هي العين، شربي: شربة ماء، الفيا: الفي والظلال حول النبع عادة، مويّا: الماء العذب الزلال).

ويذكر أنه لم يكن من اللائق اجتماعياً أن تمر الفتاة في شوارع القرية وهي تحمل الماء في الجرة أو على الراوي من دون أن تدعو الناس لشرب الماء "الطري"، وعادة ما يرد الناس عليها بعبارة: "سقاك الله من نبع زمزم أو نبع الكوثر يوم العطش الأكبر".

يمكن الوصول إلى النبع عبر القرية نفسها من الساحة الرئيسة والاتجاه إلى الجنوب الغربي، أو من الطريق العام الجنوبي بالقرب من سكن الشباب حالياً.