لأجيال كثيرة من سكان "اللاذقية" ذكرياتٌ مع الكورنيش الشمالي يعززها وجود المقاهي والنوادي على امتداده، ويوقظها من الغفلة صور المدينة بالأبيض والأسود.

يمتد الكورنيش الشمالي مسافة تتجاوز أربعة كيلومترات تبدأ جنوباً عند باب المرفأ المقابل لنقابة المهندسين وصولاً إلى بوابة المرفأ المقابلة للرمل الشمالي وتسمى باسمه، وبينهما توجد ذاكرة المدينة وأبرز مقاهيها تلك التي بقيت على قيد الحياة والاستخدام حتى بناء المرفأ مطلع الستينيات، وبعضها ما يزال عاملاً حتى اليوم.

إن حياة الكورنيش هي في الوقت المسائي حتى ما بعد منتصف الليل، حيث تمتلئ المحال والمقاهي بالناس الباحثين عن استراحة من تعب النهار

يتذكر "حسن عقدة" أحد سكان منطقة مقهى "شناتا" في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 12 آب 2015، كيف كان وما يزال الكورنيش الشمالي مقصداً لأهل المدينة للترويح عن "شوب" أشهر الصيف بالسهر على امتداده، ويضيف: «لا تعرف الأجيال الجديدة أن سيدة الطرب العربي "أم كلثوم" قد غنت هنا في مقهى "شناتا" على الكورنيش الشمالي، كذلك فعل "محمد عبد الوهاب" وغيرهم، يروي لي والدي المرحوم أيضاً أن آخر عناصر الجيش الفرنسي غادرت البلد من على هذا الكورنيش في شهر نيسان عام 1946».

إطلالة على المرفأ

هذه الذاكرة استمرت حية، يضيف "عقدة" قائلاً: «كل الأماكن تتغير وهذا طبيعي، ولكن بناء المرفأ هنا أمام المدينة أفقدنا السهر على صوت الموج والاستمتاع بليالي البحر الحقيقة، على الرغم من أن هناك عدداً جيداً من المقاهي وهناك حديقة، إلا أننا نحنّ إلى أيام الشاطئ الرملي الذي ابتلعه المرفأ».

يوجد اليوم على الكورنيش نادي "النقابات المهنية" أحد أقدم نوادي المدينة ويعود تأسيسه وبناؤه إلى حقبة العشرينيات من القرن الماضي على يد مهندس أرمني، ومن أمامه "كانت تمر التظاهرات المناوئة للفرنسيين إبان احتلالهم لسورية، كما شهد النادي استضافة عدد من رؤساء الدولة السورية".

استراحة المحارب

تم إنشاء الكورنيش على عدة مراحل، فبعدما كانت الطريق الرئيسة تطل مباشرة على البحر توسعت إلى أوتوستراد دولي، وقد اختفت الواجهة البحرية بعد توسع المرفأ الأخير آواخر الستينيات، الأمر الذي أفقد المدينة صفتها البحرية إلى حد كبير.

كما يقع على الكورنيش نادي "الضباط" ومقهى وحديقة "العصافيري" وحديقة "البطرني" ومقهى "شناتا" وغيرها من المقاهي المميزة، تقول "منى جرعتلي" من سكان حي "مار تقلا" القريب من الكورنيش: «يعد الكورنيش الشمالي مقصداً لأهل المدينة ومحطة للمشي والتمتع بالطقوس المرتبطة من رياضة وأكل وتنزه وترويح عن النفس، إطلالته البحرية على المرفأ وحركة السفن والهواء النقي تشجع على القدوم إليه، كذلك فهناك سياحة شعبية وأكلات الموسم المعروفة من ذرة وفول وصبار أحياناً».

السيد حسن عقدة

يتمتع الكورنيش برصيف عريض أكثر من عشرة أمتار في بعض الأماكن، وتساعد الحديقة التي تتوسطه على جذب الناس، ومع ازدياد عدد سكان المدينة كثيراً في الفترة الأخيرة زاد عدد قاصدي هذه الحدائق ومنها الحديقة القريبة من مقهى "العصافيري"، وهذه تجذب العدد الأكبر من الناس نظراً لاتساعها النسبي مقارنة مع غيرها.

في الصباح الباكر عادة تخلو المنطقة من الازدحام في حين تغص بالرواد ليلاً، يقول "محمد حسن" ممن التقيناهم على الكورنيش: «إن حياة الكورنيش هي في الوقت المسائي حتى ما بعد منتصف الليل، حيث تمتلئ المحال والمقاهي بالناس الباحثين عن استراحة من تعب النهار».

من المعالم الأخرى على هذا الكورنيش المتحف الوطني لـ"اللاذقية" الذي سبق وكان مركزاً لتجميع الدخان، وحمل اسم "خان الدخان"، وقد كان وقتها قريباً من مستودعات المرفأ، يذكر الباحث الراحل "جبرائيل سعادة" أن المبنى المذكور كان يستقبل التبغ اللاذقاني الشهير ويصدر منه إلى مختلف دول العالم.

يختم "حسن" حديثه بالقول: «هناك صور بالأبيض والأسود للكورنيش الشمالي تبين وجود صخرة أمام الكورنيش تشبه جزيرة صغيرة، لكنها أزيلت مع توسع المرفأ الأخير، كان فوقها مقهى يقدم المشروبات والأطعمة البحرية أيضاً».